يعيش مخيم نهر البارد منذ أيار 2007، مأساة حقيقية، إن كان من ناحية الوضع الأمني أو الاجتماعي أو السكاني. عند مداخل المخيم، لا تزال حواجز الجيش اللبناني قائمة، ولا يزال أبناء المخيم يعانون من الاصطفاف لساعات طويلة، ليسمح لهم بالدخول إلى منازلهم. يتفهمون هذه الإجراءات ويتحملونها بمرارة، فهم لا يريدون أن يعود المخيم إلى سابق عهده الأمني.
رضخوا لقساوة العيش داخل المخيم، ولم يقبلوا الخروج منه، حيث أنشأت لهم منظمة الأونروا ما يسمونه «البراكسات»، وهي عبارة عن بيوت تتألف من غرفتين لكل عائلة، لا يتعدى حجم الغرفة الواحدة المترين، لتشكل تجمعاً سكانياً كبيراً يضم ما يقارب ألف عائلة فلسطينية، على مساحة لا تتعدى 1000 متر، وهم وعدوا بأن لا تتخطى فترة سكنهم فيها سنة ونصف سنة، لكنها امتدت لتسع سنوات.
مع انتهاء معركة نهر البارد، سارعت المنظمات الدولية بالتعاون مع حكومة فؤاد السنيورة في ذاك الوقت، إلى إطلاق عجلة إعادة إعمار المخيم. وبحسب الخطط التي وضعت، كان من المفترض أن تتسلم العائلات بيوتها على مراحل، ومع انتهاء عملية التسليم ينتهي مشروع إعادة الإعمار المقرر عام 2012، متضمناً عودة كافة النازحين الفلسطينيين إلى بيوتهم. لكن إلى اليوم، مرت تسع سنوات على ما يسميه أهالي المخيم «الإعمار السلحفاتي»، إذ لم ينفذ سوى نحو 35% من المشروع، أي ما يقارب ثلث مساحة المخيم.
يتحدث الأهالي عن أن البطء في الإعمار قد يكون مقصوداً، لا بل عن سابق إصرار وتصميم من قبل أشخاص معروفين ومستفيدين، «وبالأخص موظفي الأونروا المكلفين الإشراف والتنفيذ على مشروع إعادة الإعمار، وما يظهر من حالات فساد مستشرٍ في مختلف أقسام المنظمة، بدءاً من سوء التنفيذ في المشاريع، وصولاً إلى رشى وصفقات واختلاسات مالية». خلق الأمر حالة غضب لدى أبناء البارد، دفعتهم إلى نصب خيمة أمام مراكز التخطيط التابعة للأونروا، بالتزامن مع إعلان المنظمة بدء تقليص خدماتها على الصعيد الاستشفائي والطبابي إلى النصف، وتحميل الفلسطيني 50% من الفاتورة.

تتحجج الأونروا بملف التنقيب عن الآثار في المخيم الذي يستنزف أموالاً طائلة سنوياً

هذا الإجراء كان مقرراً أن يأتي متزامناً مع انتهاء خطة الطوارئ وعودة جميع أبناء المخيم النازحين إليه مع انتهاء عملية الإعمار، وهو ما لم يحدث. يرفض موظفو الأونروا المشرفين على عملية إعادة الإعمار الحديث عن الاتهامات الموجهة إليهم، إلا بكتاب خطي يصدر عن مركزية الأونروا في بيروت.
من جهته، يؤكد مسؤول ملف الإعمار في نهر البارد مروان عبد العال، أن «ما يجري اليوم في نهر البارد هو موقف اعتراضي فقط، لأننا بأمسّ الحاجة إلى الأونروا وخدماتها، ولكن لدينا حقوق نسعى إلى اكتسابها، ولا شك في أن المتضررين من الاعتصام هم أبناء المخيم، إذ إن عيادات الأونروا ومدارسها مغلقة بوجه أبنائنا، لكنّ موظفي الأونروا لا يأبهون، لأنهم يقبضون رواتبهم في نهاية كل شهر».
يشير عبد العال إلى أن الفترة الأخيرة شهدت انقطاعاً للحوار مع الأونروا نتيجة عدة أمور، أبرزها سوء الإدارة، والخلاف الدائر في مسألة إعادة الإعمار التي يمكن أن تقسم إلى قسمين: الأول أن الإعمار بحاجة إلى أموال، وهي غير موجودة. والمشكلة الثانية والأهم، هي غياب التقويم للعمل الذي أُنجز، وعدم تصحيح الأخطاء التي حصلت بسبب سوء التنفيذ وأدت إلى مشاكل هندسية، بالإضافة إلى عدم تحديد آليات للعمل. وأكّد أن هناك خطوات ستتخذ في القريب العاجل، «أهمها عودة الحوار سريعاً، وحلحلة الأمور بعدما وُعدنا بأن هناك أموالاً ستدفع قريباً من عدد من الدول المانحة».
بدوره، يلفت عضو اللجنة المركزية للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين، أبو لؤي أركان بدر، إلى أن «خيمة الاعتصام في مخيم نهر البارد عمرها 8 سنوات بسبب سياسة الأونروا الظالمة»، مشيراً إلى أن ما تقوم به المنظمة ليس مبرراً إطلاقاً، «فالقضية ليست قضية تمويل، بل سوء إدارة وسوء تنفيذ واستمرار في هدر الأموال وصفقات السمسرة والتلاعب بمواصفات دفتر الشروط، وما يزيد الطين بلة استمرار مزاريب الهدر المالي الفاحش، والمبالغ الضخمة التي يتقاضاها الموظفون».
ويكشف أبو لؤي أن منظمة الأونروا تتحجج بملف التنقيب عن الآثار في المخيم، الذي يستنزف أموالاً طائلة سنوياً من الأموال المخصصة لإعادة الإعمار، بالإضافة إلى ما يقوم به فريق التخطيط «العاطل من العمل»، الذي لم ينجز حتى اليوم سوى 50% من مساحة المخيم من ناحية التخطيط، كذلك لم ينجز سوى 31% من الإعمار من مساحة المخيم القديم.
يرى أبو لؤي أنّ ما فجر الخلاف مع الأونروا هو «ملف الاستشفاء الذي تحاول المنظمة التملص منه، فبدل أن تقتطع الأموال من حقوق الفلسطينيين، فليوضع حدّ لهدر الأموال ويوضع وقت زمني للانتهاء من إعادة الإعمار، لأنه بات من الضروري تحرك الحكومة اللبنانية والفلسطينية والمجتمع الدولي لتوفير الأموال المطلوبة لإكمال ما بقي من مساحة المخيم منعاً لانفجار فلسطيني قادم داخل المخيم ستنعكس نتائجه على الجميع».