لم يكن موقع دالية الروشة يحتاج الى «شهادة» الصندوق العالمي للتراث، كي يحصل على «اعتراف» بأنه حيّز عام ذو اهمية جيولوجية وتاريخية واجتماعية، مثّل على مرّ عقود «حضنا» مفتوحا للناس عموما، ولاهالي المدينة خصوصا، و»ملاذا» لهواة الجيولوجيا والتراث.
الا ان إدراج الدالية على «قائمة المراقبة» (Watch list) التي يعدّها «الصندوق العالمي للتراث» (World Monuments Fund) يعني ان هناك من يُشارك اللبنانيين والناشطين قلقهم، وبالتالي من يحذّر من تدمير هذا الموقع التراثي الذي تهدده الشركات العقارية الخاصة.
هذه الشركات تخطط لاقامة منتجع سياحي- تجاري خاص يتخطّى عامل الإستثمار المحدد للمنطقة، ساعيةً الى استصدار مرسوم استثنائي شبيه بالمرسوم الذي صدر عام 1989 لاقامة منتجع الموفمبيك، وفق معلومات «الحملة الاهلية للدفاع عن دالية- الروشة». وتفيد المعطيات بأن المالكين يسعون الى رفع عامل الاستثمار الى 60% سطحيا، و100% عامّا، من أجل اقامة مراكز تسوّق ومساكن خاصة فخمة وفنادق ومرسى يخوت ومواقف سيارات، فيما يقضي القانون الحالي بمنع البناء بأي شكل من الأشكال في قسم من منطقة الدالية، ويسمح بالبناء بعامل استثمار ضئيل (15% استثمارا سطحيا، و20% عامّا) في قسم آخر من المنطقة.
أمس، عقدت «الحملة الاهلية» مؤتمرا صحافيا في الدالية لتقول ان خطوة ادراج الموقع «تكرّس اهميته كحيّز اجتماعي مشترك وموقع طبيعي أثري ذي قيمة ثقافية وبيئية عالية، يتطلب الإهتمام والرعاية على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي».
وكانت الحملة قد رشحت الموقع في آذار الماضي «استكمالا لمسار العمل على حماية دالية الروشة من حيتان المال، وتكريسها إرثا وطنيا وموقعا طبيعيا مرتبطا بذاكرة بيروت والممارسات الإجتماعية».
ورأت الحملة ان هذه الخطوة تأتي دعماً لمطالب المجتمع الأهلي، بالحق في الوصول الى البحر، وحافزاً جديداً لعمل متكامل نحو تحرير الدالية من قبضة المستثمرين وأصحاب النفوذ،» بعدما كانت قد تحررت رمزياً في الاسابيع المنصرمة عندما أزالت مجموعات الحراك الشعبي السياج الذي كانت قد طوقّتها به».
الا ان «البعد» الابرز الذي يضفيه ادراج الدالية في القائمة، بحسب الحملة، هو اضفاء قيمة معنوية على الموقع وبعدا جديدا لمساءلة ملكيته، «فمفهوم التراث يرتبط إرتباطاً وثيقاً بمفهوم الصالح العام».
ثمة هدف «إضافي» لمؤتمر الامس، يكمن في تسليط الضوء على مخاطر زيادة عوامل الاستثمار على حساب البيئة وعلى حساب الحق في التمتع بما هو ملك للجميع. كذلك هو مناسبة لتذكير الوزارات والجهات المعنية بمسؤولياتها تجاه الموقع وضرورة وضع وتطبيق القوانين والإجراءت التي تضمن ديمومته وإستخدامه العام.
منذ نحو سنة، تقدمت جمعيتا «نحن» و»الخط الاخضر» بمراجعة لدى مجلس شورى الدولة لابطال المرسوم الرقم 169 تاريخ 27/9/1989، المتعلّق بتعديل احكام المرسوم 4810 المتعلق باشغال الأملاك العامة البحرية وإلغاء بعض أحكام المرسوم الرقم 4918 المتعلّق بتنظيم المنطقة العاشرة في مدينة بيروت.
هذا المرسوم (169) يقضي بالتخلي عن أملاك عامة لأفراد دون مبرر، وبالتالي فان الطعن بالمرسوم يقضي، إذا قُبل، باستعادة الكثير من المساحات المستباحة في تلك المنطقة والمقدرة حاليا بملايين الدولارات. المفارقة تكمن في رد الدولة على هذه الدعوى (الموقّع من الأمين العام السابق لرئاسة مجلس الوزراء سهيل البوجي) الذي عمد، بحسب «المفكرة القانونية»، الى تبرير الاعتداء الحاصل على الأملاك العامة «بل ايضا تبرير تجاوز كل الشروط القانونية من اجل التخلي عن الأملاك العامة».