تيودورو السّقاترجمة أحمد يماني

تيودورو السقا شاعر وفنان تشكيلي تشيلي، تعود أصول عائلته إلى فلسطين. ولد في سانتياغو دي تشيلي عام 1958. أصدر العديد من المجموعات الشعرية، نذكر من بينها: «تعلُّم الموت» و«ريح دون ذاكرة». ديوانه الأخير «عبور البرق» صدر في مدريد أواخر العام الماضي. يستجيب عمل السقا لرؤية وبحث إبداعي متواصل حول الواقع، سواء في قصائده أو في أعماله البصرية.

عمله يلخص حساسيةً ما لوقائع تاريخية وأمكنة يقدمها بصورة حادة من خلال كسر القوالب التي تسعى إلى الكمال في القصيدة.
يقول الشاعر الإسباني الكبير أنخل جيندا عن تجربة السقا في مقدمة كتبها خصيصاً لديوان «عبور البرق»: «نحن أمام واحد من أكثر الأصوات الشعرية في أميركا اللاتينية كثافة وكشفاً بين القرنين العشرين والحادي والعشرين»

عبور البرق

نتنفس فقط للحظة
في الاعوجاج البهيج للحياة.
عبور في الخط الحلزوني، تنهد في الرسوخ،
شعاع ضعيف أو طرفة عين ليعسوب، برق عابر.
من الطفولة إلى ثلج الجسد الفارغ،
بلا هواء، الدخول إلى ظلمة القبر.
كنا في العظمة اللجوجة،
في حرب كتفا بكتف مع اللغز،
نتقدم نحو الليل بالخيط المرتعش،
الذي على وشك أن ينقطع أمام الجدار الشاهق للوجود.

ندخر في فترينات مضاءة

عظاما صامتة. عظمة ظنبوب من العصر الحجري القديم،
شظية من الستونهنج،
يد إنسان النياندرتال.
أهرامات مصر المصنوعة من العظام،
تلمع مثل العاج في أور كلدان ونينوى.
آه! لو تكلمت تلك العظام الجليلة،
الملخص التام لتاريخ أسلاف الإنسان.
عبور غير منجز لفقرات غير مبررة.
كالأحجار الكريمة التي نأخذها من القواقع،
عظام المسينيين والسلكناميين تلك،
رجال سكارى يصيدون في الضباب.
معرض لعظام الكرومانيون،
نفحص عظمة فخذ قرد الجنوب الإفريقي،
نزن عظمة عضد باييخية1
نرفع جمجمة الإنسان العاقل الاول،
أين سيكون عقله، الخلية العصبية الأخيرة والذكرى؟
كل تلك العظام المكسورة هي أجدادنا،
أسلاف الإنسانية، نسب الرئيسيات.
عظام قد اكتست لحما وأوتارا،
مرت مبتهجة بألسنتها وأعينها.
كنّا نحن هذه العظام المكسورة في حيوات أخرى،
ربما نكون نحن أنفسنا في الميتات المتعاقبة.
عود أبدي لجميع الأصوات والبصمات والأيدي.
ليجد العواء في الرماد عظامه الضائعة.

ربّات القدر

أعتقد أن اليوم هو يوم موتي.
العباءة السوداء والمنجل
يلوحان في الأفق.
ربات القدر سيقطعن الخيط
الذي يربط الحياة الرهيفة بالغموض.
أعتقد أن اليوم هو ذلك اليوم
حينما أكتب قصيدتي الأخيرة هذه.
لكنني لن أهرب
من إبليس المخيف
في جنائزه وصفصافه،
من التحالفات الجهنمية في كورال كيمادو
لن يفزعني وجهه الكبريتي الحاد
طوال استدعاء أرواح الموتى،
لن أتفادى الصورة الإبليسية لإنجيل الشيطان،
مبحث الشياطين المظلم لحفلات الساحرات.
على العكس سوف أبقى بطلا في انتظاره.
لن أغلق الأبواب،
ولن أسأل المشورة
في العشية القاتمة
لحفلة الديدان.
لن أدعني أغوص في الأرض
ولن أسمح بارتداء الكفن الشاحب.
بحق كل الأحياء الذين سرقهم مني
سوف أظل هنا
كي أسلخ الموت،
سوف أنزع عينيه وأترك أحشاءه معلقة.
سوف أحطم كل عظمة من عظامه الملعونة
حتى أطحنها كطباشير ملقى بغضب في الريح.
الموت يمشي في هذه الأنحاء، لقد رأيته.

فلسطين

فردوس ألفي هي فلسطين
احتياط روحي للعالم.
مسحورة بأحلام العود
يعزف في الحقول، في البيوت،
في الشوارع المتعرجة الدائفة،
في المعابد العابقة بالبخور.
فلسطين
سيف الأزمان الأسطوري
فجأة تكتسين بأردية التراجيديا الحزينة
تقطرين دما جراء شرفك المدنس.
فلسطين
فلسطين
فلسطين
سيكون اسمك
متضاعفا أبدا
مدويا في السماء
حتى يصبح أكبر خطرا
من الرصاص
على جلاديك.
حتى يكون أكثر حلاوة من التمر
لنا نحن الذين نحملك في قلوبنا.