ابرز الخلاصات التي تنتهي اليها لقاءات اميركية مختلفة المستويات، التباين الواضح بين نظرة الادارة الاميركية الحالية الى ايران، ونظرتها الى دول عربية، حتى تلك التي تعد من حلفائها في المنطقة، كالسعودية ومصر. لم تثر نتائج الربيع العربي ولا تطورات المنطقة ارتياحاً اميركياً. يكفي ان يعدّد مسؤول سابق ما حصل في سوريا والعراق واليمن وليبيا ومصر والبحرين، وما يجري في فلسطين، وصعود تنظيم «داعش»، حتى يخلص الى مفارقة عن مسؤولية الدول العربية عن الانهيار الذي لحق بمنطقة الشرق الاوسط.
حدّة الكلام عن السعودية وقطر والامارات، على لسان محلل واعلامي مرموق، ومسؤولية هذه الدول عن تغذية التنظيم الاصولي وانتشاره في العراق وسوريا، لا تضاهيها الا مقارنة اكاديمي وسياسي بارز عمل في المنطقة، عن الفارق بين تجربة الاكراد في اربيل وتجربة الفلسطينيين في غزة. يتحدث الاخير باعجاب عمّا تمكن الاكراد من القيام به في فترة وجيزة من الحكم الذاتي، السياسي والاقتصادي، الامر الذي جعلهم قبلة انظار العالم، وساهم، من جملة العوامل العسكرية والسياسية، في قيام التحالف الغربي عندما اقترب خطر «داعش» من حدود اربيل، لكنه، في المقابل، يستطرد في الكلام عن الخلافات الفلسطينية الداخلية وعن الفساد داخل اروقة السلطة الفلسطينية ومعارضيها، الامر الذي جعل من المتعذر قيام حكم شفّاف قادر على استقطاب تعاطف الاميركيين معه سياسياً لا انسانياً. ثمة كلام كثير ومتعاطف يقوله مسؤولون رسميون عن الاوضاع الانسانية وعن المشاهد التي تنقل عن الموت المجاني في فلسطين، لكن، في السياسة، هناك حسابات مختلفة، والفلسطينيون لم يتمكنوا من ان يؤسسوا لتجربة حكم قوي ومتماسك يمكن ان يبني دولة يركن اليها الغرب سياسياً واقتصادياً، ولو اختلفت موارد غزة واربيل جذرياً بما يمكّن الاخيرة من الوقوف على قدميها. والنصيحة الاميركية هي ان على الفلسطينيين ان يأخذوا الامور بأيديهم، ولا يمكن ان يبقوا متكلين على دول العالم لحمايتهم والتدخل تارة لمصالحتهم وأخرى لمساعدتهم في وجه اسرائيل.
مآخذ كثيرة
تسجّلها واشنطن على الرياض بسبب دعمها للتنظيمات الأصولية


لا شك في ان الوضع الفلسطيني لا يمثّل اولوية اليوم في اميركا ولا المفاوضات مع اسرائيل ايضا. الهمّ الاكبر يتجه نحو غليان منطقة الشرق الاوسط، وصعود «داعش» والعلاقة مع ايران. ونقطة التقاطع بين هذه الملفات العلاقة الاميركية مع الدول العربية. لا يمكن لاي قارئ او متعاط في الشأن الاميركي الا ان يتحدث عن العلاقة بين واشنطن والرياض والقاهرة، اذ يبدو واضحاً ان الكأس طفحت بالمآخذ التي تسجلها واشنطن على العاصمتين، الاولى بسبب دعمها المبطن و»المكشوف» للتنظيمات الاصولية، وغضّ النظر عن انتشارها، ولو انها تقول علنا انها تشن حربا على الارهاب، والثانية بسبب موقف مصر المنتقد واشنطن لدعمها الاخوان المسلمين والرئيس السابق محمد مرسي. حتى الكلام عن العراق يأخذ منحى مختلفا: الفساد في الحكم والادارة وفي القوى النظامية التي سّلمت سلاحها وفرّت من «داعش». لم يتمكن الشيعة العرب من بناء دولة ولا السنة ايضا.
وللسعودية حصة في الكلام عن دورها في العراق، اذ انها، بسبب عدائها للشيعة، اغرقت هذا البلد ايضاً في كمّ من المشاكل الامنية والسياسية التي لا تحصى. من هنا يفهم الاصرار الاميركي على دور التحالف العربي ــ الخليجي في محاربة تنظيم «داعش». تريد واشنطن تورطا اكبر لهذه الدول في ضرب هذا التنظيم، الذي ترى ان هناك جهات عربية مسؤولة عن صعوده وتمدّده وتسلحه وشراء النفط منه. وحين يتحول هذا التنظيم إلى العدو الاول لواشنطن، فان هناك حسابات اخرى يجب ان تفتح مع دول اخرى، بعدما تورطت الولايات المتحدة مرة جديدة في الشرق الاوسط بعد محاولتها الانسحاب منه إثر تجربة العراق. ومن هذه الدول السعودية وايران. على الاولى القيام بدورها في محاربة الارهاب من سوريا الى العراق ولبنان، الى اي منطقة يمكن للتنظيم ان يتمدد اليها. وعليها ايضا ان تكون حاسمة في خياراتها. اما العلاقة مع ايران فمختلفة. تمديد فترة الحوار حول النووي بين طهران ومجموعة الخمس زائدا واحدا ليست الا تعبيرا عن اتجاهات تترسخ تدريجا في الادارة الاميركية، بانه يمكن الركون الى دولة تجري انتخابات نيابية ورئاسية، برغم الشوائب الانتخابية السابقة التي عرفتها ايران. تعوّل واشنطن، بإدارتها الديموقراطية، على دور لايران في المنطقة، وعلى فاعليتها في حفظ استقرار العراق ولبنان، وامكان مساهمتها لاحقاً في ترتيب حل لسوريا. لا يعني ذلك ان واشنطن مرتاحة الى حزب الله او الى تدخله في سوريا. مشكلة حزب الله قائمة ويتعرض لانتقاد حاد من محللين مقربين من الادارة الحالية وعاملين فيها. دخوله الى سوريا ساهم في تأجيج وضع لبنان، الذي لا يمكن رؤية حل له الا بعد ايجاد حل لسلاح الحزب. ما عدا ذلك، تعويل اميركي على الحوار مع ايران، الذي اعطي مهلة جديدة، ستكون ايضا فترة اميركية داخلية لتبيان الوضع الانتخابي في مهلة السنتين الاخيرتين من عمر ولاية الرئيس باراك اوباما، ما يعطي للجمهوريين المنتقدين للسياسة الديموقراطية الحالية تجاه ايران مزيدا من الوقت لتعديل المسار الحالي للعلاقة الاميركية مع دول منطقة الشرق الاوسط.