يتناقل دبلوماسيون أوروبيون السيناريو نفسه، تقريباً، لمستقبل «الدولة الداعشية»، مشيرين إلى مرحلتين أساسيتين: في المرحلة الراهنة، تكثف الولايات المتحدة وحلفاؤها الضغوط الجوية – الكردية، بموازاة تكثيف الإيرانيين وحلفائهم جهودهم البرية، من أجل إلحاق الهزيمة بـ «الدولة» في العراق. مع ذلك، لا يمكن الحديث بعد عن مواعيد، ولو أولية، لانسحاب التنظيم عسكرياً من العراق، لتبدأ المرحلة الثانية التي تتضمن أساساً عودة «داعشية» قوية إلى سوريا، لن يكون لبنان في منأى عن تداعياتها.
ولا يتعلق الأمر هنا ببضع خلايا نائمة في مناطق لبنانية عدة، وإنما بجحافل عسكرية تسعى الى إثبات النظرية اللبنانية في شأن إمكانية الانتقال خلال عشر دقائق فقط من الجبل إلى البحر.
يشير أحد السفراء الأوروبيين إلى ثلاثة اجراءات احترازية، من جهتهم، للمرحلة الثانية: أولاً، تكثيف «إجراءات السلامة» في الطائرات الوافدة من تركيا والأردن، إضافة إلى التدقيق جيداً في قوائم المسافرين من مطارات الدولتين، لا إلى أوروبا والولايات المتحدة فقط، وإنما إلى مختلف دول العالم وخصوصاً إندونيسيا والدول المصدرة حديثاً للإرهابيين.
تنسيق ميداني
غير مباشر بين أعداء «داعش» بواسطة الجيش اللبناني

ثانياً، تكثيف الضغوط بواسطة الأمم المتحدة على تركيا للقبول بحل يوفر لمدينة حلب المناعة المطلوبة للوقوف في وجه «داعش». وبحسب الدبلوماسيين، فإن المطلوب، ثالثاً، الاسراع في تسليح الجيش للمشاركة في محاربة «داعش» في حصونها الجبلية «التي يفتقد حزب الله والجيش السوري الأسلحة المناسبة للوصول اليها».
ويلفت المصدر نفسه إلى ثلاثة اجراءات احترازية واضحة من جهة حزب الله وحلفائه أيضاً، هي: أولاً، تحصين الساحة المحلية عبر التقدم في الحوار مع تيار المستقبل. ثانياً، عدم التوقف عند تهرب الحكومة اللبنانية من قبول الهبة العسكرية الإيرانية أو المماطلة في شراء السلاح الروسي، وإفساح المجال أمام الجيش لتثبيت حضوره بواسطة أبراج المراقبة وغيرها في مناطق حساسة بالنسبة الى حزب الله. ثالثاً، زحف الجيش السوري في اتجاه الجنوب السوري للحؤول دون انسحاب «داعش» في هذا الاتجاه الجذاب للتنظيم بحكم مجاورته لاسرائيل ووجود أكثرية شعبية من لون مذهبي واحد وخلايا نائمة تابعة له. ويلفت المصدر نفسه الى أن دراسة الخرائط تبين، بوضوح، إقفال الجيش السوري وحلفائه لمنطقة حمص في وجه «داعش» منذ بضعة أشهر، تحسباً لعودة «الدولة» إلى الداخل السوري، فيما يحصّن الأتراك، عبر «جبهة النصرة»، حدودهم من جهة إدلب، ويحصّن الإسرائيليون ــــ عبر «جبهة النصرة» أيضاً ــــ حدودهم من جهة القنيطرة. وهنا تبرز واحدة من أهم نقاط الاختلاف بين المحورين الأميركي والإيراني. ففي وقت يجزم حزب الله بأن «داعش» و»النصرة» وجهان لفريق واحد، يراهن حلفاء أميركا (بصورة مضحكة) على تصدي «النصرة» لـ «داعش» دفاعاً عنهم.
بالتالي، يبدو واضحاً للدبلوماسية الأوروبية عموماً أن ثمة تقاطعاً رئيسياً في الساحة اللبنانية بين المحورين المقاتلين لـ «داعش»، يتمثل بدعم الجيش أولاً وتوطيد الهدنة بين حزب الله وتيار المستقبل ثانياً. ويشرح أحد نواب المستقبل أن الأبراج الحدودية التي ثبتت قبل بضعة أشهر على الحدود الشرقية خففت عن كاهل حزب الله اضطراره إلى تكليف مئات العناصر بمراقبة الحدود، عبر إتاحتها لليرزة مراقبة أكثر من 114 كلم من الحدود اللبنانية – السورية على مدار الساعة. وكان لهذه الأبراج فضل رئيسي ومباشر في إحباط محاولتي اختراق. وفي ظل تحفظ قيادة الجيش الشديد على تجهيزاتها الجديدة لمواجهة الارهابيين لأسباب عسكرية، يؤكد أحد المطلعين حصول الجيش أخيراً على الأجهزة التكنولوجية اللازمة لمراقبة الحدود وإعطاء الأوامر عن بعد لاستهداف المسلحين. أما الهبة الأميركية الأخيرة للجيش فتجاوزت حدود الهبات التقليدية المضحكة، سواء من حيث كم الذخيرة (أكثر من 26 مليون طلقة من الذخائر المختلفة) أو نوعية المدافع، والتي هي، بحسب مصدر عسكري، أهم بكثير من مدافع CAESAR 155 mm التي يفترض بفرنسا تزويد الجيش بـ 28 منها بموجب الهبة السعودية.
ويؤكد النائب المستقبلي في هذا السياق أن السلاح الفرنسي المنتظر يفيد الفرنسيين الذين تعاني ميزانيتهم العامة مصائب جمة أكثر مما يفيد لبنان، ولا علاقة لهذا السلاح بمواجهة الخطر التكفيري الداهم، بعكس المساعدات الأميركية الجديدة التي توحي نوعيتها وسرعة تأمينها (من المخازن الأميركية في الأردن) بجدية الخطر الداهم. ولا شك في أن السلاح المنتظر الأهم هو طائرات الـ «سوبر توكانو» (برازيلية المصنع) التي دفع اللبنانيون من هبة المليار ثمن ثمان منها. وهي تمثل العنصر الرئيسي في تدريبات الجيش الأميركي وسلاح الجو الكولومبي والتشيلي والإكوادوري والإندونيسي والموريتاني، فيما ينتظر الجيش الأفغاني تزويده في نيسان المقبل بالدفعة الأولى منها من أصل 20 «سوبر توكانو». وتشير التقارير العسكرية إلى فعالية هذه الطائرة المتطورة إلكترونياً في المناطق الجبلية الوعرة، وهي أقل تكلفة بكثير من طائرات «أف 16» رغم تمتعهما بخصائص عدة مشتركة.
مصادر عسكرية تؤكد أن نقاط المراقبة والمدافع الجديدة تسمح للجيش بصد هجمات التفكيريين، إلا أن انتقاله من الدفاع إلى الهجوم ينتظر وصول الدفعة الأولى من الطائرات. ويفترض بقيادة الجيشين الأميركي واللبناني تأجيل إعلان تسليم الطائرات، ليتمكن الجيش من مباغتة المسلحين. مع تأكيد المطلعين أن الإسراع في العملية، قبيل ذوبان الثلج مع نهاية نيسان المقبل، أفضل بكثير. ويشير أحد السفراء الأوروبيين بوضوح هنا إلى أن التدقيق في قائمة الأسلحة الجديدة المعطاة للجيش توحي بوجود مسعى أميركي واضح لسد النقص الذي يعانيه حزب الله على أصعدة عدة في قتاله «داعش»، مما لا يمكن للحزب الحصول عليه عن طريق سوريا أو إيران. ويتابع المصدر نفسه: لا إمكان بعد للتنسيق الميداني المباشر بين كل أعداء «داعش»، لكن يوجد عدة أصدقاء مشتركين، يتقدمهم الجيش اللبناني. كأن إيران والولايات المتحدة ترقصان تانغو في بيروت؛ يحق لهما الاقتراب من بعد قدر ما تشتهيان، من دون أن تتلامسا. وما تقوله المصادر الدبلوماسية بشأن «الخطر الداهم» يكرره نواب مستقبليون على تواصل مع هؤلاء السفراء: لا وقت للخلافات السياسية السنية – الشيعية؛ هناك ما هو أخطر بكثير. فالأولوية الغربية المطلقة – يتابع نائب مستقبلي – هي لمكافحة الإرهاب. و»الكل، من دون استثناء، يقدم تنازلات، ويقبل أموراً كان يستحيل سابقاً أن يقبل بها. كأن معادلة الجيش والمقاومة والشعب المرفوضة في مواجهة إسرائيل مطلوبة غربياً اليوم وبقوة في مواجهة الإرهاب».