تذهب تقديرات البنك الدولي إلى أن النمو المحقق في عام 2014 بلغ نحو 1.5%، بزيادة طفيفة عن عام 2013، الذي سجّل نمواً بنسبة 0.9%. من المتوقع، بحسب «الموجز الاقتصادي الفصلي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» الصادر أمس، أن يبقي النمو ضعيفاً في هذا العام، وألا يتجاوز نسبة 2%، وهو ما يقل كثيراً عن مستواه المرتفع في فترة ما قبل عام 2011. وأشار إلى أن حزمة الحوافز، التي أقرّها مصرف لبنان بقيمة مليار دولار في صورة قروض مدعومة إلى القطاع الخاص، ستمكّن «أرباب العمل الحر في لبنان من الحصول على تمويل ميسّر ودخول السوق».
يحاول البنك الدولي أن يقيس أثر انخفاض أسعار النفط على بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، معتبراً «أن انخفاض أسعار النفط العالمية أكثر من 50%، من 115 دولاراً للبرميل في حزيران 2014 إلى أقل من 50 دولاراً اليوم، ستكون له آثار وتداعيات واسعة على اقتصادات المنطقة». إلا أن «لبنان، الأردن، تونس ومصر، وهي جميعها مستوردة للنفط، ستكون مستفيدة من هذا الانخفاض»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن موازين التجارة في هذه البلدان يمكن أن تتحسن بنسبة تصل إلى 2% من إجمالي الناتج المحلي. ووفقاً للتقرير، من المرجح أن تشهد البلدان المصدرة للنفط ارتفاع العجز في موازين ماليتها العامة ومعاملاتها الجارية أو انكماشاً كبيراً لفوائض هذه الموازين.
ستخسر الدول
الخليجية نحو 215
مليار دولار في العائدات النفطية
يعلّق شانتا ديفاراجان، أحد معدّي التقرير: «سيستفيد مستوردو النفط من انخفاض فواتير الواردات ودعم الوقود. أما المصدرون، وبعضهم يعتمد على النفط في الحصول على 80% من إيراداته، فسيخسرون بعض إيرادات التصدير والمالية العامة».
يركّز العدد الرابع من الموجز الدوري (كانون الثاني 2015) على الآثار الناشئة عن تدني أسعار النفط على مجموعة من ثمانية بلدان نامية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (مستوردو النفط: مصر وتونس ولبنان والأردن؛ ومصدرو النفط: إيران والعراق واليمن وليبيا) وبلدان مجلس التعاون الخليجي، التي تؤدي دوراً رئيسياً في تدفق الأموال بصورة مساعدات واستثمارات وعائدات سياحية وتحويلات مغتربين إلى بقية بلدان المنطقة.
يشير التقرير إلى أن اليمن وليبيا من بين منتجي النفط الأكثر عرضة للمعاناة بسبب انخفاض الأسعار، وأن إيران والعراق قد يشهدا تدهور صافي ميزان تجارتها النفطية (صافي صادراتها النفطية) ما يربو على 10% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2015. أما البلدان المصدرة للنفط في مجلس التعاون الخليجي، فإنها في وضع أفضل كثيراً بسبب احتياطياتها المالية الوفيرة، لكنها قد تسجل أيضاً تراجعاً يزيد على 215 مليار دولار في العائدات النفطية، أي أكثر من 14% من إجمالي ناتجها المحلي.
حذرت ليلي متقي، معدّة التقرير، من أن «الصدمة النفطية قد تعرّض للخطر قدرة بعض البلدان المصدرة للنفط على الوفاء بالتزاماتها الخاصة بالإنفاق. وتشتمل البدائل المتاحة أمامها على السحب من الاحتياطيات وخفض الإنفاق على دعم الوقود ورواتب العاملين في القطاع العام (...) ويواجه مُستوردو النفط، مثل مصر والأردن ولبنان، خطراً لأن اقتصاداتهم تتلقى تدفقات كبيرة من تحويلات المغتربين والمساعدات من مجلس التعاون الخليجي. غير أنه استناداً إلى الأحداث المماثلة السابقة، خلص التقرير إلى أن انخفاض أسعار النفط سيؤدي على الأرجح إلى إبطاء وتيرة النمو، لكنه لن يسبب تراجعاً في تحويلات المغتربين.
انطلاقاً من ذلك، يتوقّع البنك الدولي أن يكون الأثر الكلي على اقتصاد لبنان إيجابياً. ففي جانب المالية العامة، ستتحقَّق وفورات كبيرة، يأتي معظمها من انخفاض مدفوعات الحكومة للكهرباء. ومن المحتمل أن يشهد ميزان المدفوعات أثراً صافياً مواتياً لأن تراجع واردات الطاقة سيطغى أثره على نقصان تحويلات المغتربين. وأشار التقرير إلى «الغموض الذي يحيط بالأثر على القطاع الحقيقي، إذ إن انخفاض أسعار المنتجات البترولية سيعزز الاستهلاك الخاص من ناحية، لكن تراجع تحويلات المغتربين اللبنانيين في البلدان المنتجة للنفط قد يُضعِف هذا الاستهلاك من ناحية أخرى». وخلص إلى أن «الأثر المتوقع على النمو سيتوقَّف على طول مدة انخفاض أسعار النفط وتوقعاتها. وسيعود هبوط أسعار النفط بالنفع على المستهلكين، ويُعزِّز النمو، بافتراض ثبات العوامل الأخرى، لكن من ناحية أخرى قد تتعرض تحويلات المغتربين من البلدان المنتجة للنفط لضغوط إذا استمر انخفاض أسعار النفط فترة طويلة. وستتراجع معدلات التضخم الأساسي مع انخفاض أسعار النفط».

ميزان المالية العامة

«بفضل انخفاض أسعار النفط، سيتحسَّن وضع المالية العامة للبنان الذي يتسم بأوجه ضعف هيكلية». إلا أن العجز الكلي لميزانية الحكومة المركزية ازداد في عام 2014 إلى 10.2% من إجمالي الناتج المحلي، بالمقارنة مع 9.4% في عام 2013. ووصل الدين العام الإجمالي إلى 149% من إجمالي الناتج المحلي في نهاية 2014. رأى التقرير أن «الأثر الأولي لانخفاض أسعار النفط سيكون من خلال المدفوعات إلى مؤسسة كهرباء لبنان». بلغت المدفوعات الحكومية لمؤسسة كهرباء لبنان 3.9% من إجمالي الناتج المحلي كمتوسط سنوي خلال السنوات العشر الماضية. وترتبط هذه المدفوعات بأسعار النفط، ويبلغ معامل الارتباط 0.4 منذ عام 2005. وفي السنوات القليلة الماضية، كانت أسعار النفط مرتفعة بنحو غير معتاد، وهو ما أدَّى إلى زيادة المدفوعات الحكومية لمؤسسة كهرباء لبنان التي بلغت في المتوسط 4.7% من إجمالي الناتج المحلي منذ عام 2011. و»قد يتأخّر ظهور الأثر الإيجابي لانخفاض أسعار النفط على وضع المالية العامة من 6 أشهر إلى 9، بالنظر إلى هيكل التعاقدات الجارية مع مُورِّدي زيت الوقود وزيت الغاز».

ميزان المعاملات الجارية

يتوقع البنك الدولي أن يتحسَّن ميزان مدفوعات، «على الرغم من التأثُّر الشديد للبنان بالبلدان المصدرة للنفط من خلال تحويلات المغتربين والاستثمارات، ونظراً إلى وضعه كمستورد صاف كبير للنفط». وتشير التقديرات إلى أن عجز ميزان المعاملات الجارية سجّل نحو 8% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2014، وهي النسبة نفسها في العامين السابقين. والعامل الرئيسي في هذا الوضع هو عجز كبير في الميزان التجاري بلغ في المتوسط 34% من إجمالي الناتج المحلي منذ عام 2010. و»لأن لبنان مستورد صافٍ للنفط، فإن وارداته من الطاقة عامل رئيسي من عوامل العجز التجاري، الذي بلغ في المتوسط 8.3% من إجمالي الناتج المحلي خلال الفترة نفسها. وفضلاً عن ذلك، فإنه لتلبية احتياجات ميزان المدفوعات، سيظل لبنان معتمداً على التدفقات المالية الداخلة، التي يأتي جزء كبير منها، من طريق تحويلات المغتربين، وتعادل نحو 6.5% من إجمالي الناتج المحلي (متوسط السنوات 2010-2013)». وتتأثَّر تحويلات المغتربين أيضاً بسعر النفط، لأن جزءاً كبيراً من هذه التحويلات يأتي من الجالية اللبنانية الكبيرة في منطقة مجلس التعاون الخليجي. وهذه المنطقة أيضاً مصدر مهم للدخل للكثير من مؤسسات الأعمال اللبنانية.
في الحصيلة، قال التقرير إن «انخفاض أسعار النفط سيكون له أثران يعوض بعضهما بعضاً على ميزان المدفوعات في لبنان. الأول إيجابي ينشأ عن انخفاض واردات الطاقة، والثاني سلبي يرجع إلى انخفاض متحصِّلات الدخل». وتتوقَّف المحصلة النهائية على المرونة النسبية لواردات الطاقة ومتحصلات الدخل بالنسبة إلى سعر النفط. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن «المرونة النسبية لواردات الطاقة ومتحصلات الدخل بالنسبة إلى أسعار النفط تبلغ 0.25 و0.12 على الترتيب للفترة كانون الثاني 2010 ـ تموز 2013. ونظراً إلى أن واردات الطاقة أيضاً أكبر من متحصِّلات الدخل، فإن هذا ينبئ بأن انخفاض أسعار النفط سيكون له بوجه عام أثر إيجابي على ميزان المدفوعات».
(الأخبار)