من الصعب، هذه الايام الحديث، عن قوى 14 آذار كاطار جامع، او كرؤية موحدة يلتزم كل اطيافها بها، لكن، في المقابل، يمثّل الموقف الثابت تجاه حزب الله والتمسك باجراء الانتخابات الرئاسية السقف الوحيد الذي يمكن ان يلزم هذه القوى ويجعلها تحدّد الاولويات في الاجتماعات التي تعقد عشية كل جلسة لطاولة الحوار. تحت هذين العنوانين، ثمة تفاصيل كثيرة، باتت تمثّل هامشاً كبيراً لأركان هذه القوى في التعامل مع الاحداث المحلية.
مثّلت حركة رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، في انقطاعه عن الحوار ورفضه الحكومة، اولى علامات هذا الابتعاد عن الانصهار التام والذوبان الكلي في بوتقة واحدة. سبق لجعجع ان حدد التوافق مع الرئيس سعد الحريري في الامور الاستراتيجية، وان الخلاف على التكتيك، فيما برز تمايز حزب الكتائب في اكثر من ملف حياتي، وفي مواضيع تطرح على طاولة مجلس الوزراء، ومنها اخيراً ما يدور حول الترقيات العسكرية التي انحاز فيها الى موقف الرئيس ميشال سليمان و»اللقاء التشاوري». اما المستقبل، ففضلا عن التباينات الكثيرة داخله، ثمة ايضاً وجهات نظر مختلفة عن تلك التي يعتمدها حلفاؤه في قوى 14 آذار، كما يحصل ايضاً في ملف الترقيات. لا يريد المستقبل قطع شعرة معاوية مع التيار الوطني الحر، لكنه لا يريد ايضاً ان يقدم إليه ما يجعله يتقدم خطوة الى الامام، لذا يرمي كرة الترقيات في ملعب سليمان والكتائب معاً. قد يكون الموقف من حزب الله ما يجعل المستقبل خاضعا لتجاذبات اقليمية، اكثر من حلفائه المتمتعين بحرية حركة اقليمية ومحلية، فلا يقيدهم شارع ولا هاجس مذهبي. ولولا تمسك جعجع بموقفه من حزب الله وسلاحه، ومن اتفاق الطائف والنظام السوري، لكانت الاختلافات التكتيكية مع المستقبل قد طغت على الاستراتيجيات. ولولا موقف مستقلي 14 آذار، الثابت ايضاً في وجه حزب الله وضد النظام السوري، لربما كانت ايضاً قد ظهرت التباينات داخل البيت الواحد الى السطح.
ولا شك ان ما تشهده قوى 14 آذار، من تعدد في المواقف والاراء، ظهر بحدّة مع تفاقم ازمة المستقبل الداخلية مالياً واعلامياً وسياسياً، اذ إن الرمال المتحركة، معطوفة على الازمة المالية وغياب الحريري عن بيروت، جعلت التيار يقدم اكثر فأكثر على الانعزال عن شارعه (وحتى بعض نوابه وقادته) الذي وقف في وجهه حتى في ملف النفايات من البقاع الى عكار الى اقليم الخروب.
يجري التعويض عن الازمة الداخلية لدى قوى 14 آذار من خلال تعويم الشق السياسي الاساسي من خطابها، رغم اختلافاتها الظرفية. من هنا تتوحد القراءة الاقليمية، وانعكاسها على الداخل اللبناني: ما يجري في اليمن وسوريا، والتدخل الروسي، وصولا الى المشهد اللبناني على خط التقاطعات الدولية والاقليمية، حيث يظهر حزب الله وامينه العام السيد حسن نصرالله بامتداداته الاقليمية من الحوثيين الى السوريين والايرانيين، وحيث يغيب الافرقاء الاخرون عن واجهة الحدث الاقليمي والدولي. ويتفق مستقلو 14 آذار مع نظرائهم على ان لبنان لا يزال في خانة الانتظار ريثما ينقشع ما يجري في سوريا وما ستؤول اليه «فيتنام» روسيا الجديدة في سوريا، و»فيتنام» السعودية في اليمن. الجديد في مرحلة الانتظار هذه موعد اضيف الى لائحة المواعيد التي يرتبط الوضع اللبناني بها، وهو ما ابلغه الايرانيون الى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للامم المتحدة، من تأجيل البحث في كافة الملفات العالقة بين البلدين، بما فيها لبنان، الى تشرين الثاني موعد زيارة الرئيس الايراني حسن روحاني الى باريس. وبين انتظار زيارة روحاني وزيارة العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز لموسكو، يبقى لبنان معلقا على حبل التفاهمات الاقليمية، تحت سقف الاستقرار الذي باتت اكثر من دولة غربية تهتم به، ليس فقط من اجل لبنان وحده، بل ايضا لارتباط الاستقرار بوقف النزوح السوري الى دول اوروبا تحديداً.

الاستقرار باق بقرار
دولي لكن المخاوف تتزايد من عوامل محلية تعيد المس به


منذ زيارة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الى بيروت، تحولت قضية النازحين وما ابداه من استعداد امام المسؤولين اللبنانيين لتمويل ما يحتاجونه، اسوة بغيره من قيادة اوروبا، على قاعدة ابقائهم في لبنان ما يمنعهم تلقائيا من السفر لحاجات اقتصادية وتعليمية وغيرها، في مقابل حماية الامن وتوفير مظلة الاستقرار فوقه. هذا العامل بات، في ظل الاشادة الاوروبية المتكررة باستقبال لبنان مليونا ونصف مليون نازح سوري، عاملا اضافيا يصب في مصلحة الاستقرار، الذي يشهد تزايدا في توقيف شبكات ارهابية.
لكن بقدر ما يُحفظ الاستقرار بقرار دولي، تتزايد المخاوف من عوامل محلية تعيد المس به، على غرار متفجرة شتورة الاخيرة. هذه المخاوف من تجدد مرحلة سبق ان عاشها لبنان، لا تزال محكومة حتى الان، بحسب هؤلاء المستقلين، بقرار رفيع المستوى باستمرار الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله. ليس امرا عابرا ان ترتفع لهجة الطرفين على خلفية حادثة منى، في بيانات وردود شديدة اللهجة، ويحرص الطرفان في المقابل على استمرار الحوار بينهما. واذا كان تبريد الساحة السنية ــــ الشيعية معيار هذا الحوار وعلة وجوده، الا ان الموقف من سلاح حزب الله لا يزال في خلفية النقاشات وقراءة مستقبله واحتمال وضعه على طاولة الحوار الاقليمية، متى نضجت ظروفها، ربطا بالاستحقاق الرئاسي.
من المبكر حكما الخوض في ما سيقبل عليه اي حوار اقليمي، في وقت ينفجر فيه الخلاف السعودي ــــ الايراني على خلفية حادثة منى، لكن ما يجري في سوريا من حرب صارت متعددة الوجوه، بات يفترض وضع كل الاحتمالات على الطاولة. صراعات بالجملة: النظام ضد المعارضة، النظام ضد التنظيمات الاسلامية، حزب الله ضد النصرة وداعش، روسيا ضد الارهاب، وغيرها من صراعات وحروب متفرقة، باتت تغرق سوريا ومعها ايران وروسيا. وفي كل ذلك لا يظهر في الافق اي مخرج للبنان. الهم الجديد ابقاء الوضع السياسي المهترئ على حاله، وعدم العودة الى مرحلة التفجيرات.