هل أخافت عملية القنيطرة أو ردعت أحداً، باستثناء إخافة مئات آلاف من المواطنين الإسرائيليين على الحدود في الشمال؟ هذا وغيره من الأسئلة طرحتها الصحافة الاسرائيلية أمس، بعد ردّ المقاومة في شبعا التي أُجبرت اسرائيل على «ابتلاعها»، وصولاً الى التشكيك في رجاحة عقل بنيامين نتانياهو.
ورأت صحيفة «هآرتس» أنه يتعين على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، في فترة المعركة الانتخابية، أن يحافظ أولاً على أمن سكان إسرائيل وجنود الجيش الإسرائيلي والامتناع عن استفزازات ونشاطات تسهم في التصعيد الأمني. «إذ على خلفية التصعيد وفتح جبهة إضافية في الشمال، يترسخ الشعور بأن العملية المنسوبة الى إسرائيل كانت خاطئة من الناحية العملانية والاستراتيجية. حتى إنها تطرح علامات استفهام حول رجاحة عقل صانعي القرار، أي رئيس الحكومة ووزير الأمن ورئيس الأركان». وأضافت: «مع الافتراض بأن جدول الأعمال الأمني سيخدم نتنياهو انتخابياً، لكن حرباً مع حزب الله هي مسألة مختلفة كلياً، وكيف يمكنه أن يفكر بأن مواجهة عسكرية شاملة مع الحزب ستنتهي بانتصار باهر يعزز وضعه؟». ودعت الصحيفة الى «التمييز بين الخطابة العلنية والأعمال على الأرض. فإذا هدد نتنياهو حزب الله بسحقه، فهذا يعني الاكتفاء بقصف بضع تلال خالية في جنوب لبنان. وليس هذا وحسب، بل إن الطرف الثاني يدرك جيداً أن إسرائيل تسعى الى إنهاء هذه المنازلة».
وسأل محلل الشؤون العسكرية في الصحيفة، عاموس هرئيل، عن اليوم الذي يلي، وأعرب عن أمله بأن «الحادثة المؤلمة» لن تجرّ وراءها حوادث أخرى تؤدي الى التصعيد الأمني.
هل يعتقد بأن مواجهة عسكرية شاملة مع الحزب ستنتهي بانتصار باهر؟


وفي الصحيفة نفسها، حذّر ران إدلست من تداعيات المواجهة، مشيراً الى أن الصراع التكتيكي القائم بين إسرائيل والمحور الثلاثي: إيران وحزب الله وسوريا، هو للسيطرة على مواقع القنيطرة وجنوب الجولان. لكن الصراع الاستراتيجي يهدف الى السيطرة على لبنان كله. من هنا، فإن الخطر «يكمن في أن حرباً شاملة بين إسرائيل وأعدائها الثلاثة، في أعقاب رد إسرائيلي زائد عن الحد، سيقربهم من تحقيق هدفهم. وهذا يعني أن على إسرائيل أن تدرس رد فعلها جيداً».
وتحت عنوان «مكشوفون»، كتب يوسي يهوشع في «يديعوت أحرونوت» عن أداء الجيش الإسرائيلي في مرحلة انتظار رد حزب الله، والتي سمحت للحزب بتنفيذ عملية الانتقام. وأشار الى أن الجيش كان يعلم أن الانتقام مقبل، لكن كان عليه أن يفكر كيف يتعامل بصورة أنجع مع المستوى العملياتي والاستخباري العالي الدقة لدى حزب الله، والذي مكنه من تنفيذ ما أراد: الرد المؤلم، من دون التسبب بتصعيد أمني واسع. و«علينا الاعتراف بأنه كان مستعداً لردود خطيرة من جانب إسرائيل، رغم انه اختار هدفاً موضعياً حتى لا يشعل لبنان». وخلص يهوشع الى أن رد الجيش الإسرائيلي يشير الى أن الرغبة في عدم التصعيد متبادلة، «لكن مع ذلك، الجيش ملزم باستخلاص العبر من أجل تقليص عدد الأهداف التي يستطيع حزب الله ضربها في هذه الفترة المتوترة جداً».
«عندما توضع قوة الردع الإسرائيلية أمام الاختبار، فمن الواجب أن نقف جميعاً خلف سياسة حكومة إسرائيل... لكن هذا إن كان لديها سياسة من الأساس». هذا ما ذهبت إليه صحيفة «يديعوت أحرونوت» أمس. وشنّت الصحيفة هجوماً لاذعاً على رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الذي سارع الى إطلاق التهديدات، فيما بذلت إسرائيل كل ما في وسعها كي تحتوي الحدث. و»يكاد يكون كل من اجتمع في مكتب رئيس الوزراء أمس (الأول) افترض بأن خلف تهديد نتنياهو لا يختبئ غير الخطابة. فهو لا يريد حقاً أن يتورط في حرب في الشمال»، وهذه ليست حاله وحسب، «بل لا أحد يريد ذلك، لا (وزير الاقتصاد نفتالي) بينت الذي صمت فجأة بلا همس، ولا (وزير الخارجية أفيغدور) ليبرمان الذي دعا الى البدء بحملة عسكرية واسعة في لبنان، لأنه يعرف أن أحداً لا يأخذ دعوته هذه على محمل الجد». وتساءلت الصحيفة: هل أخافت عملية القنيطرة أو ردعت أحداً، باستثناء إخافة مئات آلاف من المواطنين الإسرائيليين الذين يسكنون على حدود الشمال؟ ربما توجد أجوبة جيدة لهذه الأسئلة، ولكن عندما لا يكون أب للعملية إياها، فإنه لا يوجد من يمكن أن يطالب بها.
صحيفة «إسرائيل اليوم»، المقربة من نتنياهو، وتحت عنوان «تغيير جوهري للواقع الأمني في الشمال»، أشارت الى أن «حزب الله ردّ بضربة عسكرية على الضربة التي تلقاها، والإنجاز الرئيسي من ناحيته يكمن في نجاحه في جبي الثمن من إسرائيل، لكن من دون تصعيد للوضع الأمني»، مضيفة إنهم «في حزب الله يرون الرد الإسرائيلي الضعيف على أنه دليل إضافي على أن الطرفين غير معنيين بالتصعيد في هذه المرحلة».
أما عن الأسباب التي منعت إسرائيل من الرد على رد حزب الله، فأشارت الصحيفة الى أن القيادتين السياسية والعسكرية في إسرائيل رأتا أن الامتناع عن الرد يخدم هدفاً فورياً، وهو الحفاظ على الهدوء الأمني مع لبنان، في مقابل التطلع الى الهدف الرئيسي، وهو منع فتح جبهة إرهاب نشطة في الجولان». وطالبت الإسرائيليين بالصبر كي تعرف النتائج، وما إذا كان حزب الله سيرتدع عن العمل مجدداً من الجولان. مع ذلك، لفتت الى أن «أغلب المحافل المهنية ترى أن الجواب سلبي، وأنه مع استئناف الحزب نشاطه في منطقة مزارع شبعا، تكون إسرائيل أمام تغيير جوهري للواقع الأمني في الشمال، وهذه بشرى سيئة لأن تداعياتها واسعة جداً وتثير الخشية من أننا أمام منزلق قد يقود الى حرب جديدة في الشمال، عاجلاً أو آجلاً».