بالتزامن مع التصعيد العسكري في جرود عرسال بين الجيش والتنظيمات الارهابية، تصاعدت وتيرة السجال السياسي بدورها حيال ما يجري هناك في مجلس الوزراء وخارجه، من غير ان تنتقل الحدة اياها الى طاولة الحوار السني ـ الشيعي. وكانت السباقة الى السعي الى حلول لهذه المشكلة، قبل انفجار الاحداث الاخيرة على ايقاع حرب القلمون السورية. بعد وزير الخارجية جبران باسيل، رفع وزير التربية الياس بوصعب من نبرة الموقف في الجلستين الاخيرتين لمجلس الوزراء، سرعان ما انضم الى السجال الرئيس سعد الحريري عبر حسابه على «تويتر» بعد اقل من 24 ساعة على طرح الموضوع في مجلس الوزراء، كذلك حزب الله عبر النائب محمد رعد بوتيرة مماثلة، فاذا ملف عرسال يتسم بالسخونتين الامنية والسياسية.
منذ ما قبل التصعيد العسكري الاخير، لاكثر من شهرين خليا، نوقش ملف النازحين السوريين ومخيماتهم والاعباء الثقيلة التي يلقونها على الوضع الداخلي في جلسة سابقة لطاولة الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله، عندما اثار وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق موضوع مخيمات النازحين، وتردد ان اعداد النازحين السوريين في عرسال باتت تتجاوز ثلثي عدد سكان البلدة في داخلها والمخيمات المحيطة بها، فاقترح المشنوق نقل المخيمات تلك من عرسال الى مكان آخر. وافق المشاركون في طاولة الحوار على الاقتراح من حيث المبدأ. الا ان سؤالا طرح عن المكان الملائم لنقل المخيمات اليه، بما لا يتسبب مجددا بمشكلة مماثلة بين المخيمات والبيئة الجديدة التي ستقام فيها وتتسبب بنزاعات سياسية ومذهبية، فضلا عن تداعياتها الامنية والاجتماعية والاقتصادية.

نقل مخيمات النازحين
السوريين من طاولة الحوار الى مجلس الوزراء


في حصيلة مناقشة طاولة الحوار اقتراح المشنوق، ارتؤي ان تعد وزارة الداخلية تصورا لحل المشكلة في تقرير يتضمن بدوره اقتراحات في الاطار ذاته، بغية مناقشة الامر في طاولة الحوار في الاجتماع التالي، الا ان اندلاع حرب اليمن، والسجالات السياسية ذات الطابع المذهبي التي رافقتها بين تيار المستقبل وحزب الله، على خلفية الموقف من دور السعودية في اليمن والحملة العسكرية على الحوثيين هناك، طويا الخوض في اقتراح وزير الداخلية عوض المضي نحو بته في اجتماع الحوار السني ـ الشيعي وحسمه، قبل ولوج الجانب الاجرائي منه لاحقا وتبعا للاصول في مجلس الوزراء، باعتبار ان التوافق عليه في طاولة الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله يسهل امرار الامر في مجلس الوزراء، ويقلل وطأة الاعتراضات، ويشق الطريق الى تنفيذ خطة نقل المخيمات الى مكان آمن بتداعياته.
نام الاقتراح في الادراج، الى ان ايقظت الخلاف على ملف مخيمات النازحين حرب القلمون السورية وطلائع انتقال الاشتباكات الى جرود عرسال، بعد فرار المسلحين الارهابيين من داخل القلمون اليها، إثر سيطرة الجيش السوري وحزب الله على تلك المناطق ومحاصرة المسلحين. فاذا هم امام منفذ وحيد هو جرود عرسال. ترافق ذلك مع ما شاع من ان التنظيمات الارهابية ستفك الحصار عن نفسها بمحاولة العودة الى عرسال مجددا، وربط مسلحيها بالبلدة والمخيمات في جوارها، وخصوصا بعد اكتشاف تسلل عدد من المسلحين الارهابيين الى الداخل اللبناني.
على ان وزير الخارجية اثار الموضوع في الجلسة ما قبل الاخيرة لمجلس الوزراء، متحدثا عن سبل معالجة المخيمات السورية واخطارها على الداخل، وخصوصا مع ارتفاع وتيرة التصعيد في الجرود بين الجيش والمسلحين التكفيريين. بيد ان جوابا قاطعا من رئيس الحكومة تمام سلام جاءه قائلا ان الموضوع ليس مدرجا في جدول اعمال الجلسة، المخصصة اساسا لمناقشة مشروع قانون الموازنة العامة، اضف ان ادراج اي بند من خارج جدول الاعمال من صلاحية رئيس مجلس الوزراء الذي ـ بحسب قوله ـ سيجد الوقت المناسب لمناقشة الموضوع تبعا لصلاحيته.

رئيس المجلس: كفانا كلاما عن معادلات خشبية وحديدية وتنكية


في الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء تناوب وزير التربية، في غياب عضو تكتله وزير الخارجية لانشغاله في مؤتمر المغتربين، على طرح الموضوع نفسه. فكان رد رئيس الحكومة نفسه الذي قاله على مسمع باسيل.
وكان بوصعب قد اثار هذا الموضوع مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي لفت وزير التربية الى انه يحبذ طرحه في المجلس الاعلى للدفاع، لا في مجلس الوزراء، ولا حتما في وسائل الاعلام نظرا الى حساسيته، واذا كان ثمة حائل دون انعقاد المجلس الاعلى للدفاع، بذريعة ان لا رئيس للجمهورية للبلاد يرأس هذا الاجتماع ـ برغم ان وجهة نظر بري ان في وسع رئيس الحكومة ترؤس الاجتماع بصفته نائبا لرئيس المجلس الاعلى للدفاع ـ يمكن طرح الموضوع في اجتماع امني موسع يدعو اليه سلام، الا انه شدد على ضرورة الخوض فيه بكتمان بعيدا من الجدل السياسي.
ونقل في السياق نفسه عن رئيس المجلس قوله ان «الجيش يمسك تماما بزمام الاوضاع في عرسال ومحيطها، وعيناه على ما يجري هناك»، مفضلا العودة بهذا الموضوع الى الطريقة التي قورب بها في طاولة الحوار السني ـ الشيعي.
نقل عن بري ايضا امام زواره في الساعات الاخيرة، وهو يراقب الخلاف في مجلس الوزراء وخارجه على موضوع مخيمات عرسال بالتزامن مع التصعيد العسكري، تأكيد عزمه على متابعة الموضوع «لايجاد الحلول المناسبة التي تؤدي الى نقل هذا العبء الكبير من النازحين على عرسال الى مكان آخر، ومن ثم توفير البيئة الملائمة والآمنة ليس للنازحين السوريين فحسب، بل ايضا للسكان اللبنانيين سواء في عرسال او سواها من المناطق، وخصوصا للجيش وهو يخوض حربا مباشرة مع الجماعات التكفيرية، ويحتاج الى ظهير آمن له».
ومما قاله بري: «ان معادلة الجيش والشعب المقاومة قائمة في اي لحظة عندما تكون الارض محتلة او مهددة، سواء من العدو الاسرائيلي او من الارهاب التكفيري. كفانا كلاما عن معادلات خشبية وحديدية وتنكية. عندما يكون الخطر قائما على امن البلاد وسيادتها وتصبح مهددة، لا تحتاج هذه المعادلة الى اذن من احد، لان الثلاثي المقيم فيها يتولى مسؤولية الدفاع الوطني على الفور».
(الأخبار)