جنيف | ما لا شك فيه أن تسريبات الفيديو عن التعذيب داخل سجن روميه ستفاقم المأزق الحكومي في ما يتعلق بسجل لبنان في حقوق الانسان، مع اقتراب موعد الاستعراض الدوري الشامل أمام الامم المتحدة في جنيف. وتكشف الشرائط المصورة زيف الادعاءات المتكررة حول خلو السجون اللبنانية من التعذيب، في حين أكدت مصادر دبلوماسية في جنيف لـ»الأخبار» أن الفريق المعني بمناهضة التعذيب قد أخذ علماً بالشرائط المصورة، وهو بصدد مراسلة الحكومة اللبنانية وطلب القيام بزيارة عاجلة للبنان لتقصّي الحقائق حول هذه الفضيحة المدوية.
وكان لبنان قد قدم تقريره الوطني الاول أمام الدورة التاسعة للفريق المعني بالاستعراض الدوري الشامل في تشرين الثاني عام 2010، حيث تعهدت الحكومة اللبنانية أمام مجلس حقوق الانسان في آذار عام 2011 بتعزيز حالة حقوق الانسان وتنفيذ 41 توصية طرحتها 49 دولة. في هذا السياق، تحالفت منظمات من المجتمع المدني ورفعت تقارير الى مجلس حقوق الانسان تناولت مدى تنفيذ لبنان للتوصيات التي قبلها. وفي حين يلاحظ أن لبنان لم يتقدم أي خطوة تذكر على مستوى إنفاذ التوصيات التي قبلها، يتوقع أن تبرر الحكومة اللبنانية تقصيرها الكبير خلال السنوات الخمس الماضية، من خلال الاشارة الى أزمة النزوح السوري الى لبنان والاحداث الامنية التي عصفت به.
يمكن من مراجعة تقارير منظمات المجتمع المدني تحديد الاولويات الاساسية من وجهة نظر هذه المنظمات على مختلف المستويات. فعلى صعيد الحقوق السياسية والمدنية، قبلت الحكومة اللبنانية، خلال الجولة الأولى من الاستعراض الدوري الشامل، العديد من التوصيات المتعلّقة بهذه الحقوق. ولكن المجريات تبين أن الدستور اللبناني غير قادر على حماية مبادئ الديمقراطية وحقوق الانسان في ظل الواقع السياسي المنقسم؛ فلبنان يعيش في حالة فراغ رئاسي منذ 24 أيار 2014، الى جانب التمديدين المتتاليين غير الدستوريين لولاية المجلس النيابي. ويشكل هذا الأمر خرقاً فاضحاً للدستور اللبناني وللمُعَاهدات والمواثيق الدولية التي وقّع عليها لبنان. كذلك يمثّل نظام المحاصصة الطائفية والمذهبية للمراكز والوظائف أحد أهم الشوائب، بحيث تضعف معايير الكفاءة والموضوعية في التعيينات.

ضمانات المحاكمة العادلة لا تحترم بشكل جيد في لبنان


يشير تقرير المنظمات غير الحكومية الى أن ضمانات المحاكمة العادلة لا تحترم بشكل جيد في لبنان، ولا تزال ضمانات أساسية لاستقلالية القضاء اللبناني غير مكرّسة في القانون اللبناني، ولا سيما لجهة عدم جواز نقل القاضي، والقضاة محرومون من حرية التعبير وتشكيل الجمعيات، ومن حقهم في انتخاب أعضاء مجلس القضاء الأعلى. كذلك، لا تزال محاسبة القضاة مرتبطة بوصاية وزارة العدل. ولا تزال عقوبة الإعدام في لبنان تحظى بوضع قانوني، ويفشل لبنان في الوفاء بالالتزامات المترتبة على انضمامه الى اتفاقية مناهضة التعذيب والبروتوكول الاختياري. ويكشف التحقيق الذي أجرته لجنة مناهضة التعذيب في عام ٢٠١٤ عن ممارسة التعذيب «بشكل منهجي» في لبنان، ولا سيما «في سياق التحقيق وبغرض الحصول على اعترافات.» ولم يقرّ مشروع القانون المتعلق بقضايا المفقودين والمخفيين قسرياً، الذي أعدّته منظمات المجتمع المدني وأحالته على مجلس النواب.
وتخضع حرية الرأي والمعتقد التي يضمنها الدستور اللبناني لانتهاكات تستهدف الصحافيين وناشطي المجتمع المدني والمدافعين عن الحقوق السياسية والمدنية الفردية. ورفضت الإدارة العديد من إخطارات العلم والخبر لتأسيس الجمعيات، فيما تخضع النقابات والاتحادات العمالية لنظام الترخيص الصارم الذي أرساه قانون العمل في عام ١٩٤٦. ولا يزال لبنان بعيداً عن ضمان الحق في الوصول الى المعلومات.
ترتبط انتهاكات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بفشل السياسات التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة. ولم تساهم السياسات الاقتصادية في خلق فرص عمل، الأمر الذي يعكس إشكالية النموذج الاقتصادي الريعي. والخدمة الصحية في لبنان تقع بين ارتهانها للسياسة وتوسّع القطاع الخاص من دون رقابة جدية، في ظل ضعف دور الدولة، ما يجعل من جودتها امتيازاً وليس حقاً. ولا يزال نظام الحماية الاجتماعية في لبنان مقتصر على النهج الضيق من الضمان الاجتماعي، وهو في حدّ ذاته يعاني من الثغر الرئيسية والنقص، سواء على مستوى الإطار القانوني والتنظيمي أو على مستوى التنفيذ. وما زالت بعض فروع الضمان الاجتماعي (التقاعد وطوارئ العمل) غير منفذة على الرغم من أن 52 عاماً مرّت منذ صدور قانون الضمان.
افتقدت أعمال الدولة اللبنانية الرؤية الشاملة لمعالجة التمييز ضد المرأة، وقد أعادت حالات قتل النساء على أيدي أزواجهن قضية المساواة الى الأضواء. يضاف الى ذلك ضياع الصلاحيات في موضوع الاحوال الشخصية بين السلطات العامة والجهات الطائفية. وارتفعت حدة التفاوتات نتيجة أزمة اللجوء السوري الى لبنان وما نتج منها من زيادة الفقر والبطالة والانتهاكات التي تطال النساء اللاجئات. ويعاني واقع الطفل في لبنان من العديد من التحديات، فلا تزال عمالة الأطفال أحد أهم المخاطر التي تعترض نشأة وصحة الأطفال الجسدية والنفسية في لبنان. وعلى الرغم من مرور 15 سنة على صدور القانون 220/2000، الخاص بحقوق الأشخاص المعوقين، لم تبادر الحكومة إلى استصدار المراسيم التطبيقية له.
أخذ لبنان العلم بشأن التوصيات المتعلقة بإعادة النظر في نظام الكفالة، فإن الاستمرار في تطبيق هذا النظام يُعتبر من أشكال العبودية. ولم يصادق لبنان على الاتفاقية الدولية الخاصة باللاجئين، ولم ترسم الحكومات أي سياسات باتجاه الارتقاء بأوضاع اللاجئين الفلسطينيين وهم محرومون من التمتع بأبسط الحقوق الإنسانية، أيضاً ليس هناك من تعاط جدي مع اللاجئين السوريين في ظل توافد أعداد كبيرة منهم إلى لبنان. وتتمثل أبرز التحديات التي يواجهها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان في القيود على دخولهم إلى سوق العمل اللبناني وحرمانهم من العمل في المهن الحرّة ومن الحصول على كامل حقوق الضمان الاجتماعي وحرمانهم من تملك العقارات. كذلك يفتقد اللاجئون الفلسطينيون عدم وضوح الشخصية القانونية لهم في لبنان، وتطال مشكلة الشخصية القانونية اللاجئين السوريين في لبنان أيضاً. وقد بلغ عدد المسجلين من اللاجئين السوريين في المفوضية ١.٣ مليون لاجئ سوري في عام ٢٠١٥. ومن بين اللاجئين السوريين عمال مهرة، قام أصحاب العمل اللبنانيين باستغلالهم عبر تشغيلهم لساعات عمل طويلة، بأجور منخفضة ومن دون أي تقديمات اجتماعية.




توصيات للحكومة اللبنانية

أبرز التوصيات التي تسعى المنظمات غير الحكومية إلى تقديمها من قبل الوفود الحكومية خلال جلسة ٢ تشرين الثاني:
- احترام القواعد الدستورية الأساسية المتعلقة بمبدأ دورية الانتخابات ومبدأ حق الاقتراع واحترام مهل انتخابات رئاسة الجمهورية والانتخابات النيابية، والعمل على إلغاء الطائفية السياسية واتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق هذا الهدف.
- تعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية ليتواءم مع معايير المحاكمة العادلة وتكريس ضمانات استقلالية القضاء بدءاً بمبدأ عدم جواز نقل القاضي، وتكريس حريّات القضاة الأساسية بالتعبير وتأسيس الجمعيات وتكريس مبدأ انتخاب أعضاء مجلس القضاء الأعلى، وربط هيئة التفتيش القضائي بسلطة مجلس القضاء الأعلى.
- اعتماد البروتوكول الاختياري الثاني للعهد الدولي بشأن إلغاء عقوبة الإعدام.
- اعتماد الأدوات القانونية الوطنية المناسبة لوضع حد لانتشار استخدام التعذيب.
- التصديق على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام ٢٠٠٧، اعتماد مشروع قانون للمفقودين وضحايا الاختفاء القسري.
- تعديل الإطار القانوني والتنظيمي من أجل ضمان الاحترام الكامل لحرية التعبير ومراجعة قانون ١٩٠٩ لتحديد مهلة ثابتة للسلطات لتسليم وصل استلام العلم والخبر للجمعيات.
- اعتماد نهج جديد وشامل للحد من الفقر الحاد ومن التفاوت، وتعزيز القطاعات الانتاجية الوطنية لتوليد فرص العمل؛ واعتماد سياسات تضع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في الطليعة.
- التطبيق الحازم لقانون العمل لناحية ضمان حقوق العاملين وتحسين ظروف العمل ومراجعة الحد الأدنى للأجور.
- إقرار قانون لإنشاء نظام تغطية صحية شاملة وإنشاء صندوق للبطالة.
- إقرار قانون مدني يساوي بين النساء والرجال ومُوَحّد للأحوال الشخصية، وكوتا النسائية في الانتخابات التشريعية والمحلية وفي مجلس الوزراء بنسبة 30 في المئة على الأقل.
- التصديق على الاتفاقية الدولية بشأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وبروتوكولها المرفق. واعتماد المراسيم التطبيقية لتفيذ قانون 220/2000.
- التصديق على الاتفاقية الدولية الخاصة باللاجئين وإلغاء نظام وتعديل القانون 129/2010 لناحية إلغاء إجازة العمل ومنح اللاجئين الفلسطينيين الحق في مزاولة المهن الحرة، تعديل القانون 128/2010 بما يسمح للاجئين الفلسطينيين العاملين بالتمتع بكامل حقوقهم في الضمان الاجتماعي.