قبل مدة قصيرة، دخل سائق التاكسي و. ب. إلى مركز الضمان الاجتماعي في طرابلس، آملاً أن يقبض فاتورة دواء قدّمها منذ سنة تقريباً، ولكن الحظ لم يحالفه. أخبره موظف الصندوق أن أوان القبض لم يحن بعد. راجع المضمون المسؤول في الصندوق، قال له: «أريد أن أشتري أدوية لي ولزوجتي بشكل ملحّ، عدا عن أني لا أملك مالاً كافياً لشراء أدوية جديدة»، لكن المسؤول في الصندوق رفض توقيع المعاملة، وطرده من مكتبه، بعدما حاججه المضمون أن العمل في مراكز الضمان الأخرى غير طرابلس تدار بشكل أفضل، وتنجز المعاملات بوقت اقصر.
كان يمكن للسائق المذكور ان يلجأ كغيره إلى «الواسطة» لتدبير أمره، أو ان ينقل بطاقته كالكثيرين إلى مركز آخر غير مركز طرابلس، الا انه قام بما هو ابلغ من ذلك بكثير، واكثر انسجاماً مع طبيعة النظام القائم: اصطحب مجموعة من المسلحين، اقتحموا مكتب المسؤول في الضمان الذي سارع الى وضع ختمه وتوقيعه على المعاملة تحت تهديد السلاح!
هذه الحالة تشرح واقع مركز الضمان في طرابلس، الذي بات موضع شكوى عارمة من المنتسبين إليه، إلى حدّ أنه بات يشهد في السنوات الأخيرة اعتصامات متكررة أمامه، من دون أن تعالج المشاكل فيه أو يجرى تخفيف معاناة المواطنين.
أمس تكرر مشهد الاعتصام أمام مركز طرابلس، وخصوصاً من قبل السائقين العموميين، الذين يشكون من أن سبب تأخر إنجاز معاملاتهم هو عدم وجود عدد كاف من الموظفين داخل المركز، بعد تقاعد العدد الأكبر منهم، وعدم تعيين بديل منهم، ما جعل عدد موظفي المركز لا يزيد اليوم على 25 في المئة من عدد موظفيه الملحوظ في الملاك، في حين ان عدد المضمونين ارتفع ضعفين في العقد الاخير.
رئيس نقابة «السواقين العموميين» في الشمال شادي السيد قال ان الاعتصام جاء «بعد لقاءات عدة مع المدير العام للضمان محمد كركي، الذي أغدق الوعود في كل مرة بتعيين موظفين مياومين من أهل المنطقة وقاطنين فيها». لكن هذه الوعود «كانت تتبخر بسرعة»، بحسب السيد، إلى أن أرسل كركي منذ فترة فريق تفتيش إلى مركز طرابلس لمعاينة وضعه وتوصلوا الى نتيجة «أن مركز طرابلس مثالي»، فأرسل المدير العام كتاب تنويه إلى رئيس المركز!
وكشف السيد بعض ما يحصل في مركز طرابلس «المثالي»، اذ ان «المضمون عليه أن يشتري الدواء من صيدليات معينة بعضها خارج طرابلس، وعليه ان يدفع جزءاً من ثمن الدواء لسماسرة المعاملات كي يقبض فاتورته».
وهدد السيّد ان الخطوة التالية «ستكون الاعتصام أمام مركز الضمان الرئيسي في كورنيش المزرعة»، مطالباً بتأليف لجنة تحقيق وإنزال العقوبات بالمرتكبين، متهماً المفتش في مركز الضمان المركزي بأنه «خيّال» المدير العام، وأنه «يخفي حقائق ومخالفات ترتكب في مركز طرابلس».
مشاركون في الاعتصام ابرزوا فواتير أدوية تعود إلى عام 2012 «لم يقبضوها حتى اليوم». وصرّح بعضهم أنهم اضطروا لنقل ملفاتهم إلى مركز حلبا في عكار، الذي يبعد 35 كيلومتراً من طرابلس، ما جعلهم يتكبدون أعباء الانتقال من وإلى طرابلس عند كل معاملة، معتبرين ذلك «عيباً كبيراً».