يتحفظ حزب الله كثيراً عن مضمون الحوار الجاري بينه وبين تيار المستقبل. أو لنقل إنه أقل حديثاً عن تفاصيل المداولات، بينما يمكن رصد تفاصيل أكبر من جانب التيار الأزرق. ربما هي الطبيعة التنظيمية التي تقف خلف الأمر. علماً بأن هناك محضراً يتضمّن تفاصيل الابتسامات والتثاؤب وكل الكلام وجملاً اعتراضية، يحرص كاتبه على أدقّ التفاصيل، والله وحده يعلم ما إذا كان الحوار مسجلاً بالصوت والصورة.
كل ما جرى، حتى الآن، يوحي بأن الأمور أفضل بكثير مما يجري تعميمه على الخارج. وفي هذه الحالة، يمكن القول إن تيار المستقبل يتصرف بمسؤولية من يريد الخروج بنتائج، وهو يبدي استعداداً لتسويات كثيرة، ما يجعله أكثر حرجاً أمام جمهوره في ما لو أُعلنت تفاصيل ما يدور. والحديث، هنا، لا يتعلق بخيانة أو تجاهل، بل بوجهة تخالف حالة التعبئة التي قامت منذ سنوات طويلة. وهي وجهة تخالف، بالتأكيد، كل الكلام العالي الصادر عن قيادات يحلو للبعض وصفها بـ»صقور» التيار، علماً بأنه تيار متواضع لا مجال فيه لصقور ولا لحمائم.
في ثوابت الطرفين أن الرئيس سعد الحريري حريص على تجنّب كل ما يؤدي إلى تفجير الحوار. وهو، لذلك، يذكّر فريقه بأن الحوار لا يشمل سلاح المقاومة أو قتال الحزب في سوريا، بل يقتصر على ملفات داخلية قابلة للعلاج، من السلاح الفردي في المدن، إلى حاجات الخطط الأمنية التي تساوي بين المناطق، إلى ملفات التوتر في العاصمة أو في بقية المدن والمناطق. ولذلك، فإن هناك حرصاً على ضرورة التفاهم على كل ما ينفع في تبريد هذه الجبهات، من وقف الحملات الإعلامية إلى إزالة مظاهر الاستفزاز إلى التعاون من خلال الوزارات، وصولاً إلى التفاهم على آليات لإدارة العمل الحكومي من جهة، وما يتصل به من العمل التشريعي من جهة ثانية.
الحريري يريد حواراً منتجاً لاتفاق يسمح بتسوية أمور داخلية كثيرة، ويسمح بتحريك عجلة الدولة من دون رهن كل أمورها بما يجري حولنا. وهو يكتفي، بما خص الملفات الخارجية، بكيفية إدارة حزب الله لمشاركته في القتال في سوريا وكيفية تعامله مع الملف الجنوبي. وفي هذه النقطة، يقول سياسي عارف جيداً بالحريري إن الأخير «يراهن، من دون أن يقول، على حكمة حزب الله في إدارة هذه الملفات».
من جانب حزب الله، هناك ضرورة للتوضيح المسبق، للطرف المقابل، بأن ملفي السلاح الاستراتيجي وسوريا ليسا مطروحين للحوار. أما في ما يتعلق بالملف الرئاسي، فإن وفد الحزب مكلف القول صراحة الآتي: «نحن نريد انتخاب رئيس للجمهورية اليوم قبل الغد. ونعرف أن الدولة في حاجة إلى رأس، وأن وجود الرئيس يسهّل عمل الحكومة، ويساعد في تنظيم عمل المؤسسات. ونعرف أيضاً أن هناك تأثيرات خارجية وداخلية لها دورها الكبير في انتخاب الرئيس الجديد. ولكي تكون الأمور واضحة من جهتنا، فنحن، ومع حماستنا لانتخاب رئيس جديد، إلا أننا نضع عنواناً ثابتاً وليس للمناورة، هو أن العماد ميشال عون مرشحنا الأوحد للرئاسة، ولا نقبل بغيره. وإذا قرر هو اعتماد مسار آخر، فسيكون موقفنا أكثر وضوحاً، إذ إننا لا نقبل برئيس لا يوافق عليه العماد عون. ولحسم أي جدل، نحن، في ملف الرئاسة، نسير خلف ميشال عون، ومن الأفضل لبقية الأطراف، التوجه صوبه لمحاورته في هذا الأمر، وما يقرره نسير فيه».
أما في بقية الملفات، فان حزب الله يتعامل بانفتاح مع كل ما يطرح. وهو بادر الى خطوات تسهّل تنفيذ الاتفاقات، من موضوع إزالة المظاهر والأعلام، إلى الضغط لعدم وجود أي نوع من المظاهر المسلحة، إلى وقف تام للحملات الإعلامية، إلى المساعدة في تسليم مطلوبين، من بينهم أحد عناصر سرايا المقاومة، وتوفير الأرضية الشعبية والعملانية المساعدة على تنفيذ خطط أمنية دائمة في أي منطقة له فيها نفوذ كبير.
ما الذي تغيّر حتى يصبح الحوار منتجاً؟
ما لن يقال على طاولة الحوار، ولا في التصريحات والخطب النارية، هو أن الرئيس الحريري يدرس، بما يمثّل، ما المطلوب القيام به لمنع وقوع المزيد من الخسائر لبنانياً. وهو يستند إلى قرار واضح تدعمه الولايات المتحدة وبريطانيا (ولا يشمل فرنسا) بحفظ الاستقرار في لبنان. كذلك فإنه يتكل على تغيير بدأ، ولو ببطء، من جانب السعودية في طريقة التعامل مع ملفات المنطقة.
البحث ينطلق من مقاربة تقول إن السعودية، ومن معها، يتحفظون حتى اللحظة عن الدخول مباشرة، وبشكل لا يقبل الشك، في إدارة المعركة. حتى اللحظة، تتعمد الرياض الاتكال على أطراف لا تخصها مباشرة ولا تكون مضطرة إلى تبنّيها علناً في مواجهة الطرف الآخر. هذا ما حصل في العراق وسوريا من خلال المجموعات المسلحة التي تمتد من «داعش» و»النصرة» مروراً بـ»جيش الإسلام» وصولاً إلى مجموعات «الجيش الحر»، وهو ما حصل في اليمن من خلال دعم قوى سياسية مختلفة يمكن التنصل منها متى تطلب الأمر ذلك. وفي لبنان، سار السعوديون على هذا المنوال من خلال تبني رئيس للحكومة لا يمثلهم مباشرة، لكنه غير قادر على الخروج عن إطارهم العام.
يلتزم حزب الله
التعاون أمنياً، أما رئاسياً فيلتزم السير خلف ميشال عون


يُلزم الشيخ سعد مندوبيه بعدم التطرق مطلقاً إلى المقاومة والقتال في سوريا

تفعل السعودية ذلك، في مقابل استراتيجية مختلفة عن الطرف الآخر. حتى في تيار المستقبل، هناك من يقرأ الأمر على هذا النحو: إيران تقاتل مباشرة، وتلجأ إلى أوراقها القوية، من نوري المالكي وقوى الحشد الشعبي في العراق، إلى الرئيس بشار الأسد وأنصاره في سوريا، إلى حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، ولا تهمل حلفاءها في البحرين وبقية الدول العربية.
الجديد أن هناك مؤشرات، ظهر بعضها عند المستقبل، حول تغييرات سعودية تقضي بالعمل مباشرة، ومن خلال عناصرها القوية. وفي لبنان، يستدعي الأمر العودة إلى تقديم الرئيس الحريري مباشرة، ما يجعل المهمة الأولى، الآن، إعادته إلى رئاسة الحكومة، وتوليه إدارة مباشرة للملفات. وهذا يتطلب خطوات كثيرة، أبرزها التفاهم مع حزب الله باعتباره الطرف الآخر الذي بيده قرار الفيتو، وهو الطرف الذي تولى إخراج الحريري من السلطة، وفي يده مفتاح عودة الحريري إلى السرايا الكبيرة.
ببساطة، عودة الحريري إلى بيروت، تأتي في سياق تعزيز مشواره الجديد نحو السرايا، وهو مضطر إلى عقد تسويات كثيرة، بينها ما هو خاص بعلاقة تياره مع المجموعات الإسلامية الدائرة في فلكه، وبعضها الآخر يتعلق بالوضع داخل تياره نفسه، وبعض ثالث يتعلق بالعلاقة مع قوى 14 آذار، ولا سيما الفرع المسيحي منها. وفي هذا المكان، فإن الحريري مضطر إلى صوغ علاقة واضحة مع القوات اللبنانية، آخذاً في الاعتبار ردّ فعل بقية الشخصيات المسيحية التي تخشى على نفسها من الذوبان.
وعلى الجانب الآخر، يعرف الحريري أن الواقعية تتطلب منه توسيع قنوات الحوار مع بقية الأطراف، من العماد عون، بقصد حل الملف الرئاسي، إلى الرئيس نبيه بري وما يتعلق بالتحالف السياسي العريض الذي يتيح قيام حكومة توافقية واسعة، مروراً بالنائب وليد جنبلاط بقصد تسوية العلاقة معه ولو بصورة مؤقتة، وصولاً إلى حزب الله، حيث كلمة السر. لذلك، يتصرف الحريري بواقعية مع ما يمكن أن يحققه الحوار مع الحزب في المرحلة المقبلة. وإذا كان هدفه العودة إلى رئاسة الحكومة، فهذا يعني الابتعاد عن الألغام التي من شأنها تفجير كل شيء.
لكن، في رحلة العودة إلى رئاسة الحكومة، هناك أثمان يجب أن تدفع قبل حصد الهدية الكبرى. وعلى الأرجح، فإن هذه الأثمان والتضحيات تتركز في فريقه، وربما كان مصير خالد ضاهر أول الغيث!




الفرنسيون سذّج... ويكذبون أيضاً!

ليس هناك درك أسفل لتنحدر فرنسا صوبه أكثر. غباء غير مسبوق في ادارة السياسات الخارجية. ودونية واضحة إزاء من بيده المال في العالم. وشقاوة غير محببة في اكثر من منطقة في العالم. في منطقتنا، الجميع يتندر على الفرنسيين. حتى شركاؤهم الاوروبيون يضحكون كلما أتى أحد على سيرة الدبلوماسية الفرنسية، وصولاً الى قول مسؤول أوروبي زار بيروت مؤخراً: «نحمد الله ان فرنسا ليست اميركا، وإلا لكان الخراب والفشل رفيقاً لكل اوروبا»!
ولأن الاستعلاء يدفع صاحبه الى ارتكاب أخطاء تلو اخطاء، تعتقد فرنسا ان في إمكانها لعب ادوار «الكبار». في لبنان، مثلاً، تطوّعت لتولي سلّة مهام دفعة واحدة. قرّرت ان الاتفاق مع السعودية يمنحها افضلية في مجال العلاقات الامنية والعسكرية مع لبنان. لكن تفاصيل المحادثات الجارية في شأن الصفقة العسكرية، تشير الى المافيا التي تتحكم بالقرار هناك. ولذلك، تستنتج قيادة الجيش عندنا ان حصيلة الصفقة الظاهرة حتى الآن، سرقة نحو ثلثي الهبة السعودية، وصرف نحو 600 مليون دولار فقط من أصل ثلاثة مليارات، واختيار اسلحة لا تنفع الجيش في حربه القاسية ضد الإرهاب.
اما في الملف المتعلق بسوريا، فتبدو سفارة فرنسا في بيروت كمن «يعبس في العتمة»، وهي تظن انها تقوم بدور خارق من دون ان يلتفت لها أحد. علماً ان المجموعات المسلحة في سوريا لا تهتم أبداً لكل ما يقوله الفرنسيون. مع ذلك، تنشط السفارة في عمل أمني واستخباراتي من الدرجة الخامسة، وبطريقة مكشوفة. ومن حسن حظ فرنسا ان الاطراف الجدية، في المحور المقابل، لا تنوي أن «تبلّ يدها» بهؤلاء السذج، وإلا لكانت الفضيحة الكبرى، لا سيما أن السفير الفرنسي الحالي في بيروت، لا تنطبق عليه صفة أفضل من صفة «الأبله الموتور»!.
ما هو اكثر استغراباً، تطوع باريس وتصديها للعمل على الملف الرئاسي. في ايران لا يعتقدون بأنه من المجدي استقبال اي موفد فرنسي لأكثر من ساعات قليلة يمضيها مع مسؤول في وزارة الخارجية، واذا تطلب الأمر لقاءات رفيعة اكثر، فإن طبيعة الحديث فيها تقتصر على أمور بروتوكولية وعلى عملية تقريع.
لكن ما لفت انتباه مسؤول لبناني بارز ان فرنسا تكذب علناً، وتدّعي أموراً ليس لها اساس، وتزعم النطق باسم العالم، بينما الأمر ليس على هذا النحو. وينقل المسؤول عن الرئيس نبيه بري أن الأخير استغرب ما حصل بينه وبين مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية جان فرنسوا جيرو، الذي زاره متحدثاً عن الملف الرئاسي، وقوله له: أنا هناك أقود مهمة بالتنسيق مع الاميركيين والبريطانيين ودول العالم. ونحن نعتقد اننا نسير قدماً في التفاهم على ملفات لبنان الداخلية ولا سيما منها الملف الرئاسي.
وينقل المسؤول عن بري: «عندما سمعت الرجل شردت قليلاً، وسألت نفسي، من الذي يكذب؟ لأن السفير الاميركي في بيروت ديفيد هيل، كان عندي قبل 48 ساعة فقط من زيارة جيرو، وقال لي صراحة: نحن لا نرى اي افق لتفاهم حول ملف الرئاسة الآن، ولا لفرض اي معادلة سياسية لادارة الحكم في لبنان، ونعتقد بواقعية أن الأمر يحتاج الى توافق اقليمي، وهو توافق يحتاج الى توافق دولي أيضاً».
لم يقف بري، على ما يبدو، كثيراً أمام ما قاله جيرو. والأمر نفسه حصل مع ميشال عون الذي يعتقد أنه خسر وقتاً مع الرجل عندما زاره حاملاً النصائح والافكار وكأنه من عالم آخر. لكن يبدو ان في لبنان من هو مضطر للاستماع إلى ترهات الفرنسيين، مع العلم بأنها لا تمثل الا ترّهات مجانين باريس الجدد!
(إ.أ)