لن تغضب دولة الذل. مَن شَرب ــ بهدوء ــ عارَ اختطاف نحو 40 جندياً ودركياً قبل أسابيع، «لن يغصّ» باختطاف جندي إضافي. والسلطة الصامتة عن احتلال جزء من أراضي الوطن، من قبل منظمات إرهابية، لن تحرك ساكناً إزاء تطبيق هذه المنظمات لقوانينها في تلك الأراضي المحتلة. صاغرة، تكتمت السلطة على «حكمين» بالإعدام والصلب أصدرتهما ونفذتهما «جبهة النصرة» في جرود عرسال يوم 5 أيلول، بحق المواطن اللبناني كايد غدادة (من عرسال) والشاب السوري محمد عبده عجاج. وصاغرة أيضاً، ستلوذ بالصمت حيال خطف التنظيم الإرهابي نفسه عسكرياً من جرود بلدته عرسال أمس. قيادة الجيش اكتفت بإصدار بيان مقتضب قالت فيه: «بتاريخه، حوالي الساعة 14,40، أقدمت عناصر مسلحة على خطف المعاون أول في الجيش كمال الحجيري، واقتادته إلى جهة مجهولة، وذلك أثناء زيارته مزرعة عائدة لوالده في خراج بلدة عرسال».
انضم الحجيري إلى رفاقه الجنود المخطوفين منذ الثاني من آب. فيما السلطة لا تزال تخفي «أوراق القوة» التي تحدّث عنها رئيس الحكومة تمام سلام قبل نحو أسبوعين. أوراق القوة المُخفاة هذه لا يبدو أنها تخيف التنظيمات المحتلة لجرود عرسال، والدليل على ذلك استمرارها في تطبيق «شريعتها» في الأرض التي تحتلها. وفيما خطفت «النصرة» جندياً أمس، كان تنظيم «داعش» يصدر بياناً يهدد فيه بذبح جندي مخطوف خلال 24 ساعة، «بسبب المماطلة في المفاوضات»، على حد ما نقلت وسائل إعلام تابعة للمعارضة السورية. وماذا ستفعل السلطة؟ لا شيء إلا العجز. حتى التهديد الكلامي للخاطفين سُحِب من التداول. وباتت السلطة تصوّر التلويح بعمل عسكري جدّي في الجرود ضرباً من ضروب الخيال. خضوع السلطة للإرهابيين جعلها أسيرتهم. الدولة التي عقدت تسوية مذلّة يوم انسحاب الإرهابيين من عرسال وهم يصوّبون فوهات بنادقهم نحو عشرات الجنود والدركيين المخطوفين، هي ذاتها التي لا تدع للبنانيين مجالاً لنسيان عار إلا أدخلتهم في ما هو أكثر إذلالاً.
إجراءات الجيش الرامية إلى الفصل بين عرسال وجرودها أزعجت الإرهابيين، لكن المساحة الشاسعة التي يحتلونها لا تزال تحول دون خنقهم والضغط عليهم. رغم ذلك، تتوقع مصادر وزارية أن تشهد عرسال معركة جديدة، بسبب التوتر الذي تعيشه المنطقة. وتؤكد المصادر ذاتها أن «عملية التفاوض مع الخاطفين مستمرة، ولم تحدث أي مماطلة. لكن يبدو أن الخاطفين يتوقعون أن ننفذ مطالبهم فور تسلمنا لها».
عملية خطف الجندي أمس نفذها مسلحون يستقلون سيارتين رباعيتي الدفع، هاجموا مزرعة قرب مدينة الملاهي في وادي حميد، وخارج دائرة انتشار الجيش، واختطفوا الحجيري، وساقوه إلى الجرود. الخاطفون سرقوا أيضاً عدداً من رؤوس الماشية، في وقت أوضحت فيه مصادر أمنية أن الحجيري اعتاد الانتقال إلى المزرعة التي يوجد فيها أهله، بعد حاجز وادي حميد، وأن المسلحين تمكنوا من المباغتة وخطفه بسرعة، وسط انتشار كثيف لهم في الجرود المطلة على المحلة. وفي الوقت الذي لم تعرف فيه الأسباب الفعلية لاختطاف الحجيري، رجح أحد أبناء عرسال أن تكون عملية الخطف قد حصلت لأن "الحجيري ابن المؤسسة العسكرية". العرسالي نفسه رجّح من جهة ثانية، أن تكون عملية الخطف مرتبطة بقريبه أحمد الحجيري المعروف بـ«أحمد هدية» الذي خطفه المسلحون قبل نحو أسبوع، ثم أطلقوا سراحه صباح أول من أمس.
ميدانياً أيضاً، أعلن الجيش أن «حشداً من الأشخاص أقدم صباح أمس على التجمهر بالقرب من حاجز للجيش في محلة وادي الحصن - عرسال، والتهجم على عناصره ومحاولة الاعتداء عليهم. وقد ردّ العناصر بإطلاق النار لتفريقهم، ما أدى إلى إصابة المواطن خالد أحمد الحجيري بجروح، وقد أُوقف خمسة من المعتدين». كذلك أشارت مصادر أمنية إلى إصابة محمد أحمد الحجيري بجرح طفيف في قدمه، علماً بأنه «مطلوب بمذكرات توقيف».
ومن ضمن إجراءات الجيش في محيط عرسال، منعت القوى العسكرية المنتشرة في المنطقة نقل كميات كبيرة من المحروقات إلى الجرود، بهدف الحد من إفادة المسلحين منها في تشغيل سياراتهم والمولدات الكهربائية، فضلاً عن الآليات التي يستخدمونها بعد سرقتها من كسارات ومقالع في عرسال. قرار منع نقل المحروقات اعترض عليه أصحاب المقالع ومناشر الصخر في عرسال، لكونهم يعتمدون على المحروقات بشكل رئيسي لتشغيل آلياتهم ومولداتهم الكهربائية، وقد عبّروا عن احتجاجهم على ذلك أمس بقطع طريق البلدة بالقرب من المستوصف عند مدخل البلدة الغربي في رأس السرج، مطالبين بالعودة عن القرار، لما في ذلك من ضرر يؤدي إلى "قطع مصادر رزقهم ". وعلمت "الأخبار" أن اجتماعاً جمع عدداً من أصحاب المقالع ومناشر الصخر وأحد المسؤولين العسكريين في اللواء الثامن، جرى التشديد فيه على "ضرورة تنظيم كميات المحروقات التي ستنقل إلى الجرود"، باعتماد لوائح اسمية لأصحاب الكسارات والمقالع ومناشر الصخر، والكميات التي سيتسلمونها، وذلك "من أجل ضمان عدم وصول أي كميات من المحروقات إلى المسلحين في الجرود". وتجدر الإشارة إلى أن المسلحين المنتشرين في جرود عرسال، أقدموا منذ أسبوع تقريباً، على سرقة جرافات وآليات ومعدات ومحتويات 4 كسارات في وادي حميد، فضلاً عن سرقات سابقة لكسارات في جرود رأس بعلبك، يستعملونها لإقامة تحصينات وشق طرقات في جرود السلسلة الشرقية. والحؤول دون وصول المحروقات إليهم يعني "تعطيل قدرتهم على استعمال تلك الآليات وحتى السيارات التي يتحركون فيها" بحسب مصادر أمنية.