تحدثت مصادر شمالية لـ«الأخبار» عن اتصالات ومساع تبذل لتوفير غطاء سياسي يتيح القيام بعملية عسكرية ــــ أمنية لاعتقال مجموعات مسلّحة في طرابلس بدأ دورها يشهد انتفاخاً في الآونة الأخيرة. وأشارت في هذا السياق الى المجموعة التي تعمل بإمرة أسامة منصور وشادي المولوي التي أقامت مربعاً أمنياً في منطقة باب التبانة.
يجري ذلك في ظل ابتعاد قيادات إسلامية بارزة عن المدينة؛ أبرزها الشيخ سالم الرافعي الذي غادر الى تركيا مع عائلته. وعزا مقربون منه الأمر الى كونه يواجه ضغوطاً نفسية ناجمة عن إصابته في عرسال وعن الشلل الذي أصاب أحد الذين رافقوه، ووفاة ابنه الصغير جراء مرض وعدم تمكنه من عيادته في أحد مستشفيات ألمانيا. كما يشير هؤلاء الى أن الرافعي شعر بأن جهوده غير مقدرة تماماً عند الرسميين والسياسيين الذين كانوا يطلبون منه التدخل في كثير من الأماكن، لكنهم رفضوا طلباته المتكررة بنقل مكان احتجاز الموقوف الشيخ حسام الصباغ من نظارة ثكنة الحلو الى سجن آخر.
يأتي ذلك، فيما لقي خطاب وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي حمل فيه على تنظيم «داعش»، في حفل تكريم له في بيروت أول من أمس، صدى وتفاعلاًً في عاصمة الشمال. إذ إنه جاء متناقضاً مع مقاربة زميله، الوزير أشرف ريفي، لهذا الملف الذي بات محل نقاش كبير داخل تيار المستقبل بسبب النفوذ المتزايد لأنصار «داعش» في المدينة وجوارها.
وقد أحدث كلام المشنوق العالي النبرة بلبلة في طرابلس، ينتظر لها أن تتبلور أكثر في الأيام المقبلة، بعدما انتقد بحدّة «الأعلام السوداء» التي ترفع في غير منطقة لبنانية، مشيراً الى أن «هذا العلم لا قيمة له عندما يستعمل لذبح عسكري تحت رايته»، في ما فهم على أنه غمز من قناة ريفي الذي طلب من النيابة العامة ملاحقة شبان أحرقوا هذا العلم في منطقة الأشرفية قبل أسابيع.
ولاحظت مصادر شمالية أن موقف المشنوق «جاء بعد زيارته لباريس ولقائه رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري». وأشارت إلى وجود تباين بين المشنوق وريفي، انعكس بلبلة داخل التيار الأزرق في طرابلس. إذ بينما أكد مصدر في تيار المستقبل لـ«الأخبار» أن «موقفنا في التيار لا يختلف أو يتناقض أبداً مع موقف المشنوق»، لافتاً إلى «مواقف عدة للحريري في هذا الصدد، منها كلامه خلال الإفطار الرمضاني حول ضرورة محاربة الإرهاب» (ذكر ذلك في خطابه يومها 20 مرة)، فإنه لم يلمس اختلافاً عن موقف ريفي، الذي «كان يحاول منع قيام فتنة» بعد حادثة الأشرفية، حسب المصدر المستقبلي.
غير أن هذا الكلام الدبلوماسي في بعض وجوهه حيال الموقف من موقف المشنوق، تقرأه مصادر سلفية بلا قفازات. إذ رأى مصدر سلفي لـ«الأخبار» أن كلام المشنوق هو «إعطاء غطاء سياسي للأجهزة الأمنية من أجل نزع رايات «داعش» وبهدف الاستمرار في محاربة التنظيمات الجهادية، وأن موقفه يمثل ضوءاً أخضراً بهذا الخصوص».
الرافعي شعر بأن جهوده
غير مقدرة عند السياسيين الذين كانوا يطلبون مساعدته

ابراهيم: إذا كان الاهالي اختاروا تنفيذ شروط الخاطفين فهذه كارثة

في موازاة ذلك، رأى مصدر إسلامي وسطي أن كلام المشنوق «سيجد قبولاًً من الآخر في الشارع السّني المعارض لتيار المستقبل ولدى بقية الطوائف اللبنانية الأخرى، كونه يصدر عن تيار المستقبل مباشرة، ما يعني رفع الغطاء السياسي عن كل التنظيمات الإسلامية المتشددة».
سجال المشنوق والعونيين
على صعيد آخر، وبعد رد المشنوق على موقف وزير الخارجية جبران باسيل الرافض إقامة مخيمات للنازحين السوريين، رد وزير التربية والتعليم العالي الياس بوصعب على المشنوق، مذكّراً «بقرار مجلس الوزراء القاضي برفض إقامة مخيمات على الأراضي اللبنانية خشية أن تصبح هذه المخيمات بؤراً أمنيةً خارجة عن سيادة الدولة وسلطتها، كما هي الحال مع المخيمات الفلسطينية». وقال بوصعب «إن الأولوية التي أعطاها وزير الداخلية للأمن والتي نتشارك وإياه فيها، كان يجب أن تنطلق من سجن رومية، حيث تدار العمليات التي تؤثر على الأمن والاستقرار في لبنان، ومنها ما حصل في عرسال». وأضاف إن المشنوق لم يستطع «فرض سلطة الدولة على جميع المؤسسات، ومنها سجن رومية، وهذا ما يجعلنا نشكك في قدرة الدولة على فرض سلطتها على مثل هذه المخيمات التي ينادي بها وزير الداخلية». واستغرب بوصعب «توقيت هذا الكلام مع تقديم المعارضة السورية شكوى ضد الجيش اللبناني تطالب وبوقاحة بإدانة الجيش على تطبيقه الأمن في لبنان»، مشيراً الى أنه «لا يستطيع أحد إقامة مخيمات في الداخل اللبناني من دون موافقة جميع الأفرقاء في الحكومة».
من جهته، أوضح وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس أن «هناك أراضي في سفح سلسلة الجبال الشرقية بعيدة عن المناطق العمرانية يمكن أن ننشىء فيها مراكز تجمع أو مراكز استقبال بواسطة البيوت الجاهزة التركيب وتكون خاضعة للرقابة الأمنية للدولة اللبنانية في سهل عكار بعيداً عن المناطق العمرانية». وكرر درباس موقفه «غير الممانع» التعاون مع الحكومة السورية، إذ قال: «لا نمانع التعاون مع أي جهة إذا كان لديها برنامج لاستعادة السوريين، بما فيها الحكومة السورية، وأنا جاهز لتأمين سلاسة الانتقال السوري لمن يرغب. أما التنسيق السياسي، فليس من شأني وهو من شأن الحكومة ولديها موقف ثابت وهو النأي بالنفس والابتعاد عن الصراع الداخلي السوري».
النصرة: الحكومة تكذب
وفي ملف العسكريين والدركيين المخطوفين، وبعدما ظهرت إشارات إيجابية، رأى وزير الصحة وائل أبوفاعور أنها «كافية بالنسبة إلى الأهالي كي يعودوا عن قرارهم بإغلاق الطرقات»، أصدرت «جبهة النصرة» بياناً توجهت فيه إلى أهالي العسكريين بالقول: «حكومتكم تكذب عليكم، فقد أعلنا سابقاً إيقاف المفاوضات حتى يتم إصلاح أمور عرسال بشكل كامل، فلا يوجد أي تقدم بالمفاوضات، واليوم هم يراهنون على جرنا إلى فخ آخر وهو زيادة الضغط على النازحين ليجبرونا على الرد بإعدام أبنائكم». وقالت «النصرة» في بيانها إنها تبلغت «بتسليم الأمن العام اللبناني 10 نازحين للنظام السوري»، محذرة من أن «هذه الصفقة ستكون لها انعكاساتها على الأمن العام ومديره».
في المقابل، نفت المديرية العامة للأمن العام الشائعات التي تحدّثت عن قيام المديرية العامة للأمن العام بترحيل عدد من الرعايا السوريين عبر الحدود اللبنانية ـــ السورية. ووضعت هذه الأخبار في سياق الحملة التي تستهدف الدولة اللبنانية ومؤسساتها العسكرية والأمنية. كذلك نفت المديرية كل ما أشيع عن استهداف موكب المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم في طرابلس. وكان ابراهيم قد انتقد إقفال الطرقات من قبل أهالي العسكريين، قائلاً: «إذا كان الأهالي اختاروا تنفيذ شروط الخاطفين فهذه كارثة»، مؤكداً أن «هناك باب ضوء في ملف العسكريين». وأكد أن «الملف يسير على الطريق الصحيح ولا نريد إرباكاً من خلال التحركات».