مع اندلاع الاحداث في سوريا، رأى الاسرائيلي فيها فرصة تاريخية للتخلص من خطر محور المقاومة، وخصوصاً حزب الله، من دون أي كلفة، لكنّ أسهم هذا الرهان تراجعت مع فشل محاولة اسقاط الرئيس بشار الاسد. بعد ذلك، شهدت الرهانات الاسرائيلية ــــ ومعها الغربية وبعض العربية ــــ حالات من الصعود والهبوط، قبل أن ترتفع آمال تل أبيب مجدداً مع اضطرار حزب الله الى المشاركة في المعركة.
ومع الدخول المباشر للعامل الروسي على خط المواجهة العسكرية، تناول مستشار الامن القومي السابق لبنيامين نتنياهو، اللواء يعقوب عميدرور، مفاعيل هذا المستجد الاستراتيجي على الامن القومي الاسرائيلي. وفي سياق تقديره الذي اورد فيه العديد من العناوين، رأى ان لزيادة انتشار القوات الايرانية وقوات حزب الله في سوريا، تحت المظلة الروسية، وجهين: الاول يتعلق بهامش حركة حزب الله ونوعية قتاله مستقبلا، والثاني يتصل بالخطر الذي يمثّله ترسيخ سيطرة تحالف حزب الله ـــــ ايران في سوريا على اسرائيل.
في ما يتعلق بالوجه الاول، رأى عميدرور أن «حزب الله منهمك جدا في القتال الصعب في سوريا»، وهو ما أنتج فرصة بالنسبة لاسرائيل، تمثلت بـ «عدم قدرته على فتح جبهة جديدة في مواجهة اسرائيل»، كما أنه «بات مقيداً في ردوده حتى عندما تقع عمليات عنيفة ضد عناصره أو ضد منظومة سلاحه في سوريا»، لافتاً الى خسائر بشرية كبيرة في صفوف الحزب استناداً الى أرقام من الواضح أنه مبالغ فيها جدا.
ولم تبقَ «الفرصة» التي أكثر الاسرائيليون الحديث عنها، تشخيصاً نظرياً، بل انتقلت اسرائيل الى محاولة الاستفادة منها على المستوى العملاني. بدأ هذا المسار مع الاعتداء الاسرائيلي الجوي مطلع عام 2013 والاعتداءات التي تلت. وبعد التدخل العسكري الروسي في سوريا، أكدت اسرائيل رسمياً أنها ستواصل سياسة الاستهداف المركّز ضد ما تقول انه قدرات كاسرة للتوازن في طريقها الى حزب الله.
لكن في ما يتعلق بجدوى هذه السياسة العملانية، فقد أقر نتنياهو ضمناً، وقبله العديد من الخبراء والمعلقين المختصين، بأن هذه الاستراتيجية لا تحقق كامل أهدافها المنشودة. رغم ذلك، يصرّ الاسرائيلي على مواصلة هذه السياسة، بناء على قاعدة ما لا يدرك كله لا يترك جله. وأتى هذا الاعتراف على لسان نتنياهو خلال كلمته الاخيرة في الامم المتحدة، عندما اقر بأن حزب الله بات يملك صواريخ ارض ــــ جو "أس 22"، وصواريخ "ياخونت" المضادة للاهداف البحرية، وصواريخ ارض ـــــ ارض موجهة ودقيقة وطائرات من دون طيار قادرة على اصابة اي هدف في الاراضي الاسرائيلية، وهو ما يعني عملياً بأن اسرائيل لم تستطع منع تزود الحزب بهذه الانواع المتطورة.
قبل نتنياهو، رأت تقارير اعلامية اسرائيلية أن النتائج التي تحققها اسرائيل ليست سوى نقطة في بحر قدرات حزب الله، وحذر خبراء من أن تؤدي هذه السياسة الى تدحرج نحو مواجهة لا يريدها أي من الطرفين، كلٌ لاسبابه، وخاصة أن حزب الله سبق أن امتلك أحدث الاسلحة المتطورة في هذا المجال. وأدركت اسرائيل لاحقاً، أن مفاعيل مشاركة الحزب في القتال في سوريا، باتت تؤدي الى ارتفاع مستوى الخطورة التي يمثّلها على اسرائيل. واوضح عميدرور ذلك، بالقول إن «القتال المكثف في سوريا، يمنح حزب الله خبرة كان يفتقدها». وعلى هذه الخلفية «نشأ جيل من القادة العسكريين الذين يخوضون قتالا قاسيا، اكسب حزب الله ما كان يحتاج اليه كي يتحول الى قدرة أفضل بكثير». ووصل عميدرور، الذي كان عضواً في هيئة الاركان العامة للجيش الاسرائيلي، الى حد القول إن اسرائيل «لم يسبق لها مطلقا أن واجهت في الميدان تنظيما يملك خبرة قتالية كالتي يملكها حزب الله بعد تدخله في سوريا». وهذا المفهوم لا ينطبق فقط على ما سماه «المقاتلين النظاميين»، بل يشمل ايضا «رجال الاحتياط»، في اشارة منه الى عناصر التعبئة العامة التابعة للحزب. وتساءل عن تأثير هذا التغيير في ساحة القتال البري ضد اسرائيل يوم نشوب الحرب، مشيراً إلى أن حزب الله سيستفيد من هذه التجربة ولن نكون امام حزب الله نفسه الذي واجهناه عام 2006. وخلص عميدرور الى أن «الحزب بعد القتال في سوريا، سيكون جوزة من الصعب جدا كسرها».
اما الوجه الثاني، للتغيير في سوريا فيكمن، في رأي عميدرور، في خطورة ترسيخ سيطرة تحالف حزب الله – ايران في سوريا، مشيرا إلى أن الخطر الاكبر على اسرائيل يتمثل بأن يبني الحزب وطهران، تحت المظلة الروسية، ولو من دون الحصول على موافقتها، قاعدة هجومية ضد اسرائيل على غرار جبهة لبنان. ووصف هذا الخطر بالحقيقي لكونه سيفرض على الجيش الاسرائيلي مضاعفة جهوده والعمل ازاء جبهتين، واحدة في لبنان والثانية في جنوب سوريا، وسيكون من الصعب التحرك في دولة تنتشر فيها قوات روسية تقاتل إلى جانب حزب الله والإيرانيين.