تستعد السفارة الفرنسية في بيروت لوداع السفير باتريس باولي. القرار صدر من باريس بإنهاء خدمات السفير الذي يرفض اعتبار الخطوة تقويماً سلبياً لسلوكه، ويؤكّد أنه ينفذ سياسة حكومته ويتمتع بثقة رؤسائه. فيما الواقع أن باولي كان، طوال مدة خدمته في بيروت، منحازاً بقوة إلى فريق 14 آذار، ونفّذ تعليمات بالعمل ضد الفريق الآخر، وكان يوزع انتقاداته ضد العماد ميشال عون وحزب الله وكل فريق 8 آذار، ولم يمانع في استخدام مكاتب سفارته لأعمال أمنية وسياسية تتعلق بما يجري في سوريا.لكن من هو السفير الجديد؟
إيمانويل بون، اشتراكي، مستعرب، متزوج فرنسية تنحدر من المغرب العربي. له عقليته الوظيفية، بما فيها الانتهازية التي تمنعه من كتابة أي تقرير يخالف توجهات "الديكتاتور" وزير الخارجية لوران فابيوس. السفير ــــ الموظف لن يُدخل أي تعديلات على برنامج عمل السفارة في بيروت.

والملاحظات السلبية لـ"الفريق العريق" في الخارجية الفرنسية على باولي لن تفيد في شيء، إذ إن السفير الجديد سيطبّق التعليمات الآتية من المركز حرفياً، وهو ليس معروفاً كرجل مبادرة او صاحب مواقف خاصة.
أكثر من ذلك، إن بون الذي ينتقد، لكن بصوت خافت وبعيداً عن آذان مسؤوليه، ينخرط في الفريق نفسه الذي يخطّط لبناء شراكة كبيرة مع السعودية بسبب برودة في علاقتها مع الولايات المتحدة.
في الملف السوري، مثلاً، تناسى بون كل ملاحظاته حول طريقة إدارة المعركة ضد الرئيس بشار الأسد، وتخلّى عن كل تحفّظاته حول "خطأ" السياسة المتبعة. وينقل دبلوماسيون فرنسيون انه اصطدم يوماً مع السفير السابق في سوريا ايريك شوفاليه عندما نصح الأخير بالتروي في الملف السوري، وقال إن الأسد يمثّل شريحة كبيرة من الشعب السوري، وإن المؤشرات لا تشير إلى إمكانية سقوطه بسهولة. يومها وبّخ بون شوفاليه، وقال له: "نعمل على إسقاط الأسد وهذا سيحصل. مهمتك العمل على هذه المهمة وليس مناقشة امور اخرى".
ويُنظر الى بون باعتباره "ابن المنطقة"، نظراً الى تاريخه الأكاديمي والدبلوماسي والبحثي، إذ تنقّل بين اسطنبول حيث علّم في جامعة مرمرا، ولبنان حيث عمل لفترة باحثاً، ونفّذ مهمات دبلوماسية عدة بين لبنان سوريا والأردن، قبل أن يتسلّم ملفي إيران والعراق في الخارجية الفرنسية.

السفير الجديد معاد لدمشق ومن أنصار بناء شراكة مع الرياض


ثم انتقل الى إيران ليصبح مسؤول الملف النووي الإيراني في السفارة الفرنسية في طهران، وبعدها الى الرياض حيث شغل منصب الرجل الثاني في سفارة بلاده. ثم انتقل الى مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك مستشاراً سياسياً لدى البعثة الفرنسية حيث شارك في صنع قراراتها خصوصاً خلال أزمات ليبيا وسوريا وساحل العاج والسودان وغيرها... وبعد انتخاب الرئيس فرنسوا هولاند انضم بون الى "الخلية الدبلوماسية" في فريق الرئاسة الاستشاري كمستشار هولاند لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والأمم المتحدة.
خريطة الوظائف التي شغلها السفير الفرنسي الجديد، والعواصم التي تنقّل بينها وطبيعة الملفات التي تسلّمها، تشي بأهمية اختياره لموقعه الدبلوماسي الجديد في لبنان.
بون، المهتم بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ اختيارها مجالاً لتخصصه خلال دراسته الجامعية، حصل عام ١٩٩٨ على منحة "ميشال سورا" عن بحثه حول "العدالة في سوريا بين المؤسسات والمجتمع والنظام"، وشارك في إعداد بحث حول إعادة إعمار لبنان بعد الحرب الأهلية مع مجموعة باحثين فرنسيين ولبنانيين. عمله ضمن الفريق الاستشاري المقرّب من هولاند، جعله محط انتقادات في بعض الاحيان، خصوصاً في ما يتعلق بالمواقف الفرنسية خلال الأزمة السورية. وهو يُعدّ من "صقور" قادة الحملة الفرنسية لإسقاط الرئيس بشار الأسد، مذ كان يعمل في أروقة الأمم المتحدة ثم الى جانب هولاند، وقد أعلن في شباط ٢٠١٢، من على منبر المنظمة الدولية، أن الأسد "سيحاكم بجرائم ضد الانسانية".
وخلال العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، وُجّهت الانتقادات الى "الخلية الدبلوماسية" التي يعمل فيها بون الى جانب آخرين، خصوصاً في ما يتعلّق بمواقف هولاند التي دافعت عن "حق الحكومة الإسرائيلية باتخاذ كل التدابير اللازمة للدفاع عن مواطنيها". وقد لام بعض الاشتراكيين الفرنسيين عناصر تلك الخلية الذين "لم يهدّئوا من حماسة هولاند لنتنياهو" لأنهم أصلاً "لا يخفون تأييدهم لإسرائيل".
يذكر أن بون كان من بين أوائل الشخصيات الفرنسية الرفيعة التي التقت بمسؤول من حزب الله بعد وضع الأخير على لائحة الاتحاد الأوروبي للارهاب، إذ رافق السفير الفرنسي السابق في بيروت باتريس باولي الى لقاء مسؤول العلاقات الدولية في الحزب عمّار الموسوي في كانون الثاني ٢٠١٤.
(الأخبار)