تجمع الثقافة اللبنانيّة الكثير من التناقضات، لكن الثابت فيها أنّ العنصريّة والكراهيّة هما لازمتان لم تفارقا لبنان منذ إنشاء الكيان. والعنصريّة في لبنان - مثلها مثل عنصريّة دولة الكيان الغاصب أو مثل عنصريّة نظام الأقليّة البيضاء في جنوب أفريقيا - ليست عارضة أو استثناء بل هي عنصر مُكوّن في بنيان الكيان اللبناني (حتى قبل إنشائه). وكما كان الصهاينة يقنعون المسؤولين في أوروبا وأميركا أن غرض إنشاء دولة يهوديّة على أرض فلسطين هي ضرورة حضاريّة (أي استعماريّة) لأنها ستحوّل أرضاً عربيّة متخلّفة إلى أرض أوروبيّة، فإن المؤسّسين اللبنانيّين باعوا مشروع الدولة بالحجج نفسها.

هذا ما قاله هرتزل في «دولة اليهود» (تجب ترجمة عنوان الكتاب عن الألمانيّة هكذا، وليس كما الترجمة الصهيونيّة الشائعة «الدولة اليهوديّة»): «علينا أن نُكوِّن هناك قسماً من حصن أوروبي ضد آسيا، أو قاعدة (متقدّمة) حضاريّة خلافاً للتخلّف». وبصورة مشابهة، سوّق دعاة الكيان اللبناني إلى فرنسا فكرّة إقامة محميّة أوروبيّة في قلب الشرق العربي للحفاظ على المصالح الاستعماريّة الأوروبيّة. وقد كشفت وثائق حصلت عليها الإدارة العثمانيّة في حينها أن بعضاً ممن يحتفل بهم لبنان كـ«شهداء» من دفعة 1916 كانوا - مثل سليم باز ويوسف الهاني - ضالعين في مؤامرة لإقامة كيان لصيق، وغير مستقل (تابع كلياّ لفرنسا)، في لبنان (راجع خليل سعادة، «سوريا: من الحرب والمجاعة إلى مؤتمر الصلح»، تحرير بدر الحاج وسليم مجاعص، منشورات سعادة الثقافيّة، ص. 75).
وتطوّر الكيان المسخ لكن فكرة إلحاقه بالغرب الاستعماري بقيت سائدة في الحكم في لبنان، وتجلّت في سياساته الخارجيّة (وحتى الداخليّة: ألم يعيّن فؤاد شهاب، المُحترم، خبيراً فرنسيّاً أشرف على عمل كل الوزارات وكان لا يُردّ في أي من الأمور، وهابه كل الوزراء لأن شهاب أعلنه أنه هو الحقّ، والحقّ هو). والميثاق (غير) الوطني كان أكذوبة متبادلة (لغير الأسباب التي أوردها جورج نقّاش، وهي لغويّة محضة) لأن التحالف مع الغرب انتقل من العلن والمجاهرة إلى السرّ وشبه المجاهرة. لم يكن هناك مفصل واحد في السياسات الغربيّة الاستعماريّة في الشرق العربي، وحتى في العالم، لم يتحالف معها لبنان. كان لبنان ينفّذ أوامر أميركيّة في سنوات الحرب الباردة في محاربة اليسار والشيوعيّة (وأضاف عليها تحسّباً القوميّة العربيّة)، كما أنه شارك في السرّ في تآمر عسكري لمصلحة العدوّ الإسرائيلي. إن تسويغ مبرّر وجود الكيان الصغير المنفصل (منذ التكوين) عن محيطه اعتمد ويعتمد على نظريّة التفوّق الحضاري (والعرقي، على عدم علميّة ومنطقيّة الفرضيّة) للشعب اللبناني على غيره من الشعوب: ويأخذ هذا التسويغ أشكالاً مختلفة، إن عبر كتابات القوميّة الفينيقيّة أو قوميّة العنصريّة المسيحيّة (التي تتقاطع مع القوميّة الفينيقيّة) أو حتى القوميّة السوريّة التي تكن احتقاراً للتاريخ والحضارة العربيّة.
الكل في الطبقة
السياسيّة يتحمّل مسؤوليّة القرار الذي اتخذته الحكومة اللبنانيّة

وتغيّرت أشكال العداء العنصري اللبناني وتلوّنت: ضخّ فيها فكر اليمين الطائفي الماروني (الكنسي والعلماني) كراهية لـ«الغريب» الفلسطيني، فيما استبطن لبنان إيغالاً لما استورد من عنصريّة الرجل الأبيض بهدف التماهي معه. والعنصريّة تجاه العنصر العربي لم تتوقّف على مدى التاريخ اللبناني المعاصر لكن هناك أشكال منها لا تجاهر بها. هناك احتقار مثلاً لأهل الخليج (وتتجلّى أشكال هذه العنصريّة هذه الأيّام في إعلام الممانعة، بما فيه إعلام النظام السوري «القومي العربي» - نظريّاً - ضد ما يسمّونه احتقاراً بـ«العربان»، وكأن أهل الممانعة من قوم الغربان)، لكن ثراء شيوخ وأمراء النفط يمنع شعب لبنان وثقافته من المجاهرة بهذا العداء طمعاً بالدنانير والريالات. أما العداء ضد الشعبيْن الفلسطيني والسوري فهو مسموح به دائماً، ولم تقلّل منه سطوة النظام السوري في لبنان (وليس من المفارقة ان النظام السوري، ورغم وجود قوّاته ومخابراته في لبنان، لم يتدخّل لحماية العمّال السوريّين الفقراء من الاعتداء والتعذيب، علماً بأن الشعب اللبناني ــ كما ظهر ــ كان أقلّ تفّلتاً في ترجمة عنصريّته في سنوات ما قبل انسحاب الجيش السوري من لبنان). وعمّت أشكال العنصريّة ضد العمّال السوريّين إلى درجة ان هناك من اليسار في لبنان - وفي سوريا - مَن اعتنقها تحت شعارات حماية الطبقة العاملة اللبنانيّة (وهو مثل الخطاب العنصري ضد العمّال المكسيكيّين من قبل بعض الطبقة العاملة في ولاية كاليفورنيا).
يُحسن الشعب اللبناني القيام بواجب الضيافة للزائر (والزائرة) في ثلاث حالات:
1) إذا كان الوافد إلى لبنان رجلاً أبيض (من أوروبا ومن أميركا تحديداً، لأن ثقافة لبنان تأسّست على تبجيل الرجل الأبيض ولأن شهادة الرجل الأبيض مهما غالت في العنصريّة، تكون موضع تقدير واهتمام من لبنان. إن سلسلة المقالات في الصحف اللبنانيّة نقلاً عن «خبراء» أو «متابعين» في أميركا توضع في خانة مقالات من نوع «حدّثني الرجل الأبيض، فقال»).
2) الحالة الثانيّة هي إذا كان الزائر من دولة خليجيّة. ينحني لبنانيون، او الكثير منهم حتى لا نقول بأسرهم، أمام أي شيخ أو أمير نفطي. امام هؤلاء، يتطوّع اللبناني (واللبنانيّة) بالإذلال الذاتي والمهانة الذاتيّة مقابل المال، أو الوعد بالمال.
3) يقوم اللبناني بواجب التكريم لرعايا أي دولة يقوم جيشها بالسيطرة على لبنان. كان لبنان في سنوات سيطرة النظام السوري يحرص على عدم إتاحة المجال أمام عنصريّته ضد الشعب السوري بالتفلّت كي تنعكس في أعمال عدوانيّة ضد الشعب السوري في لبنان. وما إن رحل الجيش السوري عن لبنان حتى أطلق الكثير من اللبنانيّين العنان للعنصريّة العنفيّة، وراح ضحيّة أعمال العنف تلك عدد غير معروف، لأن لا الدولة اللبنانيّة ولا الدولة السوريّة اكترثت لأمرهم. وتعرّض الكثير (لا يزال العدد مجهولاً) من العمّال السوريّين للقتل والخطف والضرب والإهانة (عمدت الصحافيّة الأميركيّة بروك أندرسون بعد اغتيال رفيق الحريري إلى التجول في لبنان مصطحبة كاميرا، وذلك لتوقيف عمّال سوريّين مصابين برضوض وجروح على وجهوهم، لسؤالهم عن أحوالهم وظروف الاعتداء عليهم وكان الكثير منهم يتمنّع عن الحديث خوفاً من العواقب).
والتحريض ضد العمّال السوريّين في إعلام 14 آذار كان صريحاً وصارخاً: نُشرت مقالات تساوي بين بائعي الكعك السوريّين وعمّال البناء وبين عملاء المخابرات السوريّة: كانت تلك دعوة صريحة للاعتداء عليهم، وهذا ما حصل. لكن الحق يُقال لم يكن هناك تمييز بين مناطق خاضعة لنفوذ أحزاب 14 آذار وبين مناطق خاضعة لنفوذ 8 آذار في التعامل مع السوريّين، إذ ان سكّان كل المناطق لم يتميّزوا في التعامل العنصري والاعتداء، مع أن المناطق الخاضعة لنفوذ الحزب المُسمّى (كوميديّاً) بـ«الحزب التقدّمي الاشتراكي» أبلت بلاءً أفضل من غيرها في الاعتداء على السوريّين.
لكن اندلاع الحرب في سوريا زاد من الحجج العنصريّة للبنانيّين ضد السوريّين. وضاق اللبنانيّون ذرعاً باللاجئين من سوريا بعد أسابيع فقط من وفود هاربين من سوريا. لكن سوريا آوت لاجئين من لبنان طوال عقديْ الحروب الأهليّة وخلال فصول الحروب الإسرائيليّة الوحشية على لبنان التي تلتها. لم يسمع أحد بتذمّر سوريّين من أعداد اللاجئين اللبنانيّين في سوريا ربما لأن اللبناني يعتقد انه خفيف الدم والظلّ والوطء. وتبارت بلديّات لبنان (بما فيها بلديّة القليلة في قضاء صور - معقل عائلة أبو خليل) في التصريح عن التضييق العنصري على اللاجئين السوريّين في لبنان. وفرضت البلديّات حظر تجول وإجراءات تعسّفيّة ضد اللاجئين. طبعاً، كانت منظمات حقوق الإنسان اللبنانيّة والغربيّة العاملة في لبنان (والمشغولة بالترويج لدعاية آل الحريري وآل سعود وآل 14 آذار) صامتة (أو هامسة في حالة «هيومن رايتس ووتش») عن الموضوع.
وبرز هذا الأسبوع موضوع التضييق الجديد المتمثّل بفرض تأشيرات على الوافدين من سوريا إلى لبنان (باستثناء مواطني الدول الغربيّة وأميركا الذين يحقّ لهم التجول من دون شروط أو تأشيرات حتى لو كانوا قادمين من دولة العدوّ الإسرائيلي، أو من حملة الجنسيّة الإسرائيليّة). لكن لبنان شديد الترحاب بالأوروبي والأميركي خصوصاً إذا كان يحمل تحيّات أجهزة مخابرات دولة العدوّ، مع ان كل الدول الغربيّة وسفاراتها تذلّ بصورة مدروسة ومُقنّنة كل طالبي وطالبات التأشيرات من اللبنانيّين، وتعرّض كل حاملي التأشيرات لمعاملة عنصريّة خاصّة بمجرّد أن يطأوا أرض مطارات الدول الغربيّة. لم يجرؤ مسؤول لبناني على طلب المعاملة بالمثل (باستثناء النائب نبيل نقولا، كي أكون منصفاً هنا). لبنان يرحّب بحملة الجنسيّتيْن من الدول الغربيّة، حتى لو كانت الجنسيّة الثانيّة إسرائيليّة. كيف تظنّون أن عملاء العدوّ جاءوا إلى لبنان عام 1973 لاغتيال القادة الفلسطينيّين؟ لا، لم يأتوا عن طريق البحر، كانت قصّة الزوارق خدعة روّجها العدوّ ورعاته في الدولة اللبنانيّة آنذاك للتغطية على التعاون الداخلي.
ولأن وزراء 14 آذار هم الذين أعلنوا وسوّغوا سياسة التأشيرات (ومن دون معارضة تُذكر من وزراء 8 آذار الخانعين) فإن فائقي الليبراليّة والحساسيّة الإنسانيّة في الإعلام والمجتمع المدني صمتوا. أكثر من ذلك، هناك من قدّم تسويغات للعنصريّة اللبنانيّة العريقة، والكاتب إلياس خوري - الذي، للأمانة، ادان إجراءات التأشيرات - كتب في «القدس العربي» (هل باتت هذه الجريدة متخصّصة في التحريض الطائفي المذهبي ضد الشيعة والعلويّين في العالم العربي، حتى أنها بزّت إعلام آل سعود؟) ما يلي: «شعور المرارة والدونيّة الذي عاشه اللبنانيّون خلال أعوام الوصاية السوريّة، وهي أعوام مقيتة ومهينة، يتحوّل اليوم إلى شعور بالتفوّق». هل يريد خوري ان يقول ان عنصريّة اللبناني استجدّت بفعل جرائم النظام السوري في لبنان؟ لم يكن لبنان يزخر بالعنصريّة ضد الفلسطينيّين والسوريّين قبل «توغّل» الجيش السوري في لبنان عام 1976؟ ومتى شعر اللبناني بالدونيّة؟ كان اللبنانيّون يعانون من تسلّط الجيش وأجهزة أمن النظام السوري في لبنان لكن من دون تعليق عنصريّتهم ضد الشعب السوري أو تجميدها أو توقيفها. والعنصرّية ليس لها ذرائع أو مُسبّبات، ولا يصبح المرء عنصريّاً بسبب حادثة أو حوادث، هي ثقافة مُتشرّبة ومتأصّلة. أما سمير عطالله (الذي لا يزال يسدّد حسابات النظام السعودي ضد كل ما هو يساري وعروبي في العالم العربي بسبب عقدة جمال عبد الناصر والحرب الباردة) فقد سخر من وصف لبنان بالعنصريّة وأعلن انه وفق حساباته هو فإن لبنان «مسكين» وضحيّة.
أما في موضوع التأشيرات، فقد سألت خبيرة دوليّة تعنى بشؤون اللاجئين السوريّين لإعطاء رأيها في الموضع فقالت:
1) إن القانون جائر حكماً لأنه يميّز بين الوافدين العرب والوافدين السوريّين، حتى الذين «لا يعدّون أنفسهم لاجئين».
2) «إن القرار يهدف لا إلى تنظيم دخول السوريّين وإنما إلى منعهم من الدخول. وليست هناك سياسة واضحة من الدولة في موضوع اللاجئين. اكتفت الحكومة بتقديم «ورقة مفهوم» عن «سياسة النزوح السوري»، التي صادق عليها مجلس الوزراء في 23 أكتوبر 2014 (أي بعد أكثر من ثلاث سنوات من بدء النزوح)». ليست هناك سياسة أو استراتيجيّة لجوء (ربّما لأن حكومة لبنان لا تبادر في أمر يتعلّق بالسياسة الخارجيّة بل تلبّي أوامر خارجيّة).
3) «يردّد المسؤولون أنهم سيسمحون بدخول الحالات الاستثنائيّة لكن ذلك لم يرد في القرار الأخير. ولم تقم الحكومة حتى بتحديد الحالات الاستثنائيّة، والتي يعود تحديدها لعناصر الأمن العام الذين ليس لديهم خبرة أو دراية بمواضيع اللجوء. وأشارت معلومات صحافيّة إلى أنه أحال أكثر من 30 عنصر أمن عام من نقطة المصنع على التأديب بسبب مخالفات».
4) «القرار لن يؤدّي إلى وقف النزوح. قد يحدّ منه ولكنه سيؤدّي إلى ارتفاع نسبة النازحين «غير الشرعيّين» (عبر المعابر غير الشرعيّة) وازدهار تهريب البشر بين البلديْن مع ما يرافق ذلك من استغلال ومن أخطار».
5) «مفاعيل القرار على اللاجئين الموجودين حاليّاً غير واضحة. هل سيجرى توقيفهم لأنهم لا يحملون إقامات أو تأشيرات؟ هل سيرّحلون؟». ومن المستبعد ان «يتجرّأ أي لاجئ سوري على مغادرة لبنان خوفاً من أن لا يتمكن من العودة إليه».
6) إن «أسوأ ما يُقال هو إن اللاجئين السوريّين سعداء في لبنان وإنهم يعيشون في رفاهية»، ويقال ذلك في معرض تسويغ القرارات غير الإنسانيّة. إن كل اللاجئين من دون استثناء يردّدون وبصدق أنهم يتوقون للعودة وأنهم يعيشون بمذلّة في لبنان، وأن حياتهم في سوريا كانت أفضل (بالرغم من الفقر). حتى السوريّون المعارضون يقولون إن الاستشفاء والتعليم مجّانيان في سوريا على الأقلّ، وأن كل شيء أرخص من لبنان».
7) أدّت هذه السياسات إلى دفع عائلات سوريّة مبالغ كبيرة لشراء تذاكر سفر إلى بلدان أخرى لكن من دون نيّة استخدامها، بل فقط من أجل دخول لبنان.
8) ماذا لو عاملت سوريا - وهي «المنفذ البرّي الوحيد للبنان» - لبنان بالمثل؟
9) من اللافت ان الأردن أقفل حدوده هو الآخر قبل أشهر بوجه السوريّين لكن ذلك لم «يحدث ضجّة» (ربّما لأن الأردن تحوّل إلى قاعدة عسكريّة أميركيّة تحظى بعناية فائقة من الإعلام العربي والعالمي).
10) هناك تضخيم للأثر الاقتصادي السلبي للسوريّين في لبنان. و«هناك آثار إيجابيّة للوجود السوري، ولا يتحدّث أحد عنها، وليس من دراسات حولها. السوريّون يحرّكون الدورة الاقتصاديّة نوعاً ما إضافة إلى مساهمتهم في الإيجارات وفي شراء المواد الغذائيّة وخلق فرص عمل جديدة عبر المنظّمات التي «فرّخت» بسببهم. واللافت ان أكثر الناس تذمّراً ولوماً للاجئين على الحال الاقتصاديّة هم الأقلّ تأثّراً بوجودهم: الأغنياء وسكّان الأشرفيّة (ونسبة اللاجئين السوريّين المسجّلين الذين يسكنون في بيروت هي أقلّ من 3%)».
11) «إن أحداً من البلدان الأوروبيّة أو أميركا وحتى منظمّات حقوق الإسنان لن يلوم لبنان على هذا القرار... وذلك لسببين: أولاً، لأن لبنان رغم كل شيء استقبل عدداً كبيراً من اللاجئين... والسبب الثاني والأهم أن هذه البلدان الغربيّة استقبلت أعداداً قليلة جداً مقارنة بما يمكنها وعليها استقباله بموجب تقاسم الأعباء، وبما أنها فريق في هذه الحرب ومعرقل للحل السياسي فيه». يعني ان ملامة كبيرة يجب ان توضع على أميركا والدول الأوروبيّة ودول الخليج.
لم يأتِ القرار الحكومي من عدم: سبقته حملة عنصريّة إعلاميّة ضد الشعب السوري في لبنان. والطريف في الحالة السياسيّة اللبنانيّة ان الذين يبدون أقصى الحماسة في دعم «ثورة الشعب السوري» والذين (واللواتي) يلفظن كلمة «سوري» وكلمة «فلسطيني» كأن الكلمتين نابيتان هم أقصى المتطرّفين في إبداء العنصريّة ضد الشعب السوري. وفريق المعارضة السوريّة التابع للنظاميْن القطري والسعودي لا ينبس بكلمة في استنكار عنصريّة رفاق التبعيّة النفطيّة والغازيّة. لكن جريدة «النهار» بزّت الجميع في التعبير عن العنصرية مع انها باتت متخصّصة في شؤون «البورنو» ومسائل الإباحيّة الجنسيّة لإنقاذ السمعة والصدقيّة الهابطة. رئيس تحرير الجريدة وصف الأطفال السوريّين بـ«القنابل الموقوتة» (مستعيراً من خطاب الصهاينة ضد الأطفال الفلسطينيّين) فيما أفردت الجريدة مقالة تناولت بعنصريّة فاقعة التلوّث الذي أحدثه السوريّون «السود» (إذ ان اللبنانيّون ينتمون إلى عرق أفضل من الشعب السوري في المخيّلة العنصريّة) في الحمراء وفي باقي لبنان.
لكن هناك من استنكر بأسباب تخفيفيّة مقالة «النهار». هناك من قال إن «النهار» ابتعدت من رسالتها، وكأن رسالتها لم تنضح في تاريخها بالعنصريّة والطائفيّة، وهي التي نشرت مقالة إبّان الحرب الأهليّة عن أن أهل الضاحية «يتناسلون كالفئران». وهناك من كتب أن الصحافة المناقضة لـ«النهار» كانت «تتمنّى» ضخ العنصريّة بدلاً منها، لكن قراءة التمنّي هي موهبة لا يتقنها إلا أمثال ليلى عبداللطيف وميشال حايك. ووليد جنبلاط، المُغرّد الليبرالي على «تويتر» حتى انه كاد ان ينسيك ولاءه لآل سعود وآل الحريري وتحالفه مع عتاة الليكود في سنوات بوش (فقط؟)، حرص على التميّيز بين سوريّين وآخرين ينتمون إلى «الغوغائيّة».
والشعب الغوغائي لا تحق له حقوق ولا يتشرّف بتذوّق أطعمة مآدب قصر المختارة.
الكل في الطبقة السياسيّة الحاكمة يتحمّل مسؤوليّة القرار السياسي الذي اتخذته الحكومة اللبنانيّة. ستدور الدوائر وسيخوض لبنان غمار حروب أهليّة مرّة أخرى. وعندها، من سيلوم الشعب السوري لو أقفل أبوابه بوجه الوافدين من لبنان؟ وستعاقب حكومات وحتى أنظمة في سوريا، وسيبقى هذا القرار الشائن وصمة عار في العلاقة بين الشعبيْن (لأن القرار نال تأييداً شعبيّاً). لكن الذي يتحمّل المسؤوليّة الكبرى هم أقطاب ووزراء السياسة في الفريقيْن (خصوصاً مروان حمادة الذي حوّل من منبر محكمة الحريري الدوليّة عقود طاعته وخدمته وولائه للنظام السوري إلى سنوات معارضة شجاعة من مقعد الوزارة والنفوذ) الذين دبّجوا الخطب والبيانات عن وحدة المصير بين الشعبيْن وعن «الشعب الواحد في دولتيْن». هؤلاء أثبتوا هذا الأسبوع انهم لا يحترمون تواقيعهم ولا كلامهم ولا مواقفهم. هؤلاء، مثل الببغاء، لا يستقيم لهم النطق إلا بالمحاكاة.
* كاتب عربي
(موقعه على الإنترنت:angryarab.blogspot.com)