عشرون ثانية، بل أقل، هي مدة شريط الفيديو الذي راج بسرعة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، مُقتطعاً من واحدة من النشرات الإخبارية لقناة «العربية الحدث»، وأثار الكثير من التساؤلات والانتقادات. في الشريط، تظهر واحدةٌ من مذيعات القناة وهي تُنهي مُداخلة لمراسل القناة في دير الزور محمد السعيد عبر «سكايب»، بداعي «عدم توافر الوقت». بعدها، نذهب إلى فاصلٍ خاطف، وما تلبث الكاميرا أن تعود بنا إلى وجه المذيعة التي يبدو أنها بوغتت بسرعة العودة، فطالعَتنا وهي تقوم بما وُصف بأنّه «حركة غريبة»، حيث «عضّت على شفتيها، لتُتبعها بابتسامة، لتواصل بعدها استكمال النشرة»، وفقاً لما تمّ تداوله. في واقع الأمر، لا يحتاجُ المشاهدُ إلى كثير تدقيقٍ في المقطع، ليكتشف أن الكاميرا التقطت المذيعة أثناء إطلاقها شتيمةً من العيار الثقيل، وباللغة الإنكليزيّة: «Fuck»!. وتحاشياً لخدش الحياء العام، سنعتبر أنها تعني الترجمة التي دأبت على استخدامها القنواتُ «المحتشمة»: تبّاً.أيّاً تكن الترجمة الأدق، فالخلاصة أننا كُنّا أمام شتيمة. وعلى مبدأ «مادام العريس بيتجوز تبقى العروسة ح تتجوز»، يمكننا القول إنه «ما دامت هناك شتيمةٌ، فلا بُد من وجود شاتمٍ ومشتوم». أما الشاتم هنا فقد بات معلوماً، فماذا عن المشتوم؟. لا تقلق عزيزي المشاهد، فأنت لست المخصوص بالشتيمة حتماً، فأنت بالنسبة إلى الفضائيات الإخباريّة صيدٌ ثمين، ولن يجازف أحد من العاملين فيها بشتمك شتماً مباشراً، ربّما تم الأمر بوسائل أخرى، كأن يتمّ استغباؤك مثلاً، لكنك لن تسمع شتيمةٌ من عيار «تبّاً». وها قد عُدنا إلى «المربع الأوّل»، نحن بحاجة إلى معرفة المشتوم، وربّما احتجنا في سبيل ذلك إلى استدعاء محقق شهير من طراز شرلوك هولمز، أو المحقق كرومبو، أو حتى المحقق كونان. وريثما يصل أحدهم، لا بأس في محاولة «حصر الشبهات». سيقودنا الأمر ببداهة إلى واحدٍ من اثنين: المصوّر، أو المراسل. أما إذا كان المخصوص بالشتيمة هو المصوّر، فربّما أمكن اعتبار القضية برمّتها شأناً داخلياً يخص القناة، والعاملين فيها، لولا أن الهواء أقحمَنا وسط هذه المعمعة. لكن مهلاً، ثمّة رأي راجَ بين المعلّقين على المقطع ومتداوليه عبر مواقع التواصل، ومفادُه أن المقصود بالشتيمة كان المراسل السوري. واستدلّ أصحاب هذا الرأي على كلامهم بحوادث مشابهةٍ سابقة، لكنها للأمانة خاليةٌ من الشتائم عبر الهواء. حوادثَ خلاصتُها قيام مذيعي القناة المذكورة بمقاطعة بعض مراسليهم، خصوصاً السوريين بطريقة فظّة، وبتأفّفٍ وتبرّمٍ واضحين، بدافعٍ – ربّما – من قلّة حرفيّة هؤلاء المراسلين. لكنّ قلّة الحرفية هذه لم تمنع القناة من اعتمادهم، وليس المجال مفتوحاً هنا للتفتيش عن الأسباب، لكن الموضوع ليس بحاجة إلى أيّ من المحققين المذكورين أعلاه لتخمين عاملٍ هام، فما الذي يمنع من غض النظر عن الاحترافية ما دام هؤلاء المراسلون مستعدين لحمل دمهم على كفهم، وطالما أنّ الدم السوري بات أرخص بكثير من سواه؟. حسناً، من يستحقّ الشتيمة ها هنا؟ فلنفتش عن إجابة ريثما يصل كرومبو وشركاؤه ليكشفوا لنا في وجه من أطلقت المذيعة شتيمتَها؟.