ثمة من يقول إن من أصدر قانون الإيجار الجديد، لم يكن يمارس صفته "التشريعية" التي اكتسبها ليكون الراعي الاجتماعي لحقوق المواطنين. ذلك أن من فصل هذا القانون عن سلة مقترحات تعالج مسألة الإيجارات ضمن سياسة اسكانية واضحة، وشرّعه من دون مناقشة تداعياته الاجتماعية، كان يتعمّد "مسايرة" المستثمرين و"يدأب" على حفظ مصالح المضاربين العقاريين.
"كثيرا ما يجري الحديث عن أن هناك فئتين معنيتين فقط بقانون الإيجارات الجديد، والحقيقة أن هناك فئة ثالثة هي المستفيدة من هذا القانون، هي فئة المتعهدين". هذا ما يقوله المحامي نزار صاغية، لافتا الى أن الأمر لم يعد مقتصرا على المالكين القدامى او المستأجرين القدامى، "فالإشكالية تتعلّق بعلاقة المستأجر الجديد بالمالك الجديد". من هنا، كان الحديث عن ضرورة وجود سياسة اسكانية واضحة تنتهجها الدولة تضمن للمواطن "الحاجة المشروعة للسكن"، وذلك خلال الندوة التي نظمها معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية، أول من أمس، بعنوان "ضبط الإيجار وسياسات الإخلاء"، التي تأتي ضمن سلسلة من الندوات الرامية الى المطالبة بالعدالة الاجتماعية.
وفيما يلفت صاغية الى أن صياغة القوانين والسياسات تستلزم نقاشا قانونيا حول معايير التوازن الواجب اعتمادها في ما يخص الفئات المعنية بالقانون، يشير الى أن "هذا النقاش لم يحصل عند إقرار قانون الإيجار". المفارقة تكمن في "سلوك" المشرعين الذين فصلوا هذا القانون عن جملة من السياسات المقترحة التي تأتي ضمن سياسة اسكان شاملة، وفيما يؤكد صاغية أن الفلسفة والسياسة الإسكانية الحالية تختلف عن تلك التي تعود الى عام 1944، "بخلاف ما يجري تداوله"، تشير الباحثة المدينية نادين بكداش
هناك الكثير من القوانين التي صيغت بعد الحرب الأهلية منحت القطاع الخاص سيطرة على شكل نمو المدينة، ومنحته دورا "ليبدو كأنه قادر على تأمين الحاجة للسكن". تضيف بكداش انه "أُضفيت الشرعية على هذه العملية عبر الاعتداء المتكرر على مفهوم سيادة الدولة، والتشكيك في مسؤولياتها وإنكار دورها كمؤمنة للخدمات وحتى الاحتفاء بضعفها في بعض الأحيان".
هذه الدولة، هي نفسها التي فتحت "شهية" المستثمرين والمضاربين العقاريين عبر قوانين البناء وعبر الصيغ التي "تستجدي" الاستثمارات. والمفارقة تكمن في أن "الإخلاء التدريجي للمستأجرين القدامى - وهم بمعظمهم ينتمون للطبقتين العاملة والمتوسطة - لم يجرِ عبر تعديلات قانونية، بل من خلال تغيير موازين القوى القائمة"، وفق ما تقول بكداش، لافتة الى أن مفهوم الدولة الضعيفة أدى دورا كبيراً في نزع الطابع السياسي عن ممارسات الدولة، مما دفع بصراعات المواطنين اليومية إلى خارج الإطار السياسي، مضيفة "إن الطبقة الحاكمة اكتسبت القدرة على تسخير الأطر القانونية وغير القانونية بهدف إجبار المستأجرين على التخلي عن المساحات التي لطالما عاشوا فيها".
لم يتمحور نقاش الندوة حول أحقية المالك في استرداد حقه "المسلوب"، بل على العكس، جرى الحديث عن ضرورة إعطاء تعويضات عادلة للمالكين "بعد إجراء إحصاء دقيق وشامل حول المالكين وثرواتهم وحقهم في التعويضات"، وفق ما يقول الأستاذ المساعد في الجامعة الأميركية جاد شعبان، مشيرا الى الانعكاسات الاجتماعية الخطيرة التي يسببها قانون الإيجارات الجديد، وخصوصا ما يتعلّق بمبدأ تحرير الإيجارات، يلفت الى انه ما من سوق عقاري سليم في لبنان، وبالتالي "فإن الحديث عن أن تحرير العقارات من شأنه أن يحفّز عاملي الطلب والعرض غير صحيح". ويوضح أن استخدام حجة ارتفاع كلفة العقارات كذريعة لتحرير الإيجارات ليس منطقيا ، ذلك أن "ارتفاع العقارات ليس ناجما الا عن غياب سياسات الضرائب العقارية وانتشار الاحتكارات، وبالتالي فإن الحل يكمن في اعتماد سياسات متكاملة تراعي حقوق المواطنين وحاجاتهم".