أخيراً، وبعد تردد، حسم قاضي الأمور المستعجلة في بيروت نديم زوين قراره في شأن طلب إدارة الجامعة الأميركية في بيروت منع «الأخبار» من نشر أي مستندات أو مراسلات خاصة بها. رجع القاضي زوين عن موقفه السابق الذي اعتبر فيه ان نشر المستندات الخاصة أمر يحظره القانون، وفتح في قراره الجديد، الصادر (امس) في 8-12-2014، الباب أمام تجاوز هذا الحظر، «في حال توافُر ظروف استثنائية تفرض تفهم نشر مراسلة خاصة، كأن يكون مضمون المراسلة يمس سلامة الدولة أو أمنها، أو متى كان النشر ضرورياً ومهماً للمصلحة العامة ذات الشأن إلى حدّ يسمح بالتضحية بالاعتبار الشخصي».
انتهى القاضي زوين الى هذه الخلاصة بعدما أعلن مبدأ سمو المصلحة العامة على المصلحة الشخصية ومبدأ حق الرأي العام في الاطلاع والمعرفة. وفي المقابل، شدد في قراره على مبدأ احترام «الخصوصية»، اذ اكّد عدم جواز نشر أي مراسلة خاصة بالجامعة الأميركية «لا تعدّ ضرورية ومهمة لتأمين مصلحة عامة ذات شأن الى حدّ يسمح بالتضحية بالاعتبار الشخصي». وبذلك اعتمد الموازنة بين سمو المصلحة العامّة التي تجيز النشر وبين احترام الخصوصية عندما لا تكون المصلحة العامّة متحققة، ما يعني جواز نشر أي مراسلة تكون ضرورية ومهمة للمصلحة العامة. وبذلك، يكون القاضي زوين قد استند في حكمه الجديد الى القرار الصادر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان بتاريخ 12-4-2012، الذي أدلت به «الأخبار» في ملاحظاتها امامه على دعوى ادارة الجامعة الاميركية، واعلنت التزامها مضمونه. هذا الحكم يوافق تماماً موقف «الأخبار»، ويعدّ سابقة مهمة في تحديد المعايير التي يمكن على أساسها نشر المستندات الخاصة، وانتصاراً مهماً لحرية التعبير، وتحديداً لمبدأ أن «التشهير حق حين يكون واجباً».
إذاً، صدر عن قاضي الامور المستعجلة في بيروت نديم زوين قرار في شأن الطلب المقدّم من الجامعة الأميركية لمنع «الأخبار» من نشر اي مستند داخلي خاص بها من اي نوع كان وبأي وسيلة كانت. وجاء في خلاصة القرار:
أولاً: منع شركة أخبار بيروت ش.م.ل. والسيد حسين مهدي من نشر أية مراسلة خاصة بالمستدعية، ولا سيما المراسلات الإلكترونية غير الضرورية والمهمة لمصلحة عامة ذات شأن، على أن تحذف بجميع الأحوال الأسماء والعبارات والمقاطع غير الضرورية، وذلك تحت طائلة غرامة إكراهية قدرها عشرون مليون ليرة لبنانية عن كل مراسلة منشورة تشكل مخالفة واضحة لهذا القرار.
ثانيا: رد ما زاد أو خالف.
يعدّ القرار سابقة مهمة في تحديد المعايير التي يمكن على أساسها نشر المستندات الخاصة

ثالثاً: تكليف المساعد القضائي غسان مشلب بالتبليغ، على أن تسلف الجهة المستدعية مبلغ 150,000 ل.ل. كبدل تنفيذ له. وكانت إدارة الجامعة الأميركية في بيروت قد حصلت من القاضي نفسه على قرار «متعجل» سابق، قضى بإزالة تقرير نشرته «الأخبار» بتاريخ 14/11/2014 تحت عنوان «AUB ليكس: ملفات الـAUB إلى القضاء الأميركي؟» ومرفقاته عن الموقع الإلكتروني للجريدة (تحت طائلة غرامة إكراهية تبلغ 40 مليون ليرة عن كل يوم مخالفة)، وفرض على معد التقرير (حسين مهدي) إزالة التقرير عن صفحة الفايسبوك الخاصة به (تحت طائلة غرامة إكراهية تبلغ 20 مليون ليرة عن كل يوم مخالفة).
التقرير الذي أمر القاضي زوين بإزالته تضمن مراسلات داخلية وتقارير، تشرح الطريقة التي تدار بها الجامعة الأميركية، والتجاوزات التي قام بها عدد من الإداريين والأمناء والمحامين والموظفين للتغطية على فساد حاصل يطاول أموالاً عامّة وأموال الجامعة. اعترضت «الأخبار» حينها على القرار، وتقدّمت، بواسطة وكيلها المحامي نزار صاغية، باعتراض أمام القاضي المنفرد المدني في بيروت (الناظر في قضايا الأمور المستعجلة) ضد القرار الأول الصادر بتاريخ 19-11-2014، وطلبت الرجوع عنه شكلاً وإلا أساساً.
إدارة الجامعة الأميركية استبقت حكم التمييز، وسعت إلى الاستفادة أكثر من قرار القاضي زوين السابق. شجعها على ذلك، تجاهل القرار الاول مضمون المراسلات المنشورة لإثبات توافق نشرها مع المصلحة العامة، وارتكازه على مبدأ حماية المراسلات الخاصة، معتبراً أنه يقع في مرتبة أعلى من حرية الصحافة ووظيفتها في كشف الفساد والتصدي له. تقدّمت الجامعة بدعوى ثانية من القاضي نفسه تطلب فيه منع نشر أي مراسلة خاصة بها بمعزل عن مضمونها، وهو ما عدّ أمراً خطيراً، لا يجعل من قضاء العجلة رقيباً مسبقاً على الصحافة فحسب، بل يجعل من القضاء عموماً أداة لقمع حريات الصحافة.
هذه المرّة رفض القاضي زوين الاستجابة للطلب، فرأى أنه «عملاً بمبدأ سموّ المصلحة العامة على المصلحة الشخصية، وبمبدأ حق الرأي العام في الاطلاع والمعرفة، قد تتوافر ظروف استثنائية تفرض تفهّم نشر مراسلة خاصة، كعندما يكون الأمر يمس سلامة الدولة أو أمنها أو متى كان النشر ضرورياً ومهماً للمصلحة العامة ذات الشأن إلى حدّ يسمح بالتضحية بالاعتبار الشخصي بعد الموازنة بين المصلحتين (شرط بطبيعة الحال توافر حسن النية لدى الناشر)، ولا يكون مباحاً نشر أي مراسلة متعلقة بالمصلحة العامة دون توافر الشروط المذكورة. إذ إن ذلك يفتح المجال واسعاً للتعرض للحريات والحرمات وللأمور السرية أو المحمية قانوناً ولأسرار المهن الحرّة تحت حجة ارتباط المضمون من قريب أو من بعيد بأي موضوع يمسّ المصلحة العامة، ولو كان الأمر ليس بأهمية مبررة لخرق مبدأ عدم جواز النشر، ويبقى تقويم الفعل اساساً وترتيب النتائج القانونية عليه من اختصاص محاكم الأساس».