هذه المرة، سيكون لوقع فشل الهجوم على درعا، اثار كبيرة على خطة العمل التي يعمل عليها التحالف الغربي ــ العربي ضد دمشق. الامر لا يتعلق حصراً بفشل جديد في تحقيق اختراقات ميدانية تتيح السيطرة على كامل الجنوب، بل يتعلق بالادارة السياسية والامنية والعسكرية لآخر حلفاء المحور السعودي ــ الاميركي من «معتدلي» المجموعات المسلحة.
ما حصل فعلياً، هو أن «غرفة العمليات المشتركة في الأردن» المعروفة بـ«موك» (تضم ضباطاً أميركيين وأردنيين وسعوديين ومن جنسيات أخرى)، عملت خلال النصف الثاني من العام الماضي حتى قبل اسابيع، وباشراف اميركي مباشر، على خلق واقع جديد للمجموعات المسلحة. كان الدرس الاهم بالنسبة لـ«موك»، هو اخضاع جميع الفصائل الناشطة في تلك المنطقة الى مرجعية امنية وعسكرية موحدة. والحديث هنا عن 18 فصيلاً أساسياً بينهم بقايا «الجيش الحر». علماً ان فكرة المرجعية لا صلة لها بآليات العمل الداخلية لهذه الفصائل. وأتاح هذا القرار خلق ارضية لما سمّوه «التعاون» مع «جبهة النصرة» القوية جنوبا. فكرة ادارة «الموك» تركز على جعل المسلحين يخضعون لامرة واحدة خلال المعركة، على ان تتولى غرفة العمليات لاحقا توزيع المغانم عليهم. وترافق هذا الجهد مع اوسع عمليات تدريب اعتبر «نوعياً» للمقاتلين في هذه المجموعات، ضمن برنامج لحشد خمسة الاف مقاتل مدرَّب يتولون الهجوم الحاسم للسيطرة على كامل الجنوب واعادة الربط مع ريف دمشق الجنوبي والغربي والشرقي بقصد التقدم صوب العاصمة السورية. وتطلب هذا الامر مستوى آخر من التعاون شمل تركيا هذه المرة، بقصد التعامل مع واقع ان زهران علوش، قائد «جيش الاسلام» الذي يعمل تحت اشراف سعودي مباشر، سوف يكون له دوره الحاسم في معركة دمشق.

خلال العام المنصرم بلغت خسائر
المسلحين 1977 قتيلاً واكثر
من ثلاثة آلاف جريح


لكن، خطة العمل الشهيرة التي عرفت بالخطة «H» والتي كشفت امنيا من جانب الجيش السوري وحلفائه، لم تحقق غايتها. بل على العكس، بادر الجيش السوري وحزب الله في شباط الماضي إلى شن معركة تأمين «الخط المانع» عن العاصمة السورية. وهو ما هدف فعليا الى منع المجموعات المسلحة من اي ربط جغرافي عسكري وميداني يسهل السيطرة على مناطق في الجنوب والتقدم صوب دمشق. وهي العملية التي امنت انتشاراً عسكرياً وخط حماية جغرافي، وسيطرة نارية تمنع تحقيق خطة الإستيلاء على كامل الجنوب وتهديد دمشق.
عمليا، جاءت معركة شباط لتدخل تعديلات جوهرية على واقع المواجهة. يكفي الاشارة مثلا، الى انه وفي الفترة الممتدة من 31 أيار 2014 حتى 31 كانون الأول 2014، خسرت المجموعات المسلحة 1105 قتلى (لائحتهم بالاسماء والتفاصيل الاضافية)، علماً ان المسلحين عادوا واعترفوا لاحقاً بمقتل 1215 في الفترة عينها. يُضاف إلى القتلى، 3000 جريح، بينهم 1200 عولجوا في مستشفيات جيش العدو في فلسطين المحتلة، والباقي في مستشفيات الأردن. مع الاشارة هنا، الى ان جبهة النصرة على سبيل المثال، تتبع تقليدا بعدم الاعتراف بقتلاها، الا الكادرات القيادية منهم. وخلال العام المنصرم، (31 ايار 2014 حتى 31 ايار 2015) زادت خسائر المسلحين عن مثيلتها في العام السابققة، فبلغت 1977 قتيلاً واكثر من ثلاثة آلاف جريح.
لم يكن امام قيادة «الموك» سوى الاستمرار في عمليات عسكرية موضعية تهدف الى كسر نتائج عملية «الخط المانع». وحقق المسلحون السيطرة على بصرى الشام، ثم على مقر اللواء 52 حيث خسروا نحو 46 قتيلا. وعملوا عشية الهجوم وبعده الى اطلاق حملة دعائية تصور ما حصل على انه الإنجاز الذي سيقود الى تحقيق اختراقات كبيرة، سياسيا من خلال فرض انهيار في السويداء والقرى الدرزية كافة بما فيها الموجودة في القنيطرة؛ وخلق مناخ مختلف يسمح بتحقيق اختراقات احد اهدافها السيطرة على مدينة درعا والامساك بكامل محافظة القنيطرة، وطبعا الوصول الى طريق دمشق ــ درعا.
من المؤكد، انه ليس من مصلحة احد التقليل من اهمية اللواء 52، لكن هناك حقيقة يجب الاشارة اليها، وهي ان هذا اللواء لديه عديد كبير، لكنه منتشر في كل المحافظات السورية. اما ما بقي في مقر قيادته الموجودة ضمن مساحة 3 كيلومتر مربع، فهو، تشكيل كلاسيكي، يطلق عليه في الجيش اسم «المفرزة المتخلفة»، كونها غير قادرة على خوض مواجهات كبيرة. وثمة من حوله نقاط جغرافية سلبية. وعندما نجح المسلحون في الاختراق، باشرت قوات اللواء علمية اعادة الانتشار، بما فيها سحب كل الاسلحة الثقيلة (يومها خرج جماعة اسرائيل في السويداء يتحدثون عن تخلي الجيش عن المدينة وقراها). وقد ظهر لاحقا ان نقطة مطار الثعلة المركزية، لم يكن ممكنا للمجموعات السيطرة عليها، باعتبار انها تخضع عمليا لاجراءات خاصة.
اما ما فعله الجيش وحزب الله في الفترة الماضية، فكان تعزيز لنقاط الانتشار، ومطاردة المجموعات المسلحة وضرب ارتال عدة. علما انه بعدما تم وقف الزحف من الجهة الغربية إلى دمشق، حاول المسلحون مرات عدة، الهجوم على قرفا والفقيع والمحجة. كذلك، شهدت منطقة جِدْية ملحمة في وجه المسلحين.
أخيراً، وبعدما نجح المسلحون في تحقيق اختراقات في ادلب وجسر الشغور وتدمر، كانت غرفة «الموك» تستعد لتحقيق ضربة كبيرة في الجنوب. أمل القيمون على «الموك» أن تتيح الاجراءات التي قاموا بها الوصول الى نتائج كبيرة. ولذلك تم حشد عدة الاف من المقاتلين المدربين مع اسلحة كثيرة، بالاضافة الى شبكة معلومات تعاونت على توفيرها اسرائيل ومعها الاردن والاستخبارات التركية والاميركية. ومع تمويل سعودي وقطري اضافيين، شرعوا في الهجوم الذي اسموه «عاصفة الجنوب» تيمنا بـ«عاصفة الحزم» السعودية ضد اليمن. لكن الذي حصل، هو ان اجراءات «التثبيت» التي كانت قد تحسنت كثيرا خلال الاشهر القليلة الماضية، وجرى تعزيزها بعد المعارك قرب السويداء، مكنت الجيش السوري ومعه حزب الله، من توجيه ضربات قاسية جدا لم تفشل الهجوم فحسب، بل اتت على القيادة العسكرية الجماعية للفصائل المعارضة وصولا الى العملية الامنية التي استهدفت قادة ميدانيين ما ادى الى خروج الخلافات الى العلن. علما ان غرفة «موك» التي تعاني جراء هذه الهزيمة، لا تزال مصرة على شن المزيد من الهجمات. وثمة محاولة الآن للعودة الى ضرب بلدة حضر في القنيطرة.
لا يوجد من المعنيين بمعركة الجنوب السوري، من يعتقد بان الامور ستتحسن قريباً. لكن الاكيد، ان الهزيمة التي منيت بها الفصائل وحجم الخسائر الكبيرة في صفوف قوة الاقتحام المدربة جيدا، والخلافات التي عادت بقوة بين قيادات المجموعات العسكرية، من شانها خلق واقع مختلف. وهو بالمناسبة الواقع الذي سيكون له ما يرافقه في مناطق اخرى في سوريا، حيث ان كل محاولات التقليل من اهمية معركة القلمون، لن تنفع في مواجهة ما يعد له، وقريبا، من عمليات نوعية لتنظيف بقية الحدود اللبنانية ــ السورية من الارهابيين.