بات من الصعب، إن لم يكن مستحيلاً، العثور على الكلمات التي تليق بأداء السلطة تجاه ما يجري في عرسال المحتلة وجرودها. شهداء الجيش يتساقطون الواحد تلو الآخر؛ يُخطفون من مراكزهم، او من داخل عرسال؛ يُذبحون وتفجر بهم العبوات الناسفة؛ تنظيما «جبهة النصرة» و«داعش» يحكمان البلدة وجرودها ويطبقان فيها شريعتهما؛ كل ذلك في مقابل سلطة عاجزة ومستسلمة. في أبسط مظاهر هذا العجز، ان الجيش اللبناني كان ممنوعاً عليه حتى ليل امس دهم منازل الذين شاركوا في قتاله مطلع آب الماضي.
عمليات الدهم التي نفذت امس إنما حصلت على خلفية التفجير الذي استهدف أمس شاحنة للجيش داخل البلدة، وأدى إلى استشهاد جنديين وجرح 4 آخرين. قبل ذلك، السلطة السياسية كانت تكبّل الجيش، وتحول بينه وبين من قتلوا عسكرييه، الذين يعيش جزء منهم داخل عرسال. اما الجرود، فمتروكة أيضاً: سلطة التفاهة لم تستطع بعد تقديم ما يسمح للجيش بتنفيذ عملية عسكرية ذات فعالية في تلك المنطقة. فلا هو قادر على شن هجوم لتحرير العسكريين، ولا باستطاعته منع «داعش» و«النصرة» من حكم الجرود. يقول عسكريون إن شن حملة واسعة في الجرود بحاجة إلى استعدادات وإمكانات غير متوافرة. يضيف آخرون ان السلطة السياسية لا تؤمن أي غطاء جدي لتنفيذ عملية كهذه يستحيل شنها من دون تنسيق بين الجيشين السوري واللبناني. وهذا التنسيق دونه خط احمر سياسي رسمه تيار المستقبل ورعاته الإقليميون. وبدل ان يضع الجيش الخاطفين تحت الضغط، يستخدم الإرهابيون جنود الجيش المخطوفين للضغط على المؤسسة العسكرية. فبعد قتل العسكريين بعبوة ناسفة، خرجت جبهة النصرة تتوعد بتصفية جنود مخطوفين، بذريعة الانتقام لمن دهم الجيش منازلهم امس!
فقد وردت معلومات من أكثر من مصدر في «جبهة النصرة» تؤكد تصفية العسكري محمد حمية رمياً بالرصاص. معظم المواقع التي تدور في فلك «النصرة» تناقلت الخبر على أنه بات حقيقة. وحده حساب «جبهة النصرة» على موقع التويتر لم يعلن الخبر صراحة. وحتى ساعة متأخرة من ليل أمس، كان يكتفي فقط بالتلميح إلى قتل حمية من دون أن يتبناه صراحة.
والد الجندي سيحمل مسؤولية حياة ابنه لـ«أبو طاقية» والأخير ينفي علمه بمصير المخطوف
وضمن سياق الحرب النفسية التي يخوضها، انتقل إلى خطوته التالية. «من سيدفع الثمن الثاني» مع هاشتاغ «الجيش اللبناني يقتل عناصره»، عبارات كانت كفيلة بالإيحاء بأن حمية قد استشهد، وأن الخطوة الثانية تصفية عسكري آخر، لكن لا شيء مؤكدا. في الضفة المقابلة، كانت عائلة العسكري المخطوف تتمسك بحبال الأمل. علي حمية، والد العسكري المهدد بالقتل، صرّح بأنه تلقى تطمينات من فعاليات في عرسال، بحسب تعبيره، تفيد بأنّ ابنه «لا يزال على قيد الحياة، وهو في صحة جيدة». وتحدثت المعلومات عن أن والد محمد حمية تلقى وعداً بأنه سيحصل على معلومات دقيقة عن ابنه صباح اليوم، علماً بأنه سيعقد مؤتمراً صحافياً يحمّل فيه مسؤولية ما يلحق بابنه للشيخ العرسالي مصطفى الحجيري (أبو طاقية). والأخير، سألته «الأخبار» عما إذا كانت «جبهة النصرة» قد قتلت العسكري ام لا، فرد بالقول بأنه لا يعلم.
الشائعات التي جرى تداولها عن قتل حمية سبقها اعتداء العبوة الناسفة، الذي أضاف إلى لائحة الشرف اسمي الشهيدين الجنديين محمد ضاهر ابن بلدة عيدمون العكارية، وعلي الخراط ابن مدينة صيدا، وأربعة عسكريين أصيبوا بجروح مختلفة. هذه المرة جاء الاعتداء على شكل عبوة ناسفة، زرعت عند طرف طريق يربط أحد أحياء بلدة عرسال بمحلة وادي حميد. وأكدت مصادر عسكرية أن العبوة الناسفة التي زرعت عند طرف الطريق استهدفت آلية عسكرية كبيرة للجيش اللبناني، من نوع "ريّو" كان على متنها سبعة عسكريين، ينقلون عدداً من "فرش النوم العسكرية" إلى احد المواقع العسكرية في محلة وادي حميد ـ المصيدة، انفجرت لدى وصول الآلية إليها، وقد أدت إلى استشهاد عسكريين وإصابة أربعة بجروح، حالة أحدهم "خطرة جداً"، وتضرر الآلية العسكرية بشظايا العبوة الناسفة.
عدد من أبناء بلدة عرسال وفور سماعهم دوي الانفجار عمدوا إلى نقل شهيدي الجيش وجرحاه إلى مستشفى الرحمة الميداني، لينقلوا لاحقاً بسيارات الصليب الأحمر اللبناني إلى مستشفيات يونيفرسال في رأس بعلبك ودار الحكمة ودار الأمل الجامعي في بعلبك.
الجيش استقدم تعزيزات وفرض طوقاً أمنياً مشدداً في مكان الانفجار، مانعاً أحداً من الاقتراب، فيما نفذت وحدات من الجيش انتشاراً واستنفارا واسعاً في جميع مواقعه في محيط بلدة عرسال، وفي مواقعه الأمامية المتقدمة في الحصن والمصيدة ووادي عطا وعقبة الجرد، كما نفذت قوة من فوج المجوقل عملية دهم لعدد من المنازل القريبة والمطلة على مكان الانفجار، بعدما تبين أن العبوة فجّرت عن بعد، وسط ترجيحات باستعمال "جهاز لاسلكي" لتفجيرها، كما تحدثت مصادر أمنية. الخبير العسكري حضر إلى مكان التفجير، وكشف على الحفرة الصغيرة التي خلفتها العبوة الناسفة، التي زرعت على مسافة تزيد على متر ونصف متر من الطريق بالقرب من "محطة محروقات السلام". وأوضحت مصادر امنية أن العبوة جرى تفجيرها عن بعد ويرجح أن ذلك "جرى بواسطة جهاز لاسلكي، أو هاتف كما درجت العادة لدى المسلحين في استعمالهم للهواتف في تفجير العبوات المزروعة عند أطراف الطرقات، ومنها العبوتان اللتان زرعتا عند مدخل مدينة الهرمل، واستهدفتا آلية عسكرية للجيش اللبناني".
الطائرات الحربية السورية نفذت غارات على جرود السلسلة الشرقية المطلة على عرسال، فيما استهدفت مدفعية الجيش السوري تجمعات المسلحين في جرود فليطا ورأس المعرة، كما واستهدف الجيش اللبناني بقذائف المدفعية تحركات لمسلحين في جرود بلدة عرسال، وسط حالة استنفار واسعة استمرت حتى منتصف ليل أمس. وتجدر الإشارة إلى أن الجيش تمكن صباحاً في محلة المصيدة من توقيف كل من العرسالي بسام يوسف الحجيري، وبرفقته السوريان أحمد سمير حين، وفادي عمار الحلبي، ليعترف السوريان بأنهما ينتميان إلى تنظيم إرهابي.
وغير بعيد عن محلة وادي حميد في عرسال، فقد تابعت المجموعات المسلحة عمليات السطو على أبناء بلدة عرسال، وآخرهم المدعو خالد الحجيري صاحب محل تجاري لبيع الدخان، حيث أقدمت مجموعة "أبو حسن الفلسطيني" الذي قتل إبان "غزوة عرسال"، على سلب الحجيري كل محتويات محله، من الدخان والتبغ، "لأنها حرام شرعا ً"، كما قال للحجيري أحد المسلحين، واستودعه بكلمة "سامحنا".