تأبى القوى السياسية أن تتخلى عن مسار «نهب» حقوق المواطنين. لا تكتفي بجرم «إطاحة» رواتب العسكر والموظفين والمعلمين والمتعاقدين المحتاجين، بل تذهب الى «وقاحة» التفريط في أملاكهم العامة البحرية وشرعنة اغتصاب حقهم العام، عبر حماية «المعتدين» (الذين هم بغالبيتهم من «زبائن» هذه القوى).
تجري محاولة جدية لـ»قوننة المخالفات الحاصلة على الشواطئ البحرية قبل عام 1994»، ما يعني «العفو» عن معظم التعدّيات القائمة. وتمعن هذه التسوية «الفضيحة» في تطويع القوانين وتفصيلها وفق مصالح المضاربين العقاريين والمستثمرين، على حساب المصلحة العامة.
من هنا كان المؤتمر الذي دعت اليه جمعية «الخط الأخضر» بالتعاون مع «الحملة الأهلية للحفاظ على دالية الروشة»، الذي حمل عنوان «حيتان المال تبتلع رئة بيروت من الدالية حتى الرملة البيضا». ركّز المؤتمر على ضرورة فرض الغرامات على احتلال الأملاك البحرية، إذ ليس خافياً على النواب حجم «الإيرادات» التي يمكن الاستفادة منها، والتي تفوق 500 مليون دولار سنوياً، خصوصاً إذا ما تناسبت الغرامات والبدلات مع قيمة الأراضي في تلك المناطق (مقدّرة بين 10 آلاف و20 ألف دولار للمتر المربع). إلا أنهم أصرّوا على أن يشرعوا قوانين «توفّر» عليهم.
يلفت رئيس «الخط الأخضر» علي درويش الى أن المستثمرين إن دفعوا، فإنهم «يدفعون عشرة آلاف ليرة للمتر المربّع كحد أقصى!»، لافتاً الى أن «ثمة خرائط تظهر أن الأملاك العامة البحرية على الشاطئ الممتد من جنوب دالية الروشة الى آخر الرملة البيضا تساوي أكثر من 50% من المساحة الكلية، الأمر الذي يدحض النسب التي تسوّق إعلامياً من قبل بعض المسؤولين أن هذه الشواطئ هي أملاك خاصة».
هذا «التبخيس» بالحق العام يتعدى مسألة التخلي عن موارد الخزينة ويشمل «الاستهتار» بحق المواطن في التمتع بمساحة عامة مجانية عبر «تدليل» المستثمر وتشجيعه على حجب هذا الملك العام عن أصحابه. وهو ما يبرز جلياً في دالية - الروشة، ويكاد يحصل في الرملة البيضا. تلفت الناشطة في «الحملة الأهلية للدفاع عن دالية الروشة» عبير سقسوق الى أنه تم التلاعب بعقارات الدالية لتشمل أملاكاً عمومية، «هناك عقارات تصل حدودها الى ما بعد الصخور التي تغمرها الأمواج».
وحدهم «المؤتمنون» على السلطة يتحمّلون مسؤولية ما آلت اليه شرعنة الاستثمار في تلك المنطقة، من سياج «يبضَع» الهواء النافذ من الواجهة البحرية الوحيدة في بيروت، ومن الحاجزالذي يوحي للمواطنين بأنهم محرومون من الولوج الحر الى شاطئهم!
هذه التشريعات، هي نفسها التي لا تزال تفتح «شهية» المستثمرين. فشركة «دريم بيتش» مثلا (المملوكة من آل فتال) هي بصدد القيام بمشروع يستولي على أكثر من 20 ألف متر مربع!»، وفق ما يلفت درويش. كذلك فندق الموفمبيك، يستثمر أكثر من ثمانية آلاف متر من الأملاك العامة «زيادة على التراخيص المعطاة له!»، علماً بأن تشييد الفندق المذكور استلزم إصدار مرسوم استثنائي (196)، إذ إنه لم يخضع لاستطلاع المجلس الأعلى للتنظيم المدني وبلدية بيروت ومجلس شورى الدولة. وهو ما يشكّل «ثغرة» ستعمل عليها «الحملة الاهلية» من أجل البدء بالضغط في سبيل استرداد الحق العام، لذلك عمدت الى الطعن في هذا المرسوم لدى مجلس شورى الدولة الأسبوع الماضي، «وهي خطوة أولية يمكن البناء عليها في معركة طويلة»، حسب ما تضيف سقسوق. مؤكدة «أن مساحة الأملاك العمومية البحرية في الدالية تساوي حوالى نصف المساحة الإجمالية لكامل هذا الموقع».