«من يُردْ أن يشرّد حفيدي وزوجتي فسأقتله»

«ليتهم أقرّوا قانون الإيجارات الجديد منذ عام 1992. لم تكن حينها أسعار الشقق تعجيزية، وكنا لا نزال شباباً، لدينا القدرة على إعالة أنفسنا وأبنائنا. خدّرونا تمهيداً لنهب المزيد من الأموال. انتظرونا لنعجز كي يطردونا من منازلنا». هذا هو ما قاله أحد المستأجرين القدامى ممن بلغوا خريف العمر. لم يعد هؤلاء ينتظرون عدالة أو «دولة راعية» تهتم بمواطنيها. باتوا مستسلمين لقدسية «الملك»، ويسلّمون بالمصير الأسود المرسوم لهم، ولكنهم لم يستوعبوا بعد كيف لمجلس نواب يمثّلهم أن يصدر قانون الإيجارات الجديد، يستنكرون «غبن» دولتهم التي تكتفي بدور المتفرج في أكبر قضية اجتماعية.

أم محمد /62 عاماً

هنا، في زاروب سليم نبات في صبرا، بيوتٌ على هيئة ساكنيها: معمّرة، هرمة ومُتعَبة. أنهكتها السنون، و»أكملت» عليها في ما بعد عشوائية متعمّدة. من يدخل «الزاروب»، يدرك أن سكان «الحيّ»، هم ناس المدينة «الأصليون»، التحموا فيها منذ زمن بعيد، فبات انسلاخهم عنها مستحيلاً.
عند أول الزاروب، تقطن أم محمد (62 عاماً). تعيش في منزلها الذي لا يتعدى 3 غرف منذ عام 1974. «بقينا في المنزل خلال حرب المخيمات وخلال الاجتياح، لا نعرف ملاذاً غيره»، تقول المرأة محدّثة عن المنزل الذي استأجرته وزوجها قبل 40 عاماً. تصف علاقتها مع المالك قائلة: «كنا نتقاسم اللقمة خلال الحرب ونبيت في غرفة واحدة»، وتستطرد: «الله يرحمه ويسامح أخته اللي هانت عليها العشرة». بعد وفاة المالك، ورثت العقار أخته التي بدورها أورثته لابنها «الذي يعيش في فرنسا». عاد الرجل الخمسيني من «غربته» منذ سنة تقريباً، «تاريخ فوعة قانون الإيجارات الجديد وتمرّد المالكين»، على حد تعبير أم محمد، ليطالب بملكه الذي ورثه عن خاله. «ندفع لهم 50$ في الشهر، أعرف أن ذلك غير منصف، لكن ما باليد حيلة، أن يفرضوا علينا 500$ مقابل غرفتين ومطبخ وزوجي مريض ولا نملك معيلاً، حتماً، هو أمر تعجيزي». تعتاش المرأة الستينية وزوجها من مساعدة «الأجاويد»، وفق ما تقول، مضيفة: «أساعد امرأة مسنة، وأعطيها الأدوية واهتمّ بأمورها وأتقاضى 300 ألف ليرة شهرياً، إلا أن ذلك لا يكفينا لتغطية تكاليف شراء الماء ودفع فاتورة الكهرباء حتى». في الغرفة الضيقة «الرئيسية» لمنزلها، تنتشر «غالونات» الماء التي تدّخرها المرأة «احتياطاً». «المياه تنقطع هنا كثيراً، والكهرباء كمان، وفوق ذلك بدنا ندفع 500$ كمان؟».
تشكو أم محمد من مضايقات المالك الجديد، الذي «لا يعرف أن لنا أكثر مما له في هذا المنزل»، لا تنكر ملكيته له، لكنها تستطرد قائلة: «كنا ندفع 150 ليرة، كانو بيحكوا، في الوقت الذي كان راتب زوجي لا يتعدى 200 ليرة، فكنا نعتاش من الـ50 ليرة طوال الشهر». وبالتالي، المالك «استفاد منا أيضاً، واستطاع أن يحقق أرباحاً تغطي سعر العقار وكلفة البناء كله». أما المالك الحالي، فـ»الله منعم عليه، وعندو شقق للاستثمار، والله نحنا أحق منو بالبيت!».
تبدي المرأة الستينية استياءها من المضايقات و»الأذية» التي يتعمدها المالك بهدف «تطفيشنا»، بدءاً من «رمي أغراضنا، وصولاً إلى تهجمه بالضرب عليّ أنا وابنتي الوحيدة». رفع المالك دعوى إخلاء لكنه خسرها، لأن القاضي رفض بتّها. «يحاول الضغط علينا بدعوى مقدّمة ضد ابنتي بتهمة القدح والذم، لأن ابنتي ردت عليه عندما تهجّم علينا». حالياً، تودع أم محمد الإيجار لدى كاتب العدل، وهي بانتظار حل عادل يحفظ لها حقها المقدّس في السكن، تتجول في أرجاء منزلها المتعب، وتقول: «برغم كل شي بحبو لهل البيت وما بعرف عيش براتو، لما دفعت دم قلبي كرمال يأويني، كان هوي (المالك الجديد) بعدو بفرنسا».

حسن جابر (76 سنة)

«كان معاشي 200 ليرة، كنت أدفع 116 ليرة إيجار، وأنفق ما بقي خلال الشهر على 5 أولاد». بهذه الكلمات، وبنبرة «سخط»، يستهل العمّ حسن (76 عاماً) حديثه عن قانون الإيجارات الجديد. يستشرس الرجل السبعيني عندما تحدّثه عمّا يُقال عن «اغتصاب المستأجرين القدامى لأملاك غيرهم»، يقاطعك سريعاً، و»يسترسل» في الردّ: «400 ألف بالسنة مش منيح للمالك هلق، بس كان يرحمني هوي عند آخر كل شهر؟ كان ينزلي الإيجارات لما نزلت بالستينيات؟ وين كان هوي والدولة لما ما قدرت علّم ولادي، خوفاً من آخر الشهر كرمال ما يرميني برا لأقدر ادفع الإيجار». سرعان ما يوضح العم حسن: «هذا لا يعني أني أنكر له حقه في الملك، بل إن الحديث عن مظلومية المالك القديم غير صحيح، المالك اشترى البناية بـ10 آلاف ليرة، كنا ندفع له في الشهر 116 ليرة، استطاع أن يسد كلفة شراء المبنى كله بعد سنوات قليلة، وبعدها باعها لمالك جديد، واستطاع أن يشتري 6 بنايات إضافية غيرها». يؤكد أن المبنى الذي يقطن فيه بيع لأكثر من مالك. يجزم العجوز بأن «المالك الجديد لا يعرف بيته الذي هو عبارة عن غرفتين ومطبخ، يعرف أنه اشترى مبنى في المصيطبة وينوي إخلاء قاطنيه فقط». لم يغادر العم حسن المصيطبة منذ 48 عاماً، لا يملك بديلاً من منزله. «بدي عيش عند كنّة أنا؟ (زوجة ابنه)»، يسألك مضيفاً: «ما رح خلي حدا يتلبك فيني آخر العمر». لا يزال الرجل يعمل في دكان صغير في المصيطبة، «أعيل حفيدي اليتيم، وأصرف على زوجتي المسنّة، لا أملك ما أخسره، ومن يرد أن يشرد حفيدي وزوجتي فسأقتله، أنا ابن الـ76 عاماً، سأدافع عن آخر ما بقي لي في هذه الحياة، مسكن يؤوي عائلتي».
يختم جابر بالقول: «نحنا عمّرنا بيروت، اللي بدو يطفشنا منها، وهني معروفين، يرجعولنا حقنا بالبحر وببيروت وبعدين يناقشونا بالحقوق المسلوبة!».

عبد الكريم عيّاش (78 عاماً)

بيده المرتجفة، يدّلك العم عبد الكريم، على منزله في المصيطبة (78 عاماً)، قائلاً: «شايفة هاي البناية التعبانة، اللي بتشبهني، إيه هون أنا سكنت من الـ1968، عدّيهم كم سنة». قبل الحديث عنه، يخبرك عن جارته الأرملة، التي تقبع حالياً في المستشفى، وعن أولادها المقعدين الثلاثة: «أنا إذا سكرت بوجي بعيش عند ولادي، هيّ شو بتعمل؟»، يسألك سؤال من ينتظر إجابة. الرجل المتقاعد منذ اكثر من 10 سنوات يصف نفسه بـ»الواقعي»، لا يريد «محارجة» المالك على رزقه. لكن الحديث عن «تعدّيه» على ملك «الغير» يستفز الرجل السبعيني، «الله يرزقو سنتين زمان وطلع 3 بنايات غيرن، دفعتلو 50 ألف بالشقة من كم سنة ما قبل، وبنفس الوقت ما بدو يعطيني تعويض، لوين بروح؟». لا يتخوّف الرجل من إمكانية تطبيق القانون الجديد، «الله ما بيترك حدا»، وعند سؤاله عن تصوراته المحتملة للبديل، يختم بالقول: «لكل حادث حديث، بس ما حدا يعاملنا على أننا طفيليين، نحنا أهل بيروت يا جماعة!».




لجنة المحامين: الأحكام التي تصدر غير عادلة

ناشدت «لجنة المحامين المولجة بالطعن وتعديل قانون الإيجارات الجديد»، أمس، كلاً من رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء تمام سلام، فضلاً عن وزير العدل أشرف ريفي وكل الكتل النيابية، «وضع حد نهائي لهذا الملف الاجتماعي والإنساني والوطني الخطير».
مناشدة اللجنة تأتي في ظل استمرار الجدل الحاصل حول نفاذ القانون، و»تعددية وجهات النظر حوله». وذكّرت اللجنة بضرورة تبني اقتراح بري القاضي إما ببيع المأجور أو شرائه لقاء المحافظة على حق التعويض.
ورأت اللجنة أنه بناءً على إعلان بري عدم نفاذ القانون، فضلاً عن رأي هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، فإن «الأحكام التي تصدر هي غير عادلة وغير منطقية وغير مقبولة وهي تشمل بالطبع قرار مؤازرة الخبراء ودعاوى الاسترداد والإسقاط من التمديد»، لافتة الى «الضرر الاجتماعي والمادي الكبير الذي يلحق بالمواطنين، وخصوصاً بعد الهجمة والمضاربات العقارية للشركات العقارية التي تهدف الى تحويل بيروت إلى مجمعات من الباطون فارغة من أهالي بيروت، وحتى من أهالي لبنان، وكذلك في المناطق والضواحي».

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي