لم يذكر «السيد»، انطون سعاده بالاسم. لكنني، وأنا أصغي إلى خطاب نصرالله في ذكرى القادة الشهداء، فاجأتني ذكرى الزعيم السوري القومي العظيم!نصر الله أعرب عن حساسية مشرقية واضحة بإشارته الصريحة إلى أن التاريخ يُصنَع، اليوم، في البلدان المشرقية (سوريا والعراق ولبنان وفلسطين والأردن)، يراها الأمين العام لحزب الله، في وعيه الاستراتيجي، إقليماً واحداً، هو ميدان الصراع مع العدوين اللدودين لنهضة هذا الإقليم: الكيان الصهيوني والقوى الطائفية التكفيرية الإرهابية.
وسيكون هناك، من بعد، نقاش طويل ومحتدم حول اتجاهات النهضة المشرقية في التنظيم السياسي (الكونفدرالية) وفي التنظيم الاقتصادي (التنمية تحت سيطرة الدولة) وفي التنظيم الاجتماعي (الديموقراطية الاجتماعية، العدالة والمساواة)؛ لكننا اليوم أمام مهمة رئيسية هي المقاومة؛ فلا مستقبل لبلادنا إذا لم نتمكن من هزيمة التحالف الصهيو ــــ تكفيري، تتطلب، بالطبع، التوافق على علمانية محلية ــــ لا مستوردة ــــ صاغها «السيد»، ببساطة، حين قال: «لا يوجد في الإسلام ما يخالف الفطرة الانسانية»؛ كل ما ليس انسانياً، كل ما يمس حقوق الانسان وكرامته وحريته، ليس اسلامياً، ولا مسيحياً بالطبع.
المشرقية تتولّد في الوعي المقاوم، تلقائياً، من خلال اقتحام حزب الله للصراعات الواقعية في المشرق؛ وخصوصا في مثلث المجابهة السوري ــــ اللبناني ــــ الفلسطيني ــــ الأردني في الجولان، حيث يتماهى الإرهابان الصهيوني والتكفيري معا، وفي العراق، حيث تخوض بغداد معركة الحفاظ على وحدة بلاد ما بين النهرين.
تطرّق نصرالله إلى اليمن والبحرين؛ أهمية المقاومة المسلحة للثورة اليمنية والسلمية للثورة البحرينية، تتصل بالصراع الدائر في المشرق الذي يكنّ له آل سعود كل مشاعر الكراهية السياسية والثقافية والحضارية، وأنفقوا، وما زالوا ينفقون، المليارات لتدميره؛ اليمن والبحرين طرفا الكمّاشة التي ستطبق على قاعدة الشر السعودية، وتمنعها من تصدير البترودولار والوهابية والإرهاب إلى مشرقنا المتحضّر الدامي، إنما الذي «يصنع تاريخ العالم».
وهذه مقاربة استراتيجية صحيحة تماماً. فعلى نتائج الصراع في المشرق، تتراجع أو تتقدم امكانيات التحالف الروسي ــــ الصيني ــــ الإيراني، المؤهّل لإعادة تركيب هيكل العلاقات الدولية، وإعادة ترتيب موازين القوى في العالم المعاصر. ان انتصار قوى المقاومة في المشرق في مواجهة الصهيو ــــ تكفيرية، سيدفع التحالف الناشئ المذكور، خطوات كبرى إلى الأمام: سياسياً سيتألّف الوزن النوعي الكافي لفرض الشرعية الدولية كإطار وحيد للعلاقة بين الدول والشعوب؛ واقتصادياً، سينشأ نظام اقتصادي دولي متحرر من الدولار، ومن تأثير نظام العقوبات الهمجي، وقادر على دفع محركات التنمية في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية؛ ودفاعياً، ستتعاضد قدرات عسكرية تجعل من الحروب الإمبريالية، مغامرة كونية.
يدرك حزب الله، بوضوح، أن انتشاره من لبنان إلى سوريا والعراق، ليس مجرّد مشاركة للحلفاء في معاركهم الداخلية، وإنما هو انغماسٌ ذاتي في هذه المعارك، يحقق شرطين، أولهما، توسيع نطاق وقوى المقاومة في مواجهة الكيان الصهيوني، وتحرير هذه المقاومة من قيود الحدود اللبنانية، وثانيهما، تشبيك المشرق في هذا السياق بالذات. بذلك، لم يعد حزب الله لبنانياً، وإنما تحوّل، واقعياً ــــ وليس، بالضرورة، فكرياً ــــ إلى حزب للمشرق كله.
هذه الحركة الصاعدة في تاريخ بلادنا، هي التي تجعل من الاتفاق الغربي ــــ الإيراني حول الملف النووي، على أهميته، هامشياً، وتدفع الإيرانيين والروس إلى التحالف الاستراتيجي، وتالياً، الشروع في تغيير العالم. وهذا المدى الذي افتتحه حزب الله، في الممارسة الكفاحية، هو الذي دفع الإيرانيين، ليس، فقط، إلى الحضور في الجولان، وإنما إلى الإعلان السياسي عن هذا الحضور المغطّى بالرضا الروسي، ما يصغّر مفاعيل أي اتفاق مع غرب نسجّل أنه ابتلع، مرغماً، وجود إيران على حدود فلسطين المحتلة.
أحد منظّري «الثورة» السورية، يكتب في صحيفة داعشية ــــ ليبرالية، أن تلك «الثورة» تقف أمام استحقاق الاتفاق الإيراني ــــ الغربي حول النووي؛ فإذا تم كان عليها أن تتعاطى مع الواقع الجديد الصعب، وإذا فشل الاتفاق ذاك، انفتحت أمامها فرصة استجلاب العدوان الغربي ضد سوريا!
يكمن الخطل، هنا، في نهج التفكير التبعي الذي يبدده نصرالله بفكره الاستقلالي: نحن مَن يصنع التاريخ! نحن مَن يمهّد الأرض، لتفعيل نهج دون آخر في إيران، وفي روسيا، ونقود التغيير العالمي... الذي يعود، في حركة الجدل الاستراتيجي، ليصنع مصير بلادنا؛ فلا مستقبل للبنان ــــ كما الأردن وفلسطين ــــ في «النأي بالنفس»، وإنما في الاشتباك الذي لا مهرب منه في الصراعات الكبرى في الإقليم: تعالوا إلى الميدان، قاتلوا الإرهاب والصهيونية، واحصلوا على مكانكم في مستقبل المشرق.
12 تعليق
التعليقات
-
ليس غريبا على السيدأتمنى أن نبتعد. عن المهاترات وتقاذف الاتهامات فالسيد حسن رجل عروبي كما هو مسلم وهو قائد المقاومة العربية الاسلامية ضد العدو االذي لم يهزم الا على أيدي هذا القائد والمحور الذي ينتمي اليه وانطون سعادة هو مفكر قومي لم يمت فكره برحيله بل تبين ان فكره القومي قابل للتحقيق وليس مجرد شعارات لتحريك الجماهيوحشدها وتعبئتها من الظلم وصفه بالنازي لمقاربة من هنا او هناك
-
رد على التعليقسعادة صاحب فكر قومي نهضوي، يقوم على مبد الاستقلال الفكري، وليس على التقليد، استمد فكره من تاريخ أمته الثقافي السياسي القومي . القومية عنده دعوة لتوحيد امته التي جزأها الاستعمار إلى كيانات سياسية هجينة، لا حول لها ولا قوة. وليست عصبية تقوم على مبدأ كره الأمم الأخرى. سعادة لم يعادي اليهود إلاّ عندما اعتدوا على أمته في فلسطين بنص واضح على إقامة دولة يهودية لهم على ارضها. عد سعاده أمته مزبجاً سلاليا، وليست عرقا متفوقا كما العرق الآري المتفوق على جميع الشعوب. سعاده مفكر وفيلسوف له كتابات ودراسات علمية وفلسفية، اقتصادية واجتماعية مصنفة في أكثر من 16 مجلداً ، وهو ليس بحاجة الى مذكرات النازية وكتابها كفاحي لكل هذا لا يتأثر بحجارة راشقيه
-
"...يكمن الخطل، هنا، في نهج"...يكمن الخطل، هنا، في نهج التفكير التبعي" ما معنى كلمة "الخطل"، لم أفهمها!
-
أنطون سعادة هو صاحب فكر نازي،أنطون سعادة هو صاحب فكر نازي، وهذا ليس من باب المبالغة (كما جرت العادة في السنوات الأخيرة أن يقال إن أولمرت نازي أو بوش نازي أو فلان نازي...). فكر نازي بالمعنى العقائدي، فالنازية هي بالألمانية اختصار لـNationalsozialismus، وقد أخذ الحزب النازي أول حرفين من كلمة National (القومي) وثاني حرفين من Socialismus (الإشتراكية). "القومي" هو "القومي" أما "الاشتراكي" فهو "الاجتماعي" بالنسبة إلى سعادة. أضف أن أي حزب قومي هو حزب يميني في صلب عقيدته العنصرية المتعصِّبة لـ"قوم". فالقومية المشرقية هي ضد اليهود كيهود، تماماً كالنازية، لا لأن اليهود احتلّوا فلسطين ولا لأن اليهود باتوا بمعظمهم صهاينة. على سبيل المثال: قال أحد المذيعين التلفزيونيين المعروفين باعتناقهم العقيدة القومية، إذاً قال في أحد تقاريره عن العدو الإسرائيلي خلال عدوان تموز: "ها هو الجندي الإسرائيلي يتلو شعوذاته..." (في معرض تقرير يظهر فيه جندي يقرأ في كتاب ديني). أود أن أذكرك سيد حتّر أن السيد نصرالله يستحيل أن يقول هذا الكلام. السيد يقول: هذا جندي إسرائيلي مجرم، مغتصب أرضنا وقاتل أطفالنا يجب مقاومته وقتله، لا لأنه يهودي... بل لأنه معتدٍ، بدليل أن حزب الله يقاتل اليوم مسلمين (ولو بين مزدوجين... أي "مسلمين"... )... يقاتل أناس يؤمنون بالرسول وبالقرآن لا بداوود والتورات. بالمناسبة، إذا كان اليهودي يتلو "شعوذاته" حين يقرأ في كتاب ديني، فماذا يتلو المسيحي أو المسلم أو أي مؤمن بماورائيات؟؟؟ هل يتلو "معادلاته العلمية" أم "أبحاثه الفيزيائية"؟؟؟ يرجى النشر تعميماً للفائدة ومنعاً للتضليل وحباً، أولاً وأخيراً بالمقاومة وسيّدها العظيم.
-
ان افضل ما تقدمه لنا سيد حتر هو التحليل و ليس فقط نقل الخبر" ليست فكرة التوسّع العربي خيالاً بل حقيقة تدعمها الحاجة المادية إلى موارد العيش. وابن السعود يرى أن مملكته تحتاج إلى موارد تثبتها ويليق بها الملك. فإذا لم تحصل على موارد جديدة لم تستطع الثبات في الأزمات السياسية والاقتصادية وآذنت بالتفكك والانهيار. وكما وجدت القبائل العربية لعهد النبي أغراضها المادية في الاتحاد في الإسلام كذلك تجد القبائل العربية اليوم أغراضها المادية في العصبية الدينية الوهّابية فترمي إلى فتح جديد والاستيلاء على الأمصار المجاورة باسم الرسالة الوهّابية المعادية للسنّة والشيعة والتمدّن المسيحي الإسلاميّ العام ." #سعاده ( من «العقبة بين سورية والمملكة العربية» في " النهضة" العدد 2 في 15 تشرين الأول 1937 – " الأعمال الكاملة " الجزء 2 )
-
الزعيم أنطون سعادة هو المقاوم الأولأنا متأكد أن فكر الزعيم القومي السوري أنطون سعادة قريب جداً من وجدان السيد حسن نصر الله. إن المدرسة القومية السورية هي مدرسة مدنية وليست دينية ولكنها لم تقصي أي إنسان مهما كان إيمانه الروحي , بل هي تستثمر كل الإيجابيات الموجودة في الإيمان الروحاني من أجل نهضة الأمة السورية. إن معركة المقاومة الآن لتحرير الأرض من الإحتلال الصهيوني والإحتلال التكفيري هي نفس معركة أنطون سعادة لتحرير سوريا من المستعمر الأجنبي ومن عملاء للمستعمر في ذلك الوقت, وهل التكفيريين سوى صناعة الموساد ؟! إنها معركة واحدة منذ 80 عاماً حتى الآن , والعدو واحد في الداخل والخارج , وأرض المعركة واحدة وهي سوريا. الرئيس بشار الأسد هو حارس سوريا , وهم يريدون قتل الحارس لكي يدخلوا سوريا. السيد حسن نصر الله لا يدافع عن نظام ولكن نعم, هو يدافع عن الرئيس بشار الأسد , لأن السيد يعرف أن إصرارهم على ضرب رأس الدولة في سوريا يحمل بعداً رمزيا خطيراً. إن تشابك الأيدي الحتمي بين شرفاء لبنان وسوريا وفلسطين والأردن والعراق هو إرث أنطون سعادة للأجيال مهما تعددت الأسماء , كلهم أبناء سوريا, ويدافعون عنها, ويموتون على أرضها, لكي تحيا سوريا.
-
كيف يمكن أن نكونهذا الانقسام الكبير ، يظهر العالم اليوم وكأنه بحر هائج ، ينتظر : إما هدوء العاصفة وانحسار أمواج التهديدات الصهيو- تكفيرية وانجلاء الصورة وحصول التسوية الشاملة بالتفاوض والتفاهم فيأتي ذلك بعالم متعدد الأقطاب وتكون الحلول وفق هذه التسوية كسلة واحدة من ضمنها حلول المنطقة ، أو تكون الحرب العاصفة وتنطلق من المنطقة الواقعة شرق المتوسط وهي لا تستثني أحداً من المواجهة وقتها لا مجال للتفكير بالحياد حيث يكون النأي بالنفس غير ممكناً أبداً ، وبغض النظر عن نتيجة هذه الحرب التي لن تربح أحداً بالمطلق ولن تخسره أيضاً إلى حد إنهائه وسحقه ، فإنها ستفرض امراً واقعاً على الاطراف لتجلس وتتفاوض ويؤدي ذلك أيضاً إلى نفس النتيجة ، في كل الأحوال ، سينشأ عالم جديد بمكونات جديدة ، وحتى يكون لنا كمشرقيين دور في صناعته يجب أن نكون في السياق وأن نتواجد على الأرض وبغير ذلك لن تقوم لنا قائمة بعد .