«ما عِزْتا للسكين يا إمي. قتلتا». هكذا، ببرودة قاتلة كرصاصتيه اللتين اخترقتا قلب نسرين روحانا وعينها، أخبر والدته ما فعل بزوجته. لم يخبرها التتمة. انسحب بهدوء ليكمل يومه «العادي»، وكأن شيئاً لم يكن. كأنه لم يقتل أحداً بوحشية، كأنه لم يقتل أمّ ولديه. مضى إلى غرفته. دخل الحمام واغتسل من دم القتيلة. لم يرم ملابسه كما يفعل القاتلون المحترفون. تركها في «غرفة الغسيل». لم يكن مهماً بالنسبة إليه إن عرفوا هويته. فقد شفى انتقامه وكفى.
مشهد سوريالي، لكن التتمة لم تأت بعد. لم نعرف مثلاً أن جان د. الذي انتظر ضحيته نصف ساعة أمام مركز عملها، قبل أن يقتلها، مارس حياته الطبيعية كما كانت قبل القتل. أراح جسده قليلاً بعد حمامٍ دافئ، ثم استيقظ. طلب «التاكسي» متجهاً نحو جبيل، وفي منتصف الطريق توقف عند محطة الباصات. ركب الباص، وقبل أن يصل إلى بيته، توقف عند الحلاق وقص شعره... واتصل بعدها بمخابرات الجيش ليقول لهم «قتلت زوجتي»، ويسلم نفسه. فعل كل هذا، فيما كان نصف جسد نسرين معلّقاً إلى جذع شجرة ونصفها الآخر في ماء نهر إبراهيم البارد.
لولا قدمها التي علقت صدفة هناك، عند الشجرة، ما «رجعنا شفنا إختي»، تقول ريتا روحانا. تروي ريتا، التي لم تنم منذ ليل أول من أمس، كيف غابت شقيقتها إلى الأبد. تقول إنه صباح أول من أمس «خرجت نسرين من البيت عند التاسعة صباحاً برفقة زميلتها إلى مركز عملها، في مجمع abc في منطقة الأشرفية، وهي اعتادت منذ انفصالها عن زوجها قبل 8 أشهر ألا تخرج وحيدة، خوفاً ممّا قد يفعله. ولدى وصولها انقض عليها مهدداً إياها بالسلاح، وأخذها في سيارته، فيما لم تستطع صديقتها فعل شيء، سوى الصراخ».
قتلت نساء كثيرات في مسلسل طويل اسمه العنف الأسري


وبحسب شقيقتها، فقد أظهرت الكاميرات الموجودة في موقف المجمع أن الرجل «انتظر هناك ما يقارب نصف ساعة قبل أن تصل أختي».
أخذها. كان هذا آخر ما رآه الشهود. كيف قتلها؟ وكيف لفظت أنفاسها الأخيرة؟ وماذا قالت؟ فتلك أسئلة تبقى «غصّة في قلبي»، تقول ريتا. وإن كانت التحقيقات التي أجريت مع جان د. في مخفر منطقة غزير، حيث هو موقوف الآن، قد أجابت عن بعض تلك الأسئلة. فبحسب التحقيقات، اعترف جان د. بأنه أوقف السيارة على الأوتوستراد قبل نهر إبراهيم، وسحب مسدسه وأطلق منه رصاصة تفجرت على مقربة من قلبها. لم تمت. تحملت ألمها، محاولة الهرب، لكنها لم تفلح. أمسك بها وصوّب المسدس إلى عينها، فأطفأ فيها الحياة. وعندما تأكد من موتها، رماها في مياه نهر إبراهيم... حيث باتت ليلتها معلّقة بقدمها إلى الشجرة.
في بيت والديها، كان الأمل «بالله كبيراً. كنا عم نتصل بالمخافر ونعمّم مواصفات السيارة بركي بيلاقوا»، تقول ريتا. لكن، كان أملاً بلا جدوى. الآن، تيقنت ريتا، بعدما عرفت بأن والدها تعرف على جسد شقيقتها في المستشفى (والذي يسلّم اليوم).
لم يعد أمام ريتا والعائلة إلا استرجاع ذكريات قاسية عاشتها نسرين مع جان. تقول ريتا «كان من الأساس سيّئاً، وكان يضربها يومياً لأنه يريد منها المال». كانت نسرين هي التي تدير شؤون المنزل «من كبيرها لصغيرها. كانت تعمل لتأمين لقمة طفليها، وعندما تتقاضى راتبها تعطيه إياه، فيما هو عاطل من العمل في المنزل».
عشر سنوات على هذه الحال. وصلت الأمور إلى ذروتها بعدما كاد يقتلها. وفي هذا الإطار، تشير ريتا إلى أنه «في إحدى المرات، دخلت المستشفى من شدة الضرب»، ولا يزال تقرير الطبيب الشرعي في حوزة العائلة. يومها، انفصلت نسرين عن جان وربحت حضانة طفليها بحكم قضائي، فيما حكم عليه بالعلاج» لأنه كان عنده مشاكل كثيرة نفسية»، يقول صهر العائلة. ويتابع «يخترع أسماء لعشاق مفترضين لنسرين، وفي الفترة الأخيرة اتهمها باسم أحد الأشخاص وهو مسافر منذ خمسة عشر عاماً في إحدى الدول العربية».
قتلت نسرين بحجة واهية: «عندها عشيق». حجة قتلت نساءً كثيرات في مسلسل طويل اسمه العنف الأسري. نسرين هي الضحية التاسعة هذا العام، والرابعة بعد إقرار قانون حماية المرأة وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري. وإن كانت أسرة القتيلة للتو قد تقدمت بدعوى «تعمّد القتل»، لكن الخوف أن تسير القضية على شاكلة ما سار غيرها. على شاكلة «الحل العائلي» الذي حدث مع رقية منذر والمماطلة كما يحصل اليوم مع قضية رلى يعقوب، القضية المعجزة.