كأن المصارف تعيش في «جزيرة»

استظل أصحاب المصارف التجارية الأوضاع القائمة للتحذير دائماً من مخاطر تقلّص أرباحهم. خلال الأسابيع الماضية، كان حديثهم عن تراجع أرباح القطاع المصرفي بنسبة تراوح بين 3% و5%. حديثهم لم ينطلق عبثاً، بل له أهداف. يريدون المزيد من الدعم. مبلغ الـ1.6 مليار دولار التي يربحونها سنوياً ليس كافياً... بقصد أو من دون قصد يكشف الحاكم عن النمط الذي يتبعه أصحاب المصارف، يقول: «أرباح عام 2013 قد تعادل تلك المحققة في عام 2012 أو حتى مع تحسّن طفيف». تعبير سلامة أكثر من كاف ليكشف أن التحذيرات التي أطلقها المصرفيون ليست جدّية.

على مدى الشهرين الماضيين التقت «الأخبار» عدداً من المصرفيين. كل واحد منهم كان يؤكد كلام الآخر عن أن المصارف لا تعيش في جزيرة معزولة، وأنها تأثّرت سلباً بأوضاع المنطقة وبالتدهور الأمني والسياسي في لبنان. كان أعضاء مجلس إدارة جمعية المصارف يرددون وتردد معهم الصحافة أن أرباح القطاع ستتراجع في عام 2013 مقارنة مع أرباح عام 2012. وقد أجمع هؤلاء، بوصفهم يمثّلون مصارف مجموعة «ألفا» الأكبر في لبنان، على أن عام 2014 سيكون الأسوأ بعد عام 2013 السيئ. توقعات هؤلاء كانت متباينة إلى حدّ ما. بعضهم قدّر أن تتراجع الأرباح بنسبة 3%، وبعضهم كان يشير إلى 5%... لكن موقف الجميع كان واضحاً لجهة منحى الأرباح التراجعي، وهو لا مستقرّ ولا متقدّم.
فجأة، تغيّر الحديث على لسان رياض سلامة. الحاكم تحدث في آخر اجتماع مع مجلس إدارة جمعية المصارف بصورة إيجابية عن مؤشرات القطاع المصرفي لعام 2013. قال سلامة إن المخاطر اللبنانية بحسب ما يظهر سجّل الـCDs، تراجعت من 4.2% إلى 3.8%، وإن هناك اهتماماً باليوروبوندز يتوجّه مباشرة إلى مصرف لبنان. وأشار إلى أن ودائع المصارف زادت في عام 2013 بنسبة 7%، وأن جزءاً منها يعود لغير المقيمين. ولفت إلى أن نسبة الدولرة حافظت على معدلها، اي 66%. كذلك قال: «الأجواء الخارجية أصبحت مقبولة أكثر بنتيجة التعاميم وحملة العلاقات العامة (اللوبي) من قبل الجمعية». ثم أنهى هذه المؤشرات بالإشارة إلى أن أرباح عام 2013 قد تعادل تلك المحققة في عام 2012 أو حتى مع تحسن طفيف، وذلك رغم تكوين مؤونات إضافية من قبل المصارف. هذا يعني، ببساطة، أن أحوال القطاع المصرفي لعام 2013 لم تكن بهذا السوء الذي تحدّثوا عنه، بل يعدّ نسبياً أفضل حالاً من أي قطاع آخر وكأنه يعيش فعلاً على جزيرة. وهذا الأمر يؤكد أن أرباح القطاع لن تكون أقل من 1.6 مليار دولار، وأنها قد تزيد قليلاً خلافاً لما حصل في عام 2012 حين تراجعت الأرباح بنسبة 3%.
وما يعزّز هذه الصورة، أن نتائج الميزانية المجمّعة للمصارف خلال الأشهر الـ11 الأولى من عام 2013، جاءت في السياق نفسه الذي اشار إليه سلامة. ففي نهاية تشرين الثاني 2013، زادت تسليفات المصارف للقطاع الخاص بقيمة 3.5 مليار دولار لتصبح محفظتها الإجمالية 41.3 مليار دولار. أما محفظة توظيفات المصارف مع القطاع العام فقد زادت بقيمة 6.4 مليارات دولار لتبلغ 37.5 ملياراً. هذا يعني أن المصارف زادت اكتتاباتها في سندات الخزينة اللبنانية خلافاً لما كانت تدعيه لجهة تحفّظها عن توظيف الأموال في الدين السيادي (الدين العام). كذلك، لهذه المؤشرات دلالات إضافية، فمحفظة تسليفات القطاع الخاص باتت تمثّل نحو 29.9% من مجمل الودائع، فيما تمثّل توظيفاتها في القطاع العام نحو 27.1% من الودائع. وإذا احتسبنا ودائع المصارف لدى مصرف لبنان، فإن نسبة توظيفاتها في القطاع العام قياساً إلى ودائعها، تصبح مرتفعة جداً. إلا أن هذا الأمر يكشف عن مصادر أرباح المصارف، ولا سيما المال العام.
وبحسب نتائج الميزانية المجمّعة، فإن ودائع المصارف لدى مصرف لبنان بلغت 53.9 مليار دولار. أما ودائع الزبائن لدى المصارف فقد زادت بقيمة 7.2 مليارات دولار في نهاية تشرين الثاني 2013، أي بزيادة نسبتها 5.5%، وبالتالي فإن شهر كانون الأول كان «عظيماً» لدى المصارف لأنه حقق زيادة بنسبة 7% وفقاً لما أعلنه سلامة في لقائه مع مجلس إدارة جمعية المصارف. المهم، أن الودائع بلغت في نهاية تشرين الثاني 138 مليار دولار، وباتت توازي 3.4 مرات الناتج المحلي الإجمالي البالغ 40 مليار دولار.
اللافت أن ودائع المقيمين زادت بقيمة 5.1 مليارات دولار لتبلغ 106 مليارات دولار، وأن ودائع القطاع الخاص غير المقيم (ودائع لدى مصارف تابعة أو فروع مصرفية لبنانية خارج لبنان) زادت بقيمة 3 مليارات دولار. لكن ودائع القطاع المالي غير المقيم تراجعت بقيمة 900 ألف دولار.

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي