تحرص مجموعة إفيردا (مالكة شركتي سوكلين وسوكومي) على إبلاغ من يسألها أنها لم تشتر بعد دفتر الشروط للدخول في مناقصة خدمات النفايات الصلبة (كنس وجمع ونقل ومعالجة وطمر واسترداد طاقة)، الذي حدد مجلس الإنماء والإعمار سعره بخمسة عشر ألف دولار أميركي. الدفتر الذي بات متوافراً للبيع في مقر مجلس الإنماء والإعمار منذ الخامس من شهر شباط الجاري، لم يشهد حتى الساعة إقبالاً من قبل العارضين، خصوصاً أن شروط هذه المناقصة الضخمة تفرض على العارضين اللبنانيين المؤهلين للمشاركة في المناقصة عقد شراكات مع جهة أجنبية، باستثناء مجموعة إفيردا التي يمكنها المشاركة من دون شريك أجنبي، نظراً إلى خبرتها السابقة، بحسب ما ينص دفتر الشروط.
ثلاث مناقصات أعلنها مجلس الإنماء والإعمار في 5 شباط الجاري لتلزيم خدمات النفايات المنزلية الصلبة (كنس وجمع ونقل ومعالجة وطمر واسترداد الطاقة)، على أن يجري فضّ العروض يوم الثلاثاء 14 نيسان 2015 عند الساعة 12 ظهراً.
تضم «المنطقة أ» بيروت الإدارية والضواحي، على أن التقدم بالعروض في هذه المنطقة، محصور بالشركات التي يفوق حجم الاشغال السنوي فيها 80 مليون دولار أميركي، ويتوقع أن تصل كمية النفايات الناتجة منها يومياً إلى 1600 طن. أما «المنطقة ب»، فتشمل أقضية جبيل وكسروان والمتن، باستثناء الضواحي المشمولة في «المنطقة أ»، على أن يحق التقدم لهذه المنطقة للشركات والمؤسسات التي يفوق حجم الاشغال السنوي فيها 65 مليون دولار أميركي، ويتوقع أن تصل كمية النفايات الناتجة منها يومياً إلى 1000 طن. فيما تشمل «المنطقة ج» أقضية الشوف وعاليه وبعبدا باستثناء الضواحي المشمولة في «المنطقة أ»، على أن يحق التقدم لهذه المنطقة للشركات والمؤسسات التي يفوق حجم الاشغال السنوي فيها 50 مليون دولار أميركي، ويتوقع أن تصل كمية النفايات الناتجة منها يومياً إلى 900 طن. كذلك ينص دفتر الشروط بالنسبة إلى الشركات الأجنبية على أن تأتلف مع شركات لبنانية مؤهلة لدى مجلس الإنماء والإعمار لتنفيذ المشاريع التي تتجاوز قيمتها ١٠ ملايين دولار أميركي في أية فئة من الفئات: طرق، مبانٍ، أشغال مدنية، على أن تستوفي هذه الائتلافات حجم الأشغال السنوية بنسبة ٢٠% في حّد أدنى من كل من الشركاء، منفردين، وعلى أن يستوفي مجموع حجم الاشغال السنوي لكافة الشركاء القيمة المطلوب في كل منطقة خدماتية، كذلك يجب أن يكون عدد الشركاء في الائتلاف العارض ثلاثة على الأكثر.

مصير العمال

«بدك تحيرو خيرو»، يستشهد أحد كبار العارفين بملف إدارة النفايات الصلبة بهذا المثل الشعبي لتوصيف دفتر شروط النفايات الصلبة الذي أعده مجلس الإنماء والإعمار بناءً على قرار مجلس الوزراء.
أكثر من ١٠٠٠ عامل
مهددون بالبطالة جراء تقسيم المناطق الخدماتية


إذ تركت دفاتر الشروط الخيار للعارضين بتحديد المواقع المنوي استملاكها لإنشاء مراكز المعالجة ومواقع المطامر ضمن لائحة طويلة من المقالع والكسارات والمكبات المنتشرة في مختلف الأقضية اللبنانية. هل ستنجح الشركات الطامحة إلى التقدم إلى المناقصات في اختيار هذه المواقع؟ وماذا عن الاعتراضات الشعبية فور ترشيح أيٍّ منها؟ ينص قرار مجلس الوزراء على أن تتدخل الحكومة اللبنانية إذا فشل العارض في اختيار الموقع ضمن مهلة شهر من تاريخ فوزه بالمناقصة. ما هو طبيعة التدخل الحكومي؟ يسأل المتابع لهذا الملف. هل ستفرض الحكومة المواقع بالقوة؟ لا يملك مجلس الإنماء والإعمار الإجابة عن هذه السؤال الذي بدأ يطرح من قبل العارضين الجديين الطامحين إلى التقدم إلى المناقصات الثلاث. ولعل هذا ما يفسر سبب اعتكاف مجموعة افيردا عن شراء دفتر الشروط حتى اللحظة.
تؤكد معلومات حصلت عليها «الأخبار» أن مجموعة افيردا طرحت العديد من الإشكالات المتعلقة بتقدمها للمناقصات الجديدة، أبرز هذه الإشكالات ترتبط بتحديد قرار مجلس الوزراء إمكانية التقدم من قبل العارضين لمنطقتين خدماتيين كحد أقصى. هذا يعني أن مجموعة افيردا ستكون ملزمة بخفض عديد عمالها اللبنانيين من ٢٠٠٠ عامل الى اقل من النص، فضلاً عن العمال الأجانب البالغ عددهم ألفاً وخمسة عمال في الوقت الحالي. طلبت الشركة رسمياً من مجلس الإنماء والإعمار ضمان انتقال العمال اللبنانيين الذين سيُستغنى عن خدماتهم في الشركة إلى الشركات الأخرى التي ستفوز في المناقصات، ملوحة بأن التخلي عن هؤلاء سيخلق أزمة كبرى ويفاقم مشكلة البطالة. وتؤكد الشركة أن إجراءات انتقال عمال النظافة عند انتقال عقود الخدمات إلى شركة أخرى أمر إلزامي في العديد من الدول، وتعطي مثالاً على ذلك قانون العمل المغربي الذي فرض على الشركة التعاقد مع عمال النظافة في شركات أُلغيت عقودها، حين فازت بعقد خدمات نظافة في الممكلة المغربية. وبحسب المعلومات، أبلغ مجلس الإنماء والإعمار مجموعة افيردا بأنه لا يمكنه فرض انتقال عمال النظافة إلى الشركات الأخرى التي ستفوز بالعقود، مع تفهمه أن ترك هؤلاء دون عمل سيخلق أزمة اجتماعية كبيرة.

الإنشاءات والتجهيزات

لكن «حصر إرث» مجموعة افيردا لا يشمل فقط عقود 3000 عامل، فماذا لو فازت الشركة بعقد النظافة في المنطقة الخدماتية «ب» أو «ج»، وفاز عارض آخر بالمنطقة الخدماتية «أ»؟ وما هي الإنشاءات التي يجب على الشركة تسليمها للعارض الجديد بالاستناد إلى العقود التي وقعت مع الشركة عام ١٩٩٦ عند تسلّمها خدمات النظافة في بيروت الكبرى وبعض ضواحيها والتي توسعت لاحقاً لتشمل غالبية أقضية محافظة جبل لبنان. يتبين من الملحق رقم ٢ لعقد أعمال النظافة الموقع مع شركة سوكلين أن بلدية بيروت قد سلمت الشركة مرأباً في الكرنتينا وأرض المعسكر الشمالي في منطقة المدور الكرنتينا، وهي عبارة عن جزء من عقار متنازع عليه قضائياً مع الوقف الماروني، وتبلغ مساحته ١٠ آلاف متر مربع تقريباً. ويتبين أن البلدية سلمت الشركة ٩٥ شاحنة ضاغطة لتجميع النفايات بسعات مختلفة وأربع شاحنات لسحب الحاويات وأربع شاحنات كانسة، إضافة إلى ٣٣٨٤ حاوية بسعات مختلفة، بينها ٨٢٨ حاوية سعة ١١٠٠ ليتر مجلفنة.
ويتبين من جدول مرفق بالملحق أن جميع هذه الشاحنات قد أستُهلكت منذ عام ٢٠٠٨، بحيث باتت خارج الخدمة وفقدت قيمتها الشرائية، وليس معلوماً ما إذا كانت قد أُتلفت باتفاق رضائي مع البلدية أو من قبل الشركة دون العودة إلى الإدارة المعنية للإشراف على عملية التلف. والأمر نفسه ينسحب على الحاويات التي تؤكد المصادر أنها قد استهلكت خلال سنوات العقد الذي مدد عدة مرات وأن جميع أسطول الشاحنات والحاويات الحالية هو ملك الشركة وليس للدولة اللبنانية أي سلطة عليه. الأمر نفسه ينسحب على عمال النظافة الذين انتقلوا من العمل في البلدية إلى الشركة والبالغ عددهم ٢٤٤ عامل نظافة، و١٥ سائقاً و٤ عمال ورش.
وبحسب بيانات شركة سوكلين لعام ٢٠١٤، فإن عدد الحاويات الموزعة في مختلف المناطق التي تجمع منها النفايات موزعة على النحو الآتي: ١١٧٣ حاوية سعة ٠.١ متر مكعب، ٢٨٥٥٦ حاوية سعة ٠.٢ متر مكعب، إضافة إلى ١٠٥٢٨ حاوية تراوح سعتها بين ١ و ٤.٦ أمتار مكعبة. كذلك يبلغ حجم أسطول الشركة بين شاحنات كبيرة ومتوسطة وصغيرة لجمع ونقل النفايات ٢٧١ شاحنة.
وبالانتقال من عقد الكنس والجمع إلى عقد المعالجة والطمر، يتبين أيضاً أن شركة سوكومي قد طورت على حسابها، بما يخالف العقد مع الإدارة، العديد من أجهزة الفرز والتسبيخ، وقد تقدمت بجردة حساب تقول إنها دفعت قرابة ثمانية ملايين دولار من موازنتها لتطوير مراكز الفرز والتسبيخ والمعالجة في العمروسية والكرنتينا والكورال وليس معلوماً ما إذا كانت هذه المراكز ستسلم إلى الإدارة كما تم استلامها بحسب العقود الأساسية أو وفق واقعها.
تقود هذه المعلومات إلى استنتاج مفاده أن مجموعة افيردا لن يكون بمقدورها الانسحاب من المناقصات، وأداء دور المتفرج، لأن ذلك سيسبب للشركة خسائر كبرى لا يمكن تعويضها على مستوى العمالة وأسطول النقل والتجهيزات ومراكز الفرز والمعالجة. لكنها في المقابل تقف حائرة أمام واقع يشير بالأرقام إلى أن النص الحالي لدفتر الشروط يجعل من أي شركة مهما بلغت خبرتها عاجزة عن الإيفاء بالتعهدات التي ينص عليها خصوصاً لجهة تأمين المواقع.
«بدك تحيرو خيرو»، وسوكلين حائرة هذه الأيام، تستطلع ما إذا كانت الحيرة التي تشعر بها تنسحب على بقية العارضين المنافسين، أو أن غطاءً سياسياً يجعل من هؤلاء مطمئنين إلى أنهم سيفرضون المواقع التي اختاروها للمعالجة والطمر.

يمكنكم متابعة بسام القنطار عبر | http://about.me/bassam.kantar