كان ذلك فجر الثلاثاء في 13 حزيران 1978. كان قد وصل الى منزله الكائن على طريق حميْنَا بعد منتصف الليل بقليل وبعد الانتهاء من مهمة المراقبة المكلّف بها... إنه الشاهد الملك في مجزرة إهدن رجل الأمن اللبناني...حوالي الساعة الرابعة وخمس وأربعين دقيقة، يقول: أفقت على إطلاق نار كثيف لجهة كفرصغاب، وبعدها بدقائق معدودة طلقة قذيفة مدفع، لكن هذه المرة من جهة قصر الرئيس فرنجية...إنه الـ B10.

إرتدى ثيابه وأخذ بندقيته الأميرية وإتجهَ مهرولاً من منزله الى القصر. قبل وصوله بحوالي خمسة عشر متراً من مدفن بكوات آل كرم، الذي تمر بجانبه ساقية مياه ينبعث منها بخار أبيض، شاهد خمسة مسلحين في زيّهم العسكري وعتادهم. وجوههم غريبة عن المنطقة. أمروه بالتوقف ورمي سلاحه وأخذوا في إتجاهه وضعاً قتالياً... أمرهم أحد المسلحين بعدم إطلاق النار، وناداه للتقدم ببطء ورمي بندقيته على الأرض، فما كان من رجل الأمن الا أن استجاب وعرّف عن نفسه... صادروا بندقيته وطلبوا منه تنفيذ وضع الإنبطاح بجانب أسير آخر.
ها هو جبور الرهبان قرب ساقية المياه. صوت هدير الساقية كان قويًا، وكان تفسير أحاديث المسلحين صعباً عليه... ولكن ما فهمه أنّ من أمر بعدم إطلاق النار بإتجاهه هو «الريس سمير».
بعد حوالي عشر دقائق إختفى «الريس سمير» نزولاً في إتجاه مستديرة القصر. يكمل روايته: بقينا انا وجبور في وضع الإنبطاح حوالي الساعة او أقل بقليل. يخبر أحد المسلحين الآتي من جهة المستديرة رفاقه: لقد قتلنا شاباً عنفوانياً عنيداً عند المستديرة وبعد إطلاق الرصاص على سيارته ترجّل منها مطلقاً الشتائم ولكن رصاصة الغدر الكتا... إستقرت في رأسه.
وصل مسلحٌ آخر يخبرهم: «لقد جُرِح الريس سمير وآخرون، وبصعوبة سحبوا الى ساحة الفندق»... القناص في مكان غير مكشوف ... ومن ساحة الفندق الى أحد المستشفيات.

وصل مسلحٌ آخر
وأخبر: جُرِح الريس
سمير وآخرون وبصعوبة سحبوا الى ساحة الفندق


أتت الأوامر بالإنسحاب... وطُلب منّا أنا وجبور الأسيرين النزول مع أفراد المجموعة، مجموعة مدفن آل كرم، والسير على مهل دون التطلّع الى جهة القصر... و»السير على مهل» هي كلمة السر لأن كل من يهرول يطلق عليه الرصاص.
حاولت الالتفات وتبين ما يجري من حولي واختلاس النظر فشاهدت سيارة مشتعلة على مدخل القصر، ومررت بجانب جثمان الشاب العنفواني المغدور قرب سيارته... يا إلهي أنه طوني بولس اسميعين فرنجية مرافق طوني بك... عندها علمت أن حماقة كبيرة ارتًكِبَت. هذه ستكون لعنة على العرب المسيحيين من تاريخهم الأسود.
وصلنا الى كوع فندق بلمون الشهير، ومن بعده بحوالي خمسة وعشرين متراً نزولاً (أي أمام فندق إهدن اليوم) كان هناك تجمّع للمسلحين وآلياتهم، فشاهدت بطرس برزق فنيانوس أسيراً فأصبحنا ثلاثة أسرى مع آخرين.
ها هو إدمون صهيون إبن كفرفو الحاقد يغادر مع مجموعته في سيارات عسكرية ويتجه صوب الساحل بعد أن نفّذ إجرامه. وهذا جان سلّوم ابن كفرعبيدا، وقد حصل تلاسن بيننا منذ حوالي شهر في مكتب أمن عام البترون، عندما شاهدني توقف ورمقني بنظرةٍ أحسست عندها أنها قد حانت ساعتي فصرخ بوجهي قائلاً: «آيه يتصالح مع رشيد كرامي...».
لكن من كان سجّاني أسكته وطلب منه المغادرة، شابٌ طويل القامة ذو لحيةٍ خفيفةٍ شقراء، على الأرجح أنه أعلى من سلّوم رتبةً فأمره بالإبتعاد والمغادرة... فتمتمتُ عندها قائلاً: «شو عملتو ... خربتو المسيحيي». نظر سجاني اليّ وقال لي: ما إسمك، فجاوبته فلان وأنا موظف حكوميّ وأريد إسترجاع بندقيتي الأميرية الأميركيّة... بعد أخذ وردّ طلب من مساعده إحضار البندقية، وما هي الاّ لحظات سلّمني بندقيتي ولكن دون الخرطوش... إنتهت العملية، وكان السجّان آخر مغادري حصن المسيحيين المغدور.
يقول الشاهد: هذا رأيي كخبير أمني. إنها جريمة ضد البشرية والإنسانية، إنها سجل عار في تاريخ المسيحيين المشرقيين وإعتداء من الدرجة الأولى على أمن الدولة اللبنانية. إنها عملية نوعية مخطط لها سابقاً وليست وليدة الساعة او إنتقاماً لمقتل أحد المسؤولين الكتائبيين أو للبحث عن القاتل كما يدّعون. قبل أسبوع من الجريمة إختفاء الكلب Kandro، وقبل أيام معدودة قتل الكلبة وجراويها. تنقلات مشبوهة ووجوه غريبة في المنطقة. في النهاية جوني عبدو مدير المخابرات آنذاك على علم بكل شيء...».
رفض الشاهد الملك بعد إغتيال الشهيد يوسف قبلان فرنجية الملقب «أبو جو» في بصرما الكورة في 18 أيلول 2008 وبعد حوالي شهرين من ظهوره على شاشة OTV بأن يدلي بمعلوماته لتكون مادة في كتاب «مجزرة إهدن» للكاتب الفرنسي ريشارد لابيفيير... العلاقة مع الشاهد الملك أصبحت صداقة. ومع مرور الوقت زودّني بهذه المعلومات. عشية 13 حزيران 2015 نضع هذه المعلومات أمام الرأي العام اللبناني... سامحنا لمصلحة المسيحيين ولكن لن ننسى.
إهدن 12 حزيران