لأسابيع خلت، بدا مرسوم العقد الاستثنائي لمجلس النواب يشقّ طريقه في حكومة الرئيس تمام سلام بلا عقبات، في معزل عن حظوظ التئام الهيئة العامة حقاً. قيل آنذاك ان الجدلين الدستوري والسياسي حسما، الى حد، النصاب المطلوب لتوقيع المرسوم، وهو الأكثرية المطلقة في حكومة سلام كي يصدر. ثم انقطع فجأة، ونهائياً، الحديث عن المرسوم، وكان تردد ان ما ينقصه بضعة تواقيع فحسب، كي يكتمل بـ13 توقيعاً تمثل النصف +1.انضم وزيرا حزب الله الى الموقعين، وكذلك وزير تيار المردة. كلاهما حليفان رئيسيان للرئيس ميشال عون الذي رفض العقد الاستثنائي ولا يزال، شأن رفضه المشاركة في جلسة عامة.
في ما بعد افصح الخلاف على المرسوم عن جانب آخر من الاشتباك السياسي المفتوح بين عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يصر على التئام المجلس، في نطاق ما دُعي «تشريع الضرورة»، وهو يضع هذا الالتئام في صلب صلاحيات البرلمان سواء كان ثمة رئيس للجمهورية أم لا.

توسّط حزب الله لدى مَن يصحّ فيهما انهما حليفان لدودان: حاز من بري على تأكيد بأن لا جلسة لمجلس النواب تفتقر الى الميثاقية، وقال لعون ان العقد الاستثنائي ليس الموضوع الصالح والمفيد لخوض معركة الدفاع عن صلاحيات رئيس الجمهورية.
مع ذلك، لم يصدر المرسوم. وقد لا يصدر ابداً.
واقع الامر ان ما بين الحليف وحليف الحليف اكثر بكثير من ان يختصره خلاف على سبل اخراج مرسوم العقد الاستثنائي.
على ان صدور مرسوم العقد الاستثنائي لا يفضي حكما الى التئام مجلس النواب، لأسباب تتجاوز الخلاف على التفسير الدستوري الى الخلاف على الموقف من انعقاد المجلس بالذات. مرّ العقد العادي الاول الفائت ما بين آذار وايار ــــ وهو انعقاد حكمي للمجلس ــــ من غير ان يتاح للهيئة العامة ان تجتمع. وهو مصير البرلمان ايضاً في ظل مرسوم عقد استثنائي ــــ وإن صدر ــــ الى ان يجري التوافق على الشقين المتلازمين في التئام مجلس النواب:
اولهما، اعتقاد بري ان صدور مرسوم عقد استثنائي لا يتطلب توقيع الوزراء الـ24 الذين تتألف منهم الحكومة، بل النصف +1 فقط. يرى ان عريضة نيابية توقّعها الاكثرية المطلقة للمطالبة بعقد استثنائي كافية لالزام رئيس الجمهورية اصدار المرسوم، من دون ان يمتلك حق الامتناع عن توقيعه. وهي صلاحية مقيّدة للرئيس، في حين ان اتفاقه مع رئيس الحكومة على دعوة مجلس النواب الى عقد استثنائي غير ملزم لكليهما، وهو حق استنسابي تقديري لا يشبه الجانب الآخر المقيِّد، الوارد في المادة 33 من الدستور، المرتبط بالاستجابة الملزمة لعريضة الاكثرية المطلقة.

العقد الاستثنائي
لا يعني التئام المجلس حتما في ظل المقاطعة المسيحية


على نحو كهذا، يميز بري بين مرسوم العقد الاستثنائي والمراسيم العادية التي يوقعها رئيس الجمهورية مع رئيس الحكومة والوزير او الوزراء المختصين، ولا تمر بمجلس الوزراء، الا ان صدورها يحتم توقيع الوزراء الـ24 الذين يتألف منهم مجلس وزراء انتقلت اليه صلاحيات رئيس الجمهورية بعد الشغور.
دافع بري طويلا عن موقفه من توقيع المراسيم العادية كهذه، غير المقيَّدة بمهل زمنية ملزمة لرئيس الجمهورية شأن قرارات مجلس الوزراء عملا بالمادة 56. تالياً، لا تصدر المراسيم العادية ما لم يوافق عليها الرئيس. شدد رئيس المجلس ايضا على ضرورة ان تحظى المراسيم العادية هذه بموافقة الوزراء مجتمعاً، ما دام اصبح هو هيئة رئيس الجمهورية. ليس الامر كذلك بالنسبة الى قرارات مجلس الوزراء التي تخضع لآلية التصويت طبقاً للمادة 65.
على ان هذا القياس يصح على مرسوم العقد الاستثنائي الذي يكتفي بالنصف +1 لاتخاذ قراره وتوقيع مرسومه، نظراً الى ان الصلاحية مفتوحة ومرنة عندما يشاء رئيس الجمهورية اصدار المرسوم بناء على مبادرة منه. بيد ان الصلاحية هذه تصبح ضيقة مقيَّدة، وتفتقر الى التقدير والاستنساب بناء على عريضة نيابية، عندما تورد المادة 33 ان «على رئيس الجمهورية...».
ثانيهما، ان بري يعرف تماماً ان صدور مرسوم العقد الاستثنائي لا يفضي بالضرورة الى اجتماع البرلمان، في ظل استمرار مقاطعة الغالبية النيابية المسيحية الجلسة العامة، في هذا التوقيت بالذات، لأسباب مختلفة تلتقي على هدف واحد هو الحؤول دون الالتئام. عندئذ تنتقل المشكلة من مجلس الوزراء وسبل التفاهم على اخراج مرسوم العقد الاستثنائي، الى مجلس النواب وسبل التفاهم على توفير النصابين السياسي والدستوري لعقد جلسة عامة لا تشوبها شكوك في ميثاقيتها.
ما يقوله بري امام زواره ان لا عقبة في طريق تأمين النصف +1 لانعقاد المجلس، وهو متوافر في احسن الاحوال. لكن المشكلة تكمن في ميثاقية الجلسة على نحو يتغيب معه النواب المسيحيون، ممثلو الكتل الكبرى والرئيسية. اذ ذاك لا يسعه الا ان يكرر تطبيق قاعدة الميثاقية التي كان سبّاقا الى تثبيتها: من دون المكوّن الرئيسي لا التئام للبرلمان. خَبُر التجربة اكثر من مرة مع النواب السنّة ابان استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عندما تغيبوا عن جلسات المجلس، وفي ظنهم ان ليس له ان يشرّع في ظل حكومة مستقيلة، رغم ان الفقرة الاخيرة من المادة 69 تجعل مجلس النواب في انعقاد حكمي بعد استقالة الحكومة دونما حاجته الى عقود عادية واستثنائية. جرّب القاعدة نفسها في السنة المنصرمة من الشغور الرئاسي، عندما قاطع النواب المسيحيون جلسات البرلمان بحجج متفاوتة، اجتمع عليها تكتل التغيير والاصلاح والقوات اللبنانية وحزب الكتائب الى النواب المستقلين.