لم تنفع تطمينات النائب وليد جنبلاط وزيارات مبعوثيه إلى الأردن وتركيا في حماية دروز جبل السّماق في إدلب (شمال سوريا) من الذبح والقتل. يوم أمس، حصل ما كان بالحسبان: ذبح إرهابيو «تنظيم القاعدة في بلاد الشام ـــ جبهة النصرة» عدداً كبيراً من رجال بلدة قلب لوزة في جبل السّماق أمام بيوتهم وفي شوارع البلدة. وفيما تتضارب الأرقام حول أعداد شهداء المجزرة وأسباب الذبح بسبب الحصار الذي يفرضه الإرهابيون على البلدة، أكّدت مصادر في جبل السمّاق لـ«الأخبار» أنّ «العدد التقريبي يتجاوز 40 رجلاً، بينهم مشايخ وشبّان صغار».
وقالت المصادر إنّ أحد أسباب المجزرة هو رفض رجال البلدة تسليم أولادهم الذين تراوح أعمارهم بين 10 و14 عاماً لإرهابيي «النصرة»، بعد أن أصدر «أمير» التنظيم الإرهابي في جبل السّماق المدعو «أبو عبد الرحمن التونسي» قراراً قبل نحو أسبوع بسحب الأولاد إلى معسكرات تدريب مغلقة لمدّة شهرين، وأُبلغ القرار للأهالي بالتزامن مع حملة مصادرة الأسلحة الفردية من القرى. وقالت المصادر إن إرهابيي «النصرة» من «المهاجرين» (الأجانب والعرب) «باتوا يطلبون الزواج بفتيات القرى، حتى نثبت لهم اعتناقنا إسلامهم، وهذا ما نرفضه». وقالت مصادر أخرى إن السبب المباشر هو «صدور قرار من التونسي بمصادرة منازل أهالي شهداء الجيش السوري ورمي عائلاتهم خارجاً، ما دفع الأهالي إلى التمرّد».
قبل نحو عام، انتزعت «النصرة» السيطرة على قرى جبل السّماق من إرهابيي تنظيم «داعش»، بعد أن كان «داعش» قد كلّف «شرعياً» سعودياً يدعى سعيد الغامدي «تعليم الدروز أصول الإسلام»، وإلّا الذبح! ومع أن أهالي القرى منذ بداية الأزمة السورية، عملوا بتوجيهات جنبلاط بالتعاون مع «الثّوار»، معاكسين الموقف العام لأقربائهم في جبل الشيخ والسويداء بالتمسك بالدولة السورية، إلّا أنه بعد فترة قصيرة من سيطرة «النصرة»، بدأت معاناة أهالي القرى من ممارسات الإرهابيين باسم «الشريعة»، فأُجبروا على تهديم مقاماتهم الدينية وتغيير أزيائهم التقليدية، ونبش الإرهابيون قبور أوليائهم ورجال الدين.
وخلال العام الماضي، تملّق جنبلاط كثيراً إرهابيي «النصرة»، مانحاً إياهم ستار «الاعتدال»، وأنهم «جزء من النسيج السوري»، وكرّر عشرات المرّات دعوته الدروز في سوريا إلى التعاون مع «الثورة» والانشقاق عن الجيش، بالإضافة إلى رعايته في السابق عدداً من الضباط المنشقين واحتضان معارضين من السويداء في عاليه والشوف. حتى أنه دعا أهالي راشيا خلال زيارة له العام الماضي إلى الذهاب إلى سوريا والقتال إلى جانب «النصرة». ولدى وصول «الأخبار السيئة» إلى دروز لبنان عن أحوال إخوانهم في إدلب، كان جنبلاط يضغط على المشايخ وعلى بعض وسائل الإعلام للتستر على الأمر، والترويج بأن «الأمور محلولة، ولن يصيبهم مكروه»، وعلى ما ردّد «الاشتراكيون» طويلاً، بأن «الأتراك سيحمون الدروز في إدلب، كما سيحميهم الأردنيون في السويداء»، بفعل «تعهدات» تم التّرويج بأن جنبلاط حصل عليها من المخابرات الأردنية والتركية.

سقوط مطار الثعلة يكشف مدينة السويداء عسكرياً

وفيما حاول رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي ومقرّبون منه، طوال مساء أمس، التقليل من شأن ما حصل وممارسة الضغوط على المشايخ اللبنانيين لـ«لملمة القصة» وعدم القيام بأي تحرّك في الشارع، لم يقم خصوم جنبلاط من الدروز في لبنان كالنائب طلال أرسلان بأي تحرّك بـ«انتظار معرفة مصير أهلنا في القرى الأخرى، وحتى لا يحصل ردود فعل ضدّهم»، كما تقول مصادر الحزب الديموقراطي اللبناني لـ«الأخبار». وليلاً، ذكرت مصادر لـ«الأخبار» أنّ الوزير وائل أبو فاعور غادر إلى تركيا أو الأردن لمتابعة الأوضاع، بعد أن أمضى يومين مع تيمور جنبلاط في الإمارات العربية المتحدة.
ومن إدلب إلى الجنوب السوري، حيث تعيش محافظة السويداء أوقاتاً صعبة بعد سيطرة تكفيريي «النصرة» و«حركة المثنى» و«لواء شباب السنة» على مقرّ «اللواء 52» شمال غرب مدينة السويداء، وقصفهم المستمر منذ ظهر أمس على مطار الثعلة العسكري، آخر مواقع الجيش السوري في غرب السويداء، الذي يكشف المدينة عسكرياً في حال سقوطه. كذلك فإن تهديدات إرهابيي «داعش» لقرى شرق المحافظة مستمرة، انطلاقاً من نقاط سيطرة التنظيم التي توسّعت في البادية السورية بعد سقوط مدينة تدمر وقبلها مدينة الرمادي العراقية.
في السنوات الماضية، لم يكن خطاب جنبلاط يلقى رواجاً في أوساط الدروز السوريين، إلّا أن التطورات الميدانية الأخيرة واقتراب إرهابيي «داعش» و«النصرة» من الشرق والغرب، وحملات التحريض الإعلامي والشائعات على وسائل إعلام المعارضة والدول الداعمة لها لدفع الأهالي إلى التخلّي عن خيار الدولة السورية والبحث عن تفاهمات مع الإرهابيين، أحدثت حالة من القلق والبلبلة في صفوف الأهالي، في ظلّ حملة إعلامية إسرائيلية كبيرة تروّج لحتمية التدخل الإسرائيلي وحماية الدروز السوريين من مجازر قد يرتكبها الإرهابيون.
وبعد هجوم أول من أمس وأمس، وجّه عدد من قادة المجموعات الإرهابية المدعومة من إسرائيل ومن غرفة العمليات الأردنية «الموك» التي تضمّ ضباطاً خليجيين وغربيين وإسرائيليين، عدّة رسائل إلى أهالي وفعاليات السويداء بعضها سرّي وبعضها على مواقع التواصل الاجتماعي، لـ«طمأنتهم» بأن «السويداء ليست هدفاً»، وأن «المطلوب هو القضاء على مواقع الجيش السوري»، تماماً كالتطمينات التي وجهت إلى دروز إدلب، والتي توّلى جنبلاط في كثير من الأحيان نقلها.
فلولا سقوط مدينة بصرى الشام قبل ثلاثة أشهر في أيدي الإرهابيين التي عمل جنبلاط وعددٌ من الشخصيات الدرزية كـ«الأمير» شبلي الأطرش والشيخ وحيد البلعوس، على تحريض الأهالي على عدم المشاركة في معركة الدفاع عنها، تحت عنوان «القتال في قرى السويداء فقط»، كما تقول مصادر ميدانية من المحافظة، لـ«كانت إمكانية صمود المواقع العسكرية في الغرب أكبر ومنها اللواء 52، وكان يمكن تشكيل جبهة قويّة إلى جانب مواقع الجيش تمنع الاختراقات من الغرب».
وعلى وقع القذائف والرصاص، يزداد التحريض على ضرورة قطع العلاقة مع الدولة السورية، وإقامة إدارة محليّة في السويداء.

الدور الإسرائيلي

الدور الإسرائيلي والتدخل في الجنوب السوري الذي تعمّدت وسائل الإعلام الإسرائيلية إظهاره في الأيام الماضية، بعد تعتيم استمر لأعوام، يشمل إلى جانب السويداء، قرى جبل الشيخ والجولان المحرّر، ولا سيّما بلدة حضر، التي تستخدم شعبة «الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)» مع أهلها الأسلوب نفسه الذي تستخدمه والمخابرات الأردنية في السويداء. إذ تدفع الاستخبارات الإسرائيلية المجموعات المسلحة إلى استهداف القرية من الأراضي الملاصقة للشريط العازل مع الجولان المحتلّ في جباثا الخشب، ومن ثمّ تحاول إقناع أهالي عبر وسطاء من الداخل الفلسطيني، على رأسهم شيخ عقل الدروز في فلسطين موفّق طريف بقبول الدعم والحماية الإسرائيلية.
وتأتي مجزرة إدلب في توقيت دقيق، يتزامن مع تصريحات عدة لمسؤولي العدو الإسرائيلي في الأيام الماضية عن نيّتهم التحرّك في الجنوب السوري، تحت ستار الدروز الفلسطينيين، في حال وقوع مجازر بحقّ الدروز السوريين.



عُرف من أسماء شهداء المجزرة:
الشيخ نديم شاهين (75 عاماً)،
الشيخ رشيد سعد (75 عاماً)،
ميلاد رزق، فخرو الشبلي، أحمد فخرو الشبلي، فرج فخرو الشبلي،
منعم فخرو الشبلي، ابن أحمد فخرو الشبلي، فاخر الشبلي، أنور الشبلي،
بدرو الشبلي، خيرو الشبلي، حيدر فريد الشبلي، مؤيد الشبلي،
رهف الشبلي (8 سنوات)، نايف الشبلي،
محمد عقفلي، رشيد سعد أجويد،
أحمد حسين محمد (70 عاماً)،
محمد أحمد حسين،
ميلاد انعم رزق، محمد شريف محمد،
أيمن محمد شريف محمد، ميمون محمد شريف محمد،
منهل حسين محمد، أحمد حسين محمد، ملهم فايز شاهين.