مات رستم غزالة أم لم يمت، فإن اسمه طوى مرحلة من التاريخ السياسي الحديث في لبنان. كان نفوذه يفوق نفوذ رئيس الجمهوريّة في مرحلة ما بعد الطائف، وكان رئيس الحكومة - بشخص رفيق الحريري - مطواعاً، يمدّه بالمال مقابل المعونة السياسيّة والمخابراتيّة. الاسم الذي كان يثير الرعب في الأنفس، لم يثر إلّا الهزل والسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي. وزاد من الهزل إعلان سعد الحريري من منبر واشنطن ان غزالة اتصل بشخص يعرفه قبل موته للبوح بأسرار ومواقف. لعلّه اتصل أيضاً بمحطة «إم. بي. سي» للمشاركة في برنامج «من سيربح المليون؟».
لو أن القوّات السوريّة («العاملة في لبنان» - كان يُقال بلغة ذلك الزمن، وكان يرافقها في أوّل إطلالتها قوّات سعوديّة لإضفاء مباركة رجعيّة أميركيّة عليها) بقيت في لبنان، لكانت المراثي عن رستم غزالة تملأ صفحات الجرائد في لبنان. كان كل ساسة لبنان سيتقاطرون زرافاتٍ لينتحبوا ويتفجّعوا أمام الكاميرات، كما فعلوا يوم مات باسل الأسد. كاد كل لبنان أن ينتقل إلى القرداحة يومها. كم أجهد مروان حماده نفسه في رثاء باسل الأسد: استجلب شيطان الشعر يومها. لو ان الجيش السوري بقي في لبنان، ولو أن رفيق الحريري بقي على قيد الحياة، لكان أشرف بنفسه على إقامة احتفال مهيب للمناسبة لرثاء رستم غزالة وتكريمه في الممات، كما كرّمه وأعضاء كتلته في الحياة. وهل هناك من أدخل رستم غزالة (وسلفه غازي كنعان) من بوّابة السياسة اللبنانيّة الداخليّة أكثر من الحريري نفسه؟ إن الحريري هذا هو الذي أخرج قائد المخابرات السوريّة في لبنان من السرّ السياسي إلى العلن، وهو الذي أثقله بالفساد والمال لجلبه لصفّه. كان الحريري يشكو من المخابرات السوريّة عندما لم تكن تناصره في نزاعاته الداخليّة، ويثني عليها عندما تناصره في نزاعاته الداخليّة. لا سيادة، ولا استقلال ولا حريّة. الرجل، أي الحريري، كان مطلبه الوحيد من حافظ الأسد عند تعيينه أن يطلق النظام السوري يده في التشريع والفساد والمحاصصة، وعندما لم يحظَ بذلك الشرف من مُعيّنه، عاد حزيناً إلى بيروت. لعلّه قاد السيّارة بنفسه واصطحب فؤاد السنيورة على كورنيش النيل، وبكى على كتفه.
والعجيب أن وسائل الإعلام العربيّة، والمواقع الإخباريّة المُموّلة من أنظمة النفط والغاز والعدوان، كلّها - في تنسيق عفوي - نشرت صورة (وحيدة) معروفة لحسن نصرالله وهو يهدي رستم غزالة بندقيّة غنمتها المقاومة من العدوّ (ولقد سألتُ نصرالله قبل سنوات عن تقويمه للخطوة تلك لكن المجالس بالأمانات). لكن لم ينشر أي موقع إخباري لبناني، ولم تنشر أي صحيفة عربيّة، صورة واحدة لرفيق الحريري مع رستم غزالة. مَن أتلف الأرشيف الذي سيلوّث إلى اللانهاية صورة كل فريق 14 آذار، أو أكثره على الأقلّ؟ مَن أعاد كتابة تاريخ لبنان في العشرين سنة الماضية، وبين ليلة وضحاها عندما اغتيل رفيق الحريري، من يظنّ أن سجلّ الحريري سيُطمر بالمال والدعاية السياسيّة؟ هل هناك مَن سيقنعنا أن علاقة رستم غزالة بحسن نصرالله كانت أوثق وأمتن من علاقته برفيق الحريري؟ هل هناك مَن سيزعم ان عدد لقاءات غزالة مع نصرالله كانت أكبر من عدد لقاءاته مع الحريري؟ وهل كانت العلاقة بين غزالة ونصرالله أكثر حميميّة من علاقته برفيق الحريري؟ لسوء حظ فريق الحريري أن الأخير كان يُسجّل سرّاً لقاءاته في منزله (وفي هذا ذروة الشهامة والمروءة والفضيلة) ولقد أفرجت محكمة الحريري الإسرائيليّة ــ الأميركيّة عن بعض منها. والمُفرج عنه هو أقل سوءاً من المحفوظ، بحكم حرص المحكمة على سمعة رفيق الحريري. والتسجيلات تلك عكست ونسفت كل الصورة التي رسمتها عائلة وفريق الحريري عن طبيعة علاقته مع غزالة. لم نسمع تهديدات وزجر بل سمعنا عطر الكلام وغزلاً متبادلاً. كان اللقاء أشبه بلقاء عائلي. وهناك من زعم أن غزالة كسر يد الحريري بيده طلباً للتمديد.
كان الحريري يشكو
من المخابرات السوريّة عندما لم تكن تناصره
في نزاعاته الداخليّة

لو أن الحريري بقي على قيد الحياة، ولو أن الجيش السوري لم يخرج من لبنان، لكان الحريري قد أقام مهرجاناً احتفاليّاً كبيراً للتعبير عن الأسى على وفاة رستم غزالة. كان الحريري سيتفوّق على نفسه عندما أقام ذلك الاحتفال العرمرمي في «السراي الكبير» في بيروت لتكريم غازي كنعان وخلفه رستم غزالة. كم كان سياديّاً، رفيق الحريري هذا! يومها، أعطى الحريري باسم أهل المدينة الذين واللواتي عانوا من جوْر وظلم المخابرات السوريّة مفتاح بيروت. لكن مَن منح رفيق الحريري مفتاح بيروت كي يمنحه بدوره لقائد المخابرات السوريّة في لبنان؟ رفيق الحريري منح المخابرات السوريّة ما منحته هي له. مفتاح بيروت لم يُعطَ له، كي يمنحه لغازي كنعان (تخال في أدبيّات 14 آذار أنها تجعل من غازي كنعان داعية ديمقراطياً بحكم سيطرة مال الحريري عليه، فيما تجعل من رستم غزالة (نائب كنعان) نقيضاً له - حتى الأمس. قل (وقولي) إنها جدليّة 14 آذار، المعكوسة). يومها، في 8 تشرين الأوّل 2002، وقف رفيق الحريري متهيّباً وواجماً ووقوراً أمام غازي كنعان ورستم غزالي ليقول: «لقد عشنا معاً ما يزيد على عشر سنين... ووقفتم دائماً وأبداً إلى جانب لبنان. ولا أبالغ ولا أقول هذا الكلام للمرّة الأولى، بل قلته مرّات عدة. كنتُ أشعر باستمرار أنكم المدافعون الأوائل عن مصلحة لبنان العليا. وكنتُ أتمنّى أن أجد كثيراً من الإخوان اللبنانيّين في مستوى تفهمّكم لمشاكل الدولة والبلاد والحكومة والوضع السياسي العالمي والأخطار والتحديات التي تواجهنا... قمتم وتقومون وستستمرّون بالقيام بواجباتكم في خدمة بلدكم سوريا ولبنان. والهديّة التي أهديتمونا إيّاها هي الأخ رستم غزالة... ولقد برهنت الأيّام خلال عشر سنين، إن كنّا في السلطة أو خارج السلطة، أنكم والأخ رستم كنتم نِعْم الصديق والأخ الوفي الذي وقف دائماً إلى جانب مصالح سوريا ومصالح لبنان» («الشرق الأوسط»، 8 تشرين الأوّل، 2002). حتماً، كان الحريري سيقول ذلك وأكثر عن «الهديّة» التي تركها له غازي كنعان. الرجل الذي قدّم المفتاح إلى قائد المخابرات السوريّة في لبنان، والذي أعلن أن لبنان بلده كما سوريا، أصبح بعد وفاته رمزاً للنضال ضد الجيش السوري في لبنان، لكن تلك قصّة أخرى.
لو أن الجيش السوري لم يفقد الغطاء السعودي ــ الأميركي عنه، لكان رستم غزالة شُيّع في موكب مهيب، يبدأ في بيروت من دارة قريطم إلى مسقط رأسه في درعا. لو ان الجيش السوري بقي في لبنان، لكان غزالة قد شيّد لنفسه أكثر من قصر، في سوريا وفي لبنان (وقصر غزالة في درعا شُيّد بعرق جباه المساجين اللبنانيّين والسوريّين في حوزة المخابرات، وبعرق مال وفساد رفيق الحريري). ولو ان الجيش السوري قد بقي في لبنان، لكان مفتاح بيروت من نصيبه هو، كما كان من نصيب سلفه. وكانت مؤسّسة الحريري قد نشرت في طبعة فاخرة أطروحته للدكتوراه في الجامعة اللبنانيّة التي «أشرف» عليها، الأكاديمي الحريري، حسّان الحلاق (الذي استنكر تعطيل المدارس إجلالاً للشهداء الأرمن في جريمة الإبادة، وكاد أن يقول إن المسلمين هم أيضاً كانوا ضحايا الإبادة في تلك الحقبة التاريخيّة). لكن الجيش السوري خرج من لبنان.
أروي للتاريخ هذه القصّة التي رواها لي عماد مصطفى، السفير السوري السابق في واشنطن. قال إنه قلق على الوضع في سوريا ولبنان في أواخر عام 2004، فطار على عجل وقابل بشّار الأسد وآصف شوكت، وعبّر عن مخاوف من إدارة رستم غزالة للوضع في لبنان. أشاد الرجلان بصفات غزالي واقترح عليه شوكت أن يزور لبنان كي يلتقي بغزالة وجهاً لوجه ويحكم بنفسه. وصل مصطفى إلى الحدود فوجد أن غزالة أعدّ له عراضة مسّلحة لنقله إلى عنجر، فامتعض مصطفى. وصل إلى عنجر وروى لي أنه رأى كل معالم الغباء مرتسمة على وجهه بمجرّد أن صافحه باليد (وجد عنده ميشال المرّ: هل كان المرّ يفارق رستم غزالة؟). سأله عن الوضع في لبنان وحدّثه عن مخاوفه. كان غزالة يجيبه على الطريقة التالية: مين؟ رفيق الحريري؟ هاد واحد ديوث بس معنا. مين؟ سليمان فرنجيّة؟ هاد بالجيبة. مين؟ بطرس حرب؟ هاد كمان بالجيبة. وليد جنبلاط؟ هاد بيلفّ وبيدور وبيرجع معنا... الخ. فقال لي مصطفى إنه غادر لبنان أكثر قلقاً من قبل. أذكر انني رويتُ القصة هذه في لقاء اجتماعي في بيروت عام 2010 وكان نهاد المشنوق حاضراً، فهبّ للدفاع عن غزالة، وقال لي ان غزالة ذكي، وليس غبيّاً وانه «آدمي» وغير ما أظنّ عنه، وقال إنه لم يتوقّف عن زيارته حتى بعد اغتيال الحريري.
مات رستم غزالة كما يموت رجال مخابرات الأنظمة البعثيّة: في ظروف غامضة، ومن دون تفسير أو شرح. نذكر كيف روى النظام العراقي الصدّامي خبر مقتل «أبو نضال»، وكيف ان الرجل قتل نفسه بنفسه برشّاش كلاشينكوف وكيف أنه أفرغ مخزناً في ظهره وصدره بنفسه، ثم جرّ جثّته من غرفة إلى غرفة. النظام الذي خبّأ ظروف موت غازي كنعان لن يفصح عن ظروف مقتل رستم غزالة، لكن هناك من روى (بالنيابة عن النظام) خبر إصابته فجأة بمرض تزامن مع إصابته بغضبة من قائد مخابرات مُنافس في جسم النظام. راكم غزالة من الثروة ما راكم سلفه في لبنان، وبنى لنفسه قصراً لم يخجل من ظهوره إعلام الممانعة. فأصبح الخبر ان غزالة فوّت الفرصة على المعارضة المُسلّحة لإحراق قصره، فأحرقه هو. كما ان القصّة هي في إحراق القصر، لا في تشييده من عرق مال الدولة العام في دولة لم تستقرّ على رأي، إذا كانت هي اشتراكيّة أو رأسماليّة أو ممانعة «حاف».
لكن رستم غزالة عرّاب طبقة سياسيّة بحالها. هناك من نوّاب 14 آذار اليوم ممن يجزمون أن غزالة كان يأتي بمَن يشاء إلى النيابة والوزارة، متناسين أنهم هم أتوا نواباً ووزراء في تلك الحقبة، لكنهم يزيدون: «الجميع يعلم أنني كنتُ ضد السيطرة السوريّة في لبنان»، أي انهم يوحون أن غزالة كان يترك للشعب اللبناني حريّة الاختيار في النيابة والوزارة. فقط ساسة 14 آذار هم الذين حوّلوا، بطريقة غير مباشرة، رستم غزالة، إلى رمز لديمقراطيّة سادت في لبنان في أيّام سيطرة النفوذ السوري.
لكن غزالة الذي حُمّل في سنواته الثلاث من الحكم في لبنان (من عام 2002 إلى عام 2005) كل آثام وجرائم وأثقال تلك المرحلة، عاد في المماة ليمثّل - كما مثّل سلفه غازي كنعان الذي لم يحد عن طاعة مال الحريري - معارضة وصفاء ونبلاً في إعلام الحريري وتوابعه. أصبح غازي كنعان في مخيّلة 14 آذار شهيدهم، كما أن عبد الحليم خدّام (الذي يتحمّل أكثر من غيره - ومع غيره حكماً - المسؤوليّة الرسميّة عن الفظاظة والوحشيّة والسوقيّة التي حكمت إدارة النظام السوري للوضع اللبناني على مدى سنوات الحرب) أصبح بطلاً من أبطال «ثورة (حرّاس) الأرز».
وها هو سعد الحريري الذي يريده آل سعود قائداً على لبنان وعلى نصف سوريا إذا أمكن، برفقة الزعيم الأخير، أحمد الجربا، يكشف في واشنطن عن جانب تحرّري ديمقراطي لرستم غزالة.
قال إن غزالة اتصل «بهم» - ولا ندري إذا كانت صيغة الجمع للتفخيم أم هي إشارة إلى الحاشية، خصوصاً وأن إجابة الحريري عن سؤال عن غزالة تضمّنت قوله إنه اتصل «بشخص أعرفه»، أي على صيغة أخبرني مصدر نقلاً عن مصدر، أو نقلاً عن «متابع جدّي» (أي غير مزوح)، كما درج سركيس نعّوم على القول في سلسلة مقالاته عن «حدّثني رجل من واشنطن، فقال». ولماذا يتحوّل كل مجرم وقاتل وفاسد إلى بطل قومي تحرّري عند 14 آذار، ورعاتهم في عاصمة التحرّر والديمقراطيّة والمساواة في الرياض، بمجرّد ان ينشقّ أو أن يختلف مع النظام، أو بمجرّد ان يوالي آل سعود؟ ألهذا تفتقر كل سرديّة 14 آذار التحرريّة والسياديّة إلى نقد سلبي لدور غازي كنعان والذي استمرّ لأكثر من عقد من الزمن في حكم لبنان؟ وكانت مرحلة سيادة كنعان أكثر دمويّة وشراسة ووحشيّة من حقبة غزالة، على سوئها. هذه مثل تفضيل 14 آذار الياس الهراوي على إميل لحّود، فقط لأن الأوّل كان يقبل المال من الحريري، وكان أكثر ولاء للنظام السوري وقادة مخابراته من الثاني (تجرّأ إميل لحّود على مخالفة مشيئة غازي كنعان، فيما كان الحريري والهراوي وصحبهما لا يجرآن على مخالفة مشيئة كنعان أو سلفه).
ستتغيّر سيرة رستم غزالة، خصوصاً لو ثبتت روايات قرب انشقاقه. في هذه الحالة، ستضمّه حركة 14 آذار إلى صدرها وسجلّها الذهبي، كما ضمّت من قبل تلك النخبة التي أشرفت على الإحكام على قبضة السلطة والسيطرة في لبنان من الذين انحنوا أمام مال الحريري، من عبد الحليم خدّام إلى حكمت الشهابي إلى غازي كنعان إلى رستم غزالة. ستتغيّر سرديّة دور هؤلاء وسيصبح النظام السوري ضحيّة لسيطرة إيران وحزب الله. وستُغيّر وجهة الاتهام في اغتيال رفيق الحريري من النظام السوري إلى حزب الله. يستطيعون بقدرة قادر أن يغيّروا وجهة السرديّة التي يعدّها المجلس الوطني العام لحركة 14 آذار، والتي تشكّلت لجنتها التحضيريّة والتي تعدّ بدورها مجلساً تحضيريّاً قبل انعقاد المجلس التحضيري للمجلس الوطني، والذي سيخوّل لفارس سعيد دخول البيت الأبيض من سلّمه الخلفي. وجهاز دعاية آل سعود ضخّ كماً هائلاً من الإعلانات السياسيّة ضد نظام صدّام حسين، مؤرّخاً لخروقاته لحقوق الإنسان (بعد ان كان النظام السعودي نفسه يموّله ويسلّحه) بغية التحضير لغزو العراق في عام 2003، لكنه عاد وتغاضى عن جرائم صدّام، لا بل انتشله كي يستعمله مجاهداً ضد النفوذ الإيراني ــ الشيعي في العراق. إن للحرب الطائفيّة ــ المذهبيّة أولويّات، وأبواق آل سعود مطواعة في فئتيها: تلك الفئة التي تتخصّص في إسباغ المديح على آل سعود وحلفائهم، وتلك الفئة التي تتخصّص (تذاكياً منها) حصراً في هجاء وتقريع كل خصوم آل سعود حول العالم.
إذا كان جهاز عائلة رفيق الحريري يعترف بأن غزالة كان يتلقّى تمويلاً منتظماً منه، فإن رفيق الحريري هو شريك غزالة وكنعان في جرائم حقبة سيطرة النظام السوري. وإن أي محاكمة عادلة لتلك الحقبة يجب أن تتصدّى للشركاء اللبنانيّين في الجريمة والفساد، لكن المحاكمات العادلة وغير العادلة بعيدة عن لبنان. وليست مسرحيّة المحكمة في لاهاي إلا مهرجاناً سياسياً أميركياً ــ إسرائيلياً ــ حريرياً مُشتركاً للضغط على أعدائهم المُشتركين. لو ان محكمة الحريري الدوليّة هي محكمة عادلة لكانت حاكمت رفيق الحريري قبل ان تتجرّأ على النيل من سمعة وسجلّ مقاومين أذلّوا العدوّ الإسرائيلي، ولا يُؤتى على ذكرهم في المحكمة إلا لأنهم أذلّوا العدوّ الإسرائيلي.
مات رستم غزالة قبل أن تتسنّى له كتابة مذكّراته عن حقبة سيطرته في لبنان. ماذا كان عساه ان يقول في تلك المذكّرات؟ هل كان سيتحدّث عن صفوف ساسة لبنان، في الفريقيْن الذين كانوا يقفون بالصف لتقديم واجب الطاعة والولاء له ولمساعديه؟ كل كان سيستفيض في الحديث عن التقارير التي أجاد كتابتها قادة وضبّاط صف في حركة 14 آذار؟ هل كان سينشر بعضاً من تلك الوثائق التي تدين كل تلك المرحلة وطريقة إعادة تشكيلها في مخيّلة فريق 14 آذار ومعاونيهم في الإعلام العربي؟
مات رستم غزالة، وسيبقى موته لغزاً مثل ألغاز أخرى عن طرق تخلّص أنظمة البعث من قادة مخابراتها. هل كان غزالة على وشك الانضمام إلى فريق الجناح السعودي في المعارضة السوريّة؟ هل كان اتصاله المزعوم بشخص يعرفه سعد الحريري مقدّمة لذلك؟ هل كان سينضم إلى فريق مُحرّري سوريا في فنادق إسطنبول؟ هل كانت حركة 14 آذار ستصدر بياناً ــ وثيقة عن الظلم الذي لحق برستم غزالة من النظام السوري، كما حوّل فريق 14 آذار عبد الحليم خدّام، الآمر الناهي في الشأن اللبناني لعقود، إلى ضحيّة مغلوبة على أمرها؟
لن تأتي الإجابات. والفريق الموالي للنظام السوري سيلتزم الصمت لأن الكلام عنه بات محرجاً، وتكريم حزب الله له في سنة مغادرته للبنان بات محرجاً للحزب بكل المقاييس. أصبح غزالة في منزلة بين المنزلتيْن إلى أن يُقرر جهاز دعاية آل سعود ما سيحلّ به في ذكراه. سينتظر المكتب الإعلامي لرفيق الحريري القرار على أحرّ من الجمر. قد تُرفع صوره في الطريق الجديدة.
* كاتب عربي (موقعه على الإنترنت:angryarab.blogspot.com)