حجبت نتائج دائرة طرابلس والشمال في انتخابات المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى التي جرت الأحد الماضي، الضوء عن إنتخابات دائرة عكار، نظراً للهزيمة الثقيلة التي نزلت بتيار المستقبل في عاصمة الشمال، والتي أفضت إلى حصول التيار الأزرق فيها على مقعد يتيم من أصل سبعة، فيما ذهبت المقاعد الستة الأخرى إلى خصومه الذين شكّلوا تحالفاً ضمّ الرئيس نجيب ميقاتي والنائب محمد الصفدي والوزير السابق فيصل كرامي والنائب السابق جهاد الصمد.
لكن ما شهدته إنتخابات عكار لا يقل أهمية. فهذه المنطقة التي اعتبرت حتى الأمس القريب قلعة حصينة لتيار المستقبل، وشكلت خزاناً شعبياً كبيراً له مدّه بالوفود الشعبية في مهرجاناته التي كان يقيمها منذ عام 2005 في بيروت وطرابلس، أحدثت إنتخاباتها الشرعية تصدّعاً لافتاً في جدران "القلعة الزرقاء"، وشكّلت جرس إنذار بأن القادم من الأيام لا يبشر بالخير.
أول هذه المؤشرات أن مرشح تيار المستقبل لعضوية المجلس الإسلامي الشرعي عن عكار، التي تقتصر حصتها على مقعد واحد، رجل الأعمال علي طليس، فاز بشق النفس على منافسه محمد شديد المدعوم من الجماعة الإسلامية، بحصوله على 55 صوتاً مقابل 47 صوتاً لشديد، وهو فارق كان يمكن تضييقه وحتى قلب النتائج لو نجحت المساعي في توافق شديد مع المرشح الآخر يحيى الرفاعي، بانسحاب أحدهما للآخر، كونهما منافسين لطليس، خصوصاً أن الرفاعي حصل على 26 صوتاً.
لكن المفاجأة لم تقتصر عند هذا الحدّ. فقد شهدت إنتخابات المجلس الإداري لدائرة أوقاف عكار فوزاً لافتاً لتيار العزم الموالي لميقاتي على مرشح تيار المستقبل، تمثل في خرق أسامة الزعبي لائحة التيار الأزرق على حساب مرشحه علي الحسن، في فرع خبراء المال. وحصل الزعبي على 70 صوتاً والحسن على 62 صوتاً.
تمدّد ميقاتي باتجاه عكار شكّل هزّة كبيرة داخل المستقبل، ومفاجأة غير متوقعة، نظراً للإصطفاف السياسي والمذهبي الحاد في عكار خلف تيار المستقبل، ما جعل مجرد التفكير بمنازلته فيها مغامرة خاسرة سلفاً.
تردّ مصادر مقربة من ميقاتي ما تعتبره "إنتصاراً أولياً"، إلى جملة أسباب، أبرزها أنه "حصدنا ما بدأنا بزراعته منذ خمس سنوات في عكار، من خدمات إنمائية وإجتماعية، ومن حضور كنا نثبّته في المنطقة بلا ضجّة، وأن رؤساء بلديات ومشايخ عكار، وهم من ضمن الهيئة الناخبة، كانوا أوفياء لنا".
من أبرز الخدمات التي قدّمها ميقاتي في عكار منذ سنوات، ليس تقديم مشاريع إلى البلديات ومساعدات لجمعيات وهيئات فحسب، بل إن المؤسسات الدينية السّنية الرسمية فيها، دائرة الأوقاف ودار الإفتاء وصندوق الزكاة، تتلقى مساعدات دائمة من ميقاتي، كان آخرها تأهيل ومكننة دائرة أوقاف عكار، حيث جرت الإنتخابات، على نفقته بتكلفة وصلت إلى نحو 150 ألف دولار.
إضافة إلى ذلك، تكشف مصادر ميقاتي أن "تحالفنا مع الجماعة الإسلامية في عكار شكل أحد أسباب الفوز الرئيسية، حيث للجماعة وجود لا يستهان به، إضافة إلى تصويت رؤساء بلديات وناخبين مقربين من الحزب القومي والناصريين ومستقلين لصالح مرشحنا".
ما قطفه ميقاتي سياسياً مؤخراً في عكار، دفع مصادره للتأكيد أن "خرائط جديدة لتيار العزم سترسم في عكار إنمائياً وخدماتياً، وسنبدأ تنفيذها قريباً، وأن أبواباً أخرى ستفتح، وأن تأطير تيار العزم سياسياً في عكار سيبصر النور في أقرب فرصة".
هذه الصورة الإيجابية من جانب تيار العزم تبدو مغايرة تماماً لدى تيار المستقبل، إذ أكدت مصادر في التيار الأزرق أن "نتائج الإنتخابات تركت تداعيات سلبية خلفها وأنها كشفت مكامن خلل كثيرة عندنا، منها تحفظ كثيرين في صفوفنا على اختيار طليس ممثلاً عن عكار في المجلس الشرعي، وانشغال كوادر التيار بخلافاتهم الداخلية وبمصالحهم الشخصية".
وسمّت المصادر الزرقاء بالإسم عضو المكتب السياسي للتيار محمد المراد (كان عضواً في المجلس الشرعي السابق)، ومنسقي التيار الثلاثة في عكار خالد طه وعصام عبد القادر وسامر حدارة، وأن "تكليف الأخير بإدارة إنتخابات المجلس الشرعي فيها جعلت الآخرين يأخذون موقفاً منه، ويعملون كل على طريقته لإفشاله".
وزاد الطين بلة أن عشائر العرب في عكار، وهي تتمتع بحضور ووزن كبيرين في المنطقة، حمّلت تيار المستقبل ورئيس دائرة الأوقاف الشيخ مالك جديدة ومفتي عكار السابق الشيخ أسامة الرفاعي، مسؤولية خسارة مرشحها علي الحسن أمام مرشح ميقاتي أسامة الزعبي، وكيلت إنتقادات من العيار الثقيل لتيار المستقبل والشيخين جديدة والرفاعي، بعد الإنتخابات، في مناسبة إجتماعية حاشدة تخصّ عرب عكار.