المدرجات لا تعترف إلّا بالشجعان
قبل انطلاق مباراة أول من أمس، كان جمهور النجمة الذي فاق حضور مشجعيه الألفين، يهتف ويغنّي لفريقه تارةً، ويوجّه رسائل «التزريك» لخصمه التقليدي الأنصار، لابتعاده عن المنافسة، ويتوعّد منافسه العهد بالمواجهة المقبلة. بعض الشتائم التي لا مفرَّ منها حضرت أيضاً، إن كان للعهد، أو للفريق الطرابلسي. لا يُمكن ضبط هذه الأمور، بل ربما، ليس هناك من داعٍ لضبطها. هكذا هي كرة القدم وهكذا يكون الجمهور بنظر الكثيرين. الشتائم تأتي نتيجة انفعالاتٍ أحياناً، وأحياناً أخرى بسبب ترديد ما يُسمع، فالجمهور صوتٌ واحد، والاكتفاء بتشجيع الفريق دون الإلتفات إلى المنافسين يُفقد شيئاً من متعة الحضور على المدرجات. «مش قاعدين بجامع/كنيسة». عبارةٌ ترددها الجماهير كُلّما سُئلوا عن شتيمة (مسبة) سُمعت من على المدرجات. لكن المشكلة هي في نسيان السبب الأساسي للوجود على المدرجات، وهو التشجيع. المفارقة هي أن الألتراس يلتزم بمساندة فريقه سواء كان متقدّماً بالنتيجة أو متخلّفاً. لديه أغنياته الخاصة وجوّه المختلف عن من هم حوله، بل يقود باقي المشجعين أحياناً. هذا لا يعني أن الشتائم غائبة، «بتمرق»، لكنها لا تطغى على التشجيع.
جمهور النجمة كغيره من الجماهير اللبنانيّة، ومباراته الأخيرة مع طرابلس هي كأيّ مباراةٍ في البطولة. ثقافة التشجيع المطلوبة من الجماهير عينها لدى مشاهدة مشجعي الفرق العربية الأفريقية غائبة عن جميع المدرجات. ليس الهدف تكديس المشجعين وتعبئة المدرجات بقدر ما هو أخذ دور اللاعب رقم 12 في الفريق. حضور عشرين ألفٍ على المدرجات، وحصر التشجيع بالمئات منهم فقط لن يُساعد. في هذه النقطة تحديداً يمكن المقارنة بين تشجيع الجماهير في بلاد المغرب العربي (تونس ـ المغرب ـ الجزائر) والتشجيع في لبنان. هناك يأخذ التشجيع بعداً أكثر من الرياضي، فيكون المدرج انعكاساً لحالة الشارع، والأغاني التي ينشدها الألتراس تعكس وضع البلاد والعباد، والحساسية الكبيرة بين الألتراس والأنظمة. الوضع في لبنان مختلف، لكن الأكيد أن الأمر بحاجة إلى وقت لكي يصبح التشجيع ثقافة عامّة عند الجمهور الكروي، الأمور لا تحصل بسرعة، وتجربة الألتراس على المدرجات اللبنانية لا تزال حديثة العهد، وهي تعطي صورة إيجابية حتى الآن.
لا شكّ أيضاً أن قرار الاتحاد اللبناني لكرة القدم بمنع إدخال مكبّرات الصوت إلى الملاعب يُساهم في الصمت الذي تعيشه المدرجات. قادة الجماهير كذلك يتحمّلون مسؤولية في «الفرجة»، فحتّى الألتراس، على الرغم من ثقافة التشجيع الموجودة لدى أعضائه، بحاجةٍ إلى قائد. حضور الجمهور بلا تشجيعه لفريقه كغيابه، فهو لا يعطي الإضافة، ولا الحافزية للاعبين لكي يقدموا كل ما يملكون من إمكانات على المستطيل الأخضر.
أسلاك شائكة على المدرجات
كأن حضور الجيش اللبناني وآلياته العسكرية في مدينة كميل شمعون الرياضية لم يكن كافياً للدلالة على أن هذه المنشأة باتت أقرب إلى ثكنة عسكرية منها إلى مدينة رياضية، لتُفرش الأسلاك الشائكة على المدرجات أيضاً. هذه الأسلاك وُضعت في أكثر من ملعب على أسوار المدرجات لمنع المشجعين من النزول إلى أرضية الملعب، لكن احتلالها مكان المشجعين أيضاً بدعة جديدة. على يمين المنصة الرئيسية في ملعب المدينة الرياضية وُضعت الأسلاك الشائكة (ظهر ذلك خلال مباراة النجمة وطرابلس الأخيرة)، كحلٍّ لمنع اقتراب جمهور الدرجة الأولى من المنصة، علماً أنه من النادر قفز أحدهم من مدرجٍ إلى آخر. 12 كرسياً بعرض المدرج، من أعلاه إلى أسفله، بات ممنوعاً الاقتراب منها. هكذا ارتأى المعنيون في محاولة الحدّ من قذف عبوات المياه، لحماية من في المنصة، بدلاً من تعزيز وجود القوى الأمنية على المدرجات. هذه الأسلاك لم تُفرش على يسار المنصة، على الرغم من أن الدرجة الأولى في هذه الجهة تحتضن جمهور الفريق الضيف عادة.
متاريسُ وأسلحةٌ وربما ترابٌ بدلاً من العشب الأخضر حتى اكتمال المشهد، ولو أن المتاريس لم تغِب في أي فترةٍ عن الملعب، ومعها لون التراب على الأرض.