يجلس تيار المستقبل وحزب الله الى طاولة حوار ثنائي مساء اليوم في عين التينة، بعدما اعتادا في السنوات الثلاث الأخيرة، وخصوصاً بعد إطاحة حكومة الرئيس سعد الحريري مطلع 2011، أسلوبين من التخاطب: تارة من خلال رئيس المجلس نبيه بري، وطوراً عبر حملات التشهير والاتهامات المتبادلة كأنهما لن يذهبا بعد ذاك الى أي حوار آخر. التقيا مجدداً في حكومة الرئيس تمام سلام بعدما رفعا على مرّ الشهور الـ 11 لتعثر إبصارها النور سقف القطيعة الى حد تعذر خفضه.
بيد أنهما انضما إليها بعدما تخليا عن كل ما قاله أحدهما في الآخر.
على طريقة مشاركتهما في حكومة سلام على أنها ربط نزاع، لا يعدو حوارهما الجديد سوى تكريس إضافي لربط النزاع إياه. لا جدول أعمال بين أيديهما. لا حرارة تطبع معاودة التواصل المباشر. لا أسباب ساخنة ترغمهما على الجلوس معاً الى الطاولة على غرار مرحلة ما قبل تسوية الدوحة عام 2008، ومن قبل ذلك جلوسهما الى طاولة الحوار الوطني في آذار 2006 تحت وطأة تداعيات اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
بذلك يذهب الطرفان باردين الى حوار بارد.
استبق تيار المستقبل وحزب الله نتائج الحوار بتقليل الآمال المعلقة عليه، وتأكيدهما معاً أنه يتوخيان منه تنفيس الاحتقان السني ـــ الشيعي ليس إلا. ليست هذه بالضرورة توقعات رئيس المجلس من معاودة التواصل، وهو عرّابه. استاء بري بداية من تسريب خبر مسعاه الى جمع الطرفين، ما أتاح محاولة تخريبه أكثر من مرة، وفرض شروط مبكرة تتناول مواضيعه. ثم أتى التباين على جدول الأعمال، وقد راهن رئيس المجلس على التحضير له بالكتمان بغية تأمين توافق على بنوده.
أصاب الرئيس ميقاتي
النجاح الكافي ليكون شريكاً في الساحة وتخلى عن عادة عدم الإفصاح

حتى الساعات القليلة التي تسبق انعقاده، لم يسَع أي من الفريقين الى الإفصاح عن جدول الأعمال، سوى قول رئيس المجلس إنه أدخل بندي انتخابات الرئاسة وقانون الانتخاب في المسودة التي اقترحها هو. حتى هذا الوقت راح بري يكتفي بتأكيد استبعاد ما ينقسم عليه المتحاوران، وهو مشاركة حزب الله في الحرب السورية ومصير سلاحه. ثم كشف أنه بات مصراً ـــ رغم عدم انضمامه الى طاولة الحوار ـــ على الخوض في قانون الانتخاب بعد إخفاق اللجنة النيابية المكلفة درسه في التوافق على صيغة مشروع قانون جديد.
يصح القول في الجلسة الأولى لحوار تيار المستقبل وحزب الله، إن ما يتوقعانه منه هو معاودة التواصل المباشر فحسب. لم تنقطع اجتماعات مساعد بري، وزير المال علي حسن خليل، مع مساعد الحريري، ابن عمته نادر الحريري، وخصوصاً في الأسبوعين المنصرمين، وكانا يمهدان لمسودتي جدول الأعمال، ولا كذلك زيارات نادر الحريري لرئيس المجلس في كل مرة استقبل فيها الرئيس فؤاد السنيورة في عين التينة. كثرت التكهنات التي أحاطت بحضوره الحتمي لقاءات بري مع السنيورة، وقيل إن نادر الحريري ــ لا الرئيس السابق للحكومة ــ هو الذي يحمل سرّ الحريري الغائب، المنوط به إطلاعه على فحوى المداولات.
إلا أن لانعقاد الحوار بين الطرفين مجدداً بعداً مختلفاً، يتناقض مع كل ما يرمي إليه مغزى الحوار ووظيفته، وهو وضع كل أسباب الخلاف على طاولة البحث. على أن حوار عين التينة لن يخوض أيضاً في الاستحقاق الرئاسي لسببين على الأقل:
أولهما، أن حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصر الله قال إن الملف لدى الرئيس ميشال عون لمَن يريد مناقشته في انتخابات الرئاسة، ولا يجد الحزب تالياً نفسه معنياً به.
ثانيهما، رغبتهما في إبعاد أي شبهة توحي بأن الفريقين السني والشيعي يقرران استحقاقاً يمسّ المسيحيين أولاً، ويغيب عنه الفريق المسيحي المعني به في قوى 8 و14 آذار على السواء. أضف إن كلاً منهما جَهَد لطمأنة حليفه المسيحي في الائتلاف الواسع الى عدم تفرده بخيارات لا يشتركان في الموافقة عليها.
مع ذلك يتحدث معنيون مباشرون بطاولة الحوار عن بضع ملاحظات:
أولاها، أن جدول الأعمال الفعلي لمداولات الفريقين يتركز على تفعيل عمل حكومة سلام الذي يصر عليه تيار المستقبل، وتفعيل عمل مجلس النواب الذي يصر عليه بري وحزب الله. الواضح أن كليهما يملك فيتو قوياً قادراً على تعطيل كل من المؤسستين، وهذا ما خبراه معاً شهوراً طويلة بين نيسان 2013 وشباط 2014 عندما حيل دون تأليف حكومة سلام، وفي الوقت نفسه دون انعقاد مجلس النواب. على نحو كهذا يتوخيان طاولة الحوار مظلة إدارة الحكم في مرحلة الشغور الرئاسي وتسهيل ممارسة الصلاحيات.
ثانيتها، أن ثمة حواراً مضمراً يختبئ وراء الحوار المعلن هو الذي ينطوي على جدية ما قد يخوض فيه الفريقان، ويتجاوز حرصهما على تنفيس الاحتقان المذهبي وضمان الاستقرار الداخلي. بعدما أشيع في الأسابيع الأخيرة أن المتحاورين اثنان فقط، هما نادر الحريري وحسين الخليل معاون نصر الله، أضحى الوفد واسعاً معظم أعضائه نواب، تقل فيه إذ ذاك كمية الأسرار.
ثالثتها، قد لا تكون استجابة تيار المستقبل وحزب الله لمبادرة بري الجلوس معاً الى الطاولة بريئة وعفوية بمقدار ما يصوّرانه وقد لبّياها بلا شروط، مجردة من إشارات إقليمية شجعتهما على معاودة التواصل على الأقل، وأناطت بهما بذل مزيد من الجهود لتخفيف نبرة التوتر السني ــ الشيعي في الشارع بعدما ضاعفت أحداث عرسال بعد طرابلس وعكار من استعاره بردود فعل سلبية.