اسطنبول | اضطرت جماعة «الإخوان المسلمين» إلى البوح بقليل من التفاصيل حول هوية الاتصالات التي تجريها السلطات المصرية معها منذ أسابيع، في ظل الجدل الذي قام بعد تصريحات سابقة الأسبوع الماضي لنائب مرشد «الإخوان» ابراهيم منير. فالقيادي المقيم في لندن كان قد شدد على أنه «لا تصالح مع نظام السيسي الذي قتل الآلاف من الإخوان، ولا تنازل عن عودة محمد مرسي إلى السلطة، فضلاً عن عودة مجلس الشورى والشعب المنحلّين بقرار من وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي».
لكن «الإخوان»، نشرت أول من أمس، تقريراً أقرب إلى بيان، في أحد المواقع المقربة من مكتب لندن، قالت فيه إنها «تتلقى اتصالات من قبل شخصيات قريبة من النظام، وأخرى من داخله، لمحاولة البحث عن رؤية ما لإنهاء الأزمة بشكل أو بآخر، أو على الأقل، الوصول إلى تهدئة بين مختلف الأطراف». وقالت في الرسالة إن هذه الاتصالات جرت مع قيادات إخوانية بارزة داخل مصر، وكذلك مع بعض القيادات الكبيرة خارج البلاد، كاشفةً أن هناك اتصالات قامت بها شخصيات عسكرية سابقة وحالية في هذا الصدد.
وقد سعى نائب مرشد «الإخوان» والقائم بأعماله محمود عزت، طوال الأيام الماضية إلى وأد التحركات المعارضة التي قادها مكتب الخارج للسيطرة على التنظيم، وأجرى انتخابات استطاع من خلالها تزكية كل المحسوبين عليه والذين يرجّحون أفضلية التسوية مع السلطة، في مقابل التهدئة وخروج المعتقلين وإنهاء حالة الصراع الصفرية الحالية.
أكثر من قيادي من «الإخوان» كشفوا لـ«الأخبار»، تفاصيل اللقاءات والاتصالات التي تمت خلال الأيام الماضية معهم داخل مصر وخارجها. فوفقاً لقيادي إخواني في مكتب «الإخوان» المصريين في مدينة جدة السعودية، أن مسؤول مكتب «الإخوان» في الرياض هو من التقى وفداً من المخابرات العامة المصرية في الأيام القليلة الماضية للحديث عن تسوية سياسية.
وعلى الرغم من عدم نشر السعودية أي تفاصيل عن تلك اللقاءات، أوضح القيادي الإخواني أن اللقاء تم برعاية المخابرات السعودية، فيما تشكل الوفد الإخواني من ثلاثة أعضاء؛ على رأسهم مسؤول مكتب الرياض، والذي يأتمر بتوجيهات مكتب «الإخوان» في لندن وفي مقدمهم ابراهيم منير المحسوب على جبهة محمود عزت في مصر.
في هذا الوقت، قالت مصادر حكومية مصرية إن هناك نزاعاً بين أطراف أمنية داخل النظام حول التسوية مع «الإخوان».

أرسلت الرياض جمال
الخاشقجي لجسّ نبض «الإخوان» حيال التسوية مع القاهرة
فعلى الرغم من الأوضاع السياسية الصعبة وإغلاق المناخ السياسي العام في مصر، ترى أطراف أمنية مقربة من السيسي أن «الإخوان» سوف ينصاعون في النهاية للسلطة ولا مجال لمحاولات التسوية معهم. في المقابل، ترى أطراف أمنية أخرى أن ملف «الإخوان» يجب إغلاقه بتسوية في ظل الوضع الداخلي، فضلاً عن ضغوط أوروبية وأميركية على السيسي لدمج «الإخوان» في الملف السياسي مرة أخرى، مشيرةً إلى أن إلغاء الإعدامات عن «الإخوان» ومحمد مرسي كان نتاج ضغط أميركي، وخصوصاً من وزير الخارجية جون كيري لإدخال «الإخوان» في الحياة السياسية، مثلما كان الوضع عليه أيام نظام حسني مبارك.
ومع اشتعال ردود أفعال قواعد «الإخوان» حول اللقاء الذي أخذ حيزاً من النقاش ومن الشتائم الموجهة للقيادات القديمة، فضلاً عن التخوين، رأت السعودية أن تسريب الخبر يسيء إليها، وخصوصاً أنها أدرجت جماعة «الإخوان المسلمين» على قوائم الإرهاب منذ أكثر من عام، وهو ما دفع المملكة إلى تهديد القيادات الإخوانية في السعودية بالترحيل في حال تكرار مثل هذه التسريبات عن مساعٍ سعودية لرعاية تسوية إخوانية مع النظام في مصر، وذلك وفقاً للقيادي في مكتب جدة.
قواعد «الإخوان» في الداخل لم تكن بعيدة عن التفاصيل المتناثرة حول الأزمة ومساعي القيادات التاريخية للبحث عن تسوية سياسية مع نظام السيسي. فمع وصول خبر لقاء قيادات «الإخوان» بوفد المخابرات العامة المصرية في الرياض، أبدت قطاعات كبيرة من قواعد «الإخوان» في وسط الدلتا والقاهرة الكبرى وبعض محافظات الصعيد مثل المنيا وقنا وسوهاج ترحيبها، مع اشتراط الإفراج عن المعتقلين وإنهاء حالة المعاناة الحالية التي يعانيها المطاردون والتنظيم بشكل كامل، وفقاً لرواية قيادي إخواني في قطاع وسط الدلتا شمال مصر لـ«الأخبار».
ويذهب قيادي إخواني في اسطنبول إلى أبعد من ذلك بقوله إن الإعلامي السعودي جمال خاشقجي التقى بقيادات إخوانية في تركيا في الأشهر الماضية بتكليف من الرياض لجس نبض الإخوان حيال تسوية مع النظام. ذلك إلى جانب نصيحة سعودية لـ«الإخوان» بالاختفاء من تصدر المشهد السياسي بالكامل والسماح لوجوه ليبرالية أو حتى إسلامية مستقلة لتصدر المشهد السياسي في مصر حتى يتجنب «الإخوان» استفزاز الأطراف الإقليمية والدولية.
وفيما يمكن اعتباره مساعي إيجابية من جانب قيادات التنظيم التاريخية لحلحلة الأزمة الحالية، ثمة عوائق بين «الإخوان» والسلطة سوف تكون كالبؤر التي ستبتلع أي محاولات تسوية في القريب العاجل، إلا إذا كان لدى «الإخوان» القدرة على ابتلاع هذا الحجم من الخسائر؛ وعلى رأسها بطبيعة الحال الانسحاب من المشهد السياسي، فضلاً عن قبول السيسي في السلطة، بالإضافة إلى السكوت عن قتلى «رابعة» و«النهضة»، والموقف الشائك من قضية محمد مرسي.
وحول التوقيت الدقيق للقاء القيادات الإخوانية بوفد المخابرات المصرية في السعودية، قال قيادي إخواني من المنوفية شمال مصر لـ«الأخبار»، إن اللقاء كان في عزاء الأمير تركي بن عبد العزيز، شقيق الملك السعودي سلمان الذي توفي في 12 من الشهر الحالي، كاشفاً عن أن الوفد المصري طالب الوفد الإخواني بإبلاغ القيادات التاريخية برغبة الجهاز الأمني المصري في الجلوس معاً والبحث عن صيغة ترضي كل الأطراف، وهو ما رحب به الوفد الإخواني، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن الأخير ذهب إلى العزاء بتكليف من ابراهيم منير بعد تواصل مع المخابرات السعودية.
ومع الغياب الواضح لمكتب الأزمة في الخارج والمحسوب على التيار الشبابي داخل «الإخوان» في ملف التسوية مع النظام في مصر، بدا أن ابراهيم منير ماض نحو تسوية مؤلمة لـ«الإخوان» في سبيل الحفاظ على ما تبقى من التنظيم داخل مصر وضمان عودة المطاردين إلى ديارهم، من دون ملاحقة من النظام في مصر.