ذهب عدد من الكتّاب إلى أن الفيلم الداعشي ـــ المتقن الإخراج ـــ لجريمة تحريق الطيار الأردني، الشهيد معاذ الكساسبة، قد حقق نجاحاً إعلامياً غير مسبوق للتنظيم الإرهابي؛ فرض نفسه على ملايين المشاهدين، وعلى السياسيين والمعلقين في العالم كله، وأحيا هجمة «داعش» ــــ التي أصابها الوهن ــــ لإحداث الصدمة والرعب، وبث الذعر في قلوب المخالفين، واجتذاب العُصابيين ذوي النزعات الإجرامية إلى صفوف التنظيم.
الواقع يثبت العكس. ففي الأردن، تمثّلت ردة الفعل على الجريمة البشعة المصوّرة، بالغضب والتحدي والاجماع على شعار: «الموت لداعش». ويمكن لأي متابع للتحركات الشعبية والصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي واللقاءات العامة والمضافات وبيوت العزاء، أن يستنتج ولادة كتلة وطنية واسعة وصلبة، معادية لـ «داعش» والتنظيمات التكفيرية والإرهابية. فجأة، اختفت قيادات التيار السلفي الجهادي، بينما وجد الإخوان المسلمون، أنفسهم في موقع دفاعي.
أدان الإخوان المسلمون «مقتل الطيار...» وأدانوا الإرهاب بعامة؛ لكنهم لم يسموا الكساسبة شهيداً، ولم يدينوا «داعش» التي رأوا أنها لم تراعِ الشرع في التعامل مع «الأسير»! وعلى الفور، شنّ آلاف النشطاء، حملة على «الإخوان»، أربكتهم، ودفعتهم الى زيارة بيت عزاء عشيرة الكساسبة، ونفي «تصريحات سابقة» متواطئة مع «داعش»، أطلقتها قيادات إخوانية.
قرار حل الجماعة وحظر حزبها، جبهة العمل الإسلامي، لن يكلّف وزير الداخلية الأردني، اليوم، أكثر من حبر الإمضاء؛ هذه اللحظة النادرة من عزلة «الإخوان» شعبياً، تغري تياراً في الدولة للانقضاض عليهم، لكن تياراً آخر يرى أن ما كان يُعتَبر أكبر الأحزاب الأردنية، قد مات سياسياً، ولا داعي للتمثيل في الجثة.
نقطة الضعف المركزية في الإسلام السياسي الأردني، تتمثل في رفضه الملحّ للهوية الوطنية الأردنية، سواءٌ باسم الأمة الإسلامية أم باسم الأممية الدينية المنكرة للأوطان أم باسم تمثيل ما يعتبرونه مصالح الأردنيين ــــ الفلسطينيين، أو تحت شعار أولوية القضية الفلسطينية. وقد انعكس كل ذلك في البرامج والتنظيم والحركة السياسية؛ جرّاء ذلك، فشل الإسلاميون في اختراق وقيادة الحراك الشعبي الأردني الذي تمثل خطه الرئيسي في السعي لاستعادة الروح الوطنية والقومية من براثن العدمية الميركنتيلية، واسترجاع الدولة من براثن النيوليبراليين.
من الواضح أن قوّة البشاعة، الواقعية والسينمائية، في الفيلم الداعشي المذكور، قد استفزت الرأي العام في الأردن وخارجه. أعطى ذلك لاستشهاد الكساسبة، حضورا رمزيا مكثفا، قاربته أصوات استنكار تتساءل عن كل هذه الضجة لاستشهاد طيار أردني، بينما يمارس الإرهابيون قتل الآلاف في سوريا والعراق. جاء الردّ من جندي سوري ميداني، أطلق على «يوتيوب» صرخة ألم على الكساسبة، وصرخة احتجاج على لا إنسانية «الشامتين» الذين لا يفرّقون بين نظام شارك في الإساءة لسوريا وبين جندي عربي استشهد بطريقة بشعة استفزت حتى أولئك الأبطال الذين يواجهون الموت كل يوم على الأرض السورية.
مقاربة الشماتة أو القول بأن ردة الفعل الأردنية مصطنعة، ليس لهما معنى؛ ففي الواقع، سواءٌ أكان ذلك يسوء الكثيرين أم لا، أن الجماعة الوطنية الأردنية، أظهرت، منذ 2011، قدراً كبيراً من التماسك وروح المسؤولية الجماعية والتعاضد، ما يجعل من الوطنية الأردنية، ظاهرة سياسية مميزة إزاء الانشقاقات العميقة التي تشهدها المجتمعات العربية على أسس مذهبية أو طائفية أو اتنية (أو هوياتية، كما هو الحال بالنسبة لمصر المنشقة بين الهوية الوطنية والهوية الدينية).
لكن، مما يثير القلق حقاً أن حزب واشنطن في عمّان، يدفع إلى استغلال الفرصة لمضاعفة التورّط في سوريا. في هذه الحالة، يكون النظام قد وقع في سوء فهم للهبّة الوطنية الأردنية. وهي ليست موجهة ضد «داعش» فقط، ولكن ضد كل أشكال الطائفية والتكفير والإرهاب، سواء أكان متطرفا أم «معتدلا».
ميزان القوى الداخلي ــــ والإقليمي ــــ لا يسمح لعمّان بالانسياق وراء برنامج البنتاغون القاضي باستئصال «داعش» واسقاط النظام السوري معاً. هذا برنامج غير واقعي. وعلى متخذي القرار في المملكة أن يلاحظوا أن الوعي الجمعي الأردني استقر على ربط الإرهاب بـ «المعارضة السورية» في كل تشكيلاتها وصورها، وخصوصاً التنظيمات الطائفية والدينية.
غير أن للأردن دوراً تقترحه دمشق التي دانت جريمة احراق الكساسبة، وعرضت على الحكومة الأردنية، مجدداً، التنسيق الثنائي لمواجهة الإرهاب، كما يمكن لعمّان أن تعمّق التعاون الأمني والعسكري مع بغداد. غير أن الأهم هو الإفادة من التحشيد الشعبي لتوجيه ضربة للسلفية الجهادية، وإحداث ثورة في المناهج التربوية والإعلام وخطاب المساجد الخ. أفضل وأقوى وآمن ما يمكن للأردنيين القيام به هو استئصال «داعش» داخل الأردن، لا خارجه.
7 تعليق
التعليقات
-
الملك المملوكان دم الشهيد الكساسبه هو في رقبة مليكه المملوك فربما ان الذي امر بحرقه يكون داعشيا اوتدرب في الاردن وارسل الى سوريا لذلك فجريمة الملك المملوك هي في الحقيقه جريمتين فمنه القاتل ومنه المقتول
-
- محاباة -أجمل ما في هذا المقال أنه قال كل شيئ ولم يقل شيئاً ..سيما وأنه _ أي المقال _ غابت عنه وفيه كل مفردات التبجيل المعتادة التي يسوقها الكاتب للملك " الهاشمي " النشمي .. ربما كان ضرورياً أستاذ ناهض أن تمدح مليكك قليلاً لتضفي نوعاً من التوازن لصورته " المجعلكة" التي ظهرها زميلك ابراهيم الأمين على حقيقنها دونما رتوش أو مكياج ... رحم الله معاذاً فهو " برغي " - ولا حول له ولا قوة - من هذا " الشأب الأزيز " الذي قزمه مليكك بأن جعله أزيزاً .. لقد كان شعبنا الطيب في الأردن عزيزاً عندما كان قريباً من أخوته في الشآم بغض النظر عمن يحكمه... حعلتموه مطية للقتلة الوهابيين فصار وكراً للدبابير "أزيزاً" يئزّ ويلسع كل أحبابه وقد يلسع " ملكته " بعد أن ضاجعها ،فولدت له بدل العسل قتلة وإرهابيين وتكفيريين بل وقوادين ملتحين معممين، يفتون بإغتصاب شرفهم الذي لجأ إليهم - ولبؤس الزمن - من قتلتهم أنفسهم ..فرموه في مخيمات تتقاذفه رياح الفيافي والبؤس ..
-
مواربةاؤيد ماقيل من المعلقين السابقين و اضيف ان الكاتب يتستر دائمآ في مقالاته على دور النظام الاردني في احداث سورية ، و دائمآ يسعى الى افهامنا ان هناك من في مراكز القرار في الاردن لايرضى بهذا الوضع ، اقول له ان الملك و حكوماته ماوجدت الا خدمة لامريكا و اسرائيل و عمالتهم متوارثة و مفضوحة و موثقة على مر تاريخهم ، و موقف الشعب الاردني موقف ملتبس و غير مفهوم ، نعرف كلنا عن سيطرة تيارات اسلامية و سلفية على مناطق واسعة و مدن في الاردن و لكن هناك تواطؤ و محاباة من طرف النظام لهم ، على الكاتب ان يسمي الاشياء بأسمائها و يكفي مواربة و تدليس و دهلزة و ليتبع مبادئه و قوميته التي ينادي بها ، فدجاج الصين يعرف عن عمالة و قذارة نظام المليك الاردني و ابوه من قبله و خيانتهم لقضايا العرب و مشاكلهم منذ تعيين والده ملكآ و حصوله على رواتب من الاستخبارات الامريكية الى ايام جده وصولآ اليه و انبطاحه امام الغرب و الصهاينة كما انبطاحه امام طاولات لعب القمار المشهور بها .
-
النظام الأردني يسيء قراءة ما يجريالنظام الأردني أساء فهم الشعب الأردني عقود. أساء روحه الوطنية، والتحامه بالقضية الفلسطينية. آخر مظاهر سوء الفهم هذا حدثت منذ نحو عام حين تراجعت القوى الوطنية والقومية والإسلامية المنظمة عن المضي في طريق التظاهر والاحتجاج ومحاولات مناوشة النظام وقوات دركه لأن هذا الشعب الوطني لا يريد إيذاء البلد والمضي في طريق المواجهة لتتحول الأمور إلى مصر أخرى أو ليبيا أو سورية لأننا رأينا بكل وضوح أن ما يسمى "الربيع العربي" ما هو إلا الشكل الأخير من محاولات الاستعمار والصهيونية تفكيك الدول العربية الوطنية والقضاء على شكلها المنظم من أجل ضمان إدامة العدو الصهيوني. حكومة النسور رأت في ذلك ضعفا وليس حكمة فمضت في برنامج وحشيتها الرأسمالي القاضي برفع أسعار كل شيء تلبية لمطالب البنك الدولي. وفي هذه المرة أيضا يسيؤون فهم غضب الشعب الأردني على مجرمي داعش ويريدون توظيفه من أجل خدمة مجموعة الدول المحسنة والمانحة كالسعودية والولايات المتحدة وهو الدور الذي يحسن النظام الأردني دائما تأديته. لكن غضب الشعب الأردني يتوجه أولا إلى من أدخلونا في معركة هي ليست معركتنا منذ البداية. فمعركتنا كما تقول المقالة هي في داخل الأردن حيث يؤدي الفقر والبطالة والشعور بالفراغ والعجز وحيث تتجاهل الحكومة المطالب الشعبية المحقة. معركتنا في تجفيف منابع داعش والنصرة والإرهاب بشكل عام المنتشر في مناطق الفقر في كل مكان في الأردن. الإصلاح، القضاء على الفقر، تحسين الأوضاع المعيشية لفقراء الناس. معركتنا الحقيقية هي هناك، في تلك الأماكن وليس في الرقة والأنبار عن طريق القصف وإلحاق المزيد من الخراب بالبنى التحتية في سورية والعراق. أما إذا أراد النظام محاربة الإرهاب حقا، فعلية بالتنسيق الأمني والعسكري مع كل من العراق وسورية.
-
الزرقاويان منبع داعش الفطري هو الوهابية السعودية , اما الرجال فجلهم من الاردن ودول المنطقة . يجب ان لا ننسى عندما قتل الزقاوي اقيمت احتفالات من اجله . والزقاوي قتل واحرق العشرات لا بل المئات , ولكن اين المفر ؟ ان ربك بالمرصاد .
-
هذا وإن دل على شيء يدل علىهذا وإن دل على شيء يدل على أصالة الجندي العربي السوري، أصالة تتكرر واحده مره في القرن!! النظام الأردني شارك في تدمير سوريا العربيه وليس فقط الإساءه لها. مثلاً، وللتوضيح يمكننا القول إنه حماس أساءت لسوريا لكن النظام الأردني شارك في تدمير سوريا العربيه. الغضب الموجه من قبل الأردنيين إتجاه داعش(أتى متأخراً للأسف) يجب أن يوجه إتجاه النظام الذي ساهم في حمل وولادة الدواعش وتصديرهم الى سوريا العربيه وهكذا تتجسد أمام أعيننا الهويه الوطنيه الأردنيه التي حاول الكاتب التأكيد على وجودها. هذا بالرغم من علمنا أن هناك إنشقاقات على مستويات عده في الأردن مثلاً مناطقي، قبلي, طبقي وعلى مستوى الإستفاده من النظام وغيرها من مستويات.
-
حزب واشنطن؟يتكلم الأستاذ كاتب المقال عن "حزب واشنطن" في السلطة، و كأنّ هناك حزب إيران و حزب روسيا أو حزب سوريا! في الأردن أصلاً لا يوجد في السلطة إلا أميركا و إسرائيل و سبب بقاء الملك على كرسيه الآخر (يحكى أن الكرسي الأصلي اختفى و البعض اعتبر أن الملك خسره في القمار). الأردن منخرط كلياً في المشروع الإسرائيلي في سوريا، كل المصائب التي حصلت في الجنوب السوري ابتداءً مما سُميّ "شرارة درعاً" حتى إنشاء جيش النصرة اللحدي على الحدود، للأردن دور أساسي فيه. المعلقون لم يشمتوا بالكساسبة، إنما هالهم كلّ هذه الضجة على فرد حرقته داعش بينما عملاء الملك حرقوا العشرات من الأبرياء، و للتذكير فقط، الضحية كان قضى و هو مكلف بمهمة من التحالف الأميركي الخليجي.