لموارد النفط والغاز المتوقعة في المياه الإقليمية اللبنانية خاصة إمكانية «تحويل» الاقتصاد والمجتمع، ورغم ذلك، يطغى الطابع الخبري والسياسي بالمعنى السطحي على معالجة الإعلام اللبناني لمواضيع قطاع النفط والغاز الوليد، على حساب التحقيق والتحليل في الجوانب الاجتماعية ــ الاقتصادية والبيئية، وتكثر الأخطاء في نقل الوقائع والاستخدام غير الدقيق للمصطلحات ذات الصلة؛ كذلك لا يظهر الإعلام اللبناني الاهتمام الواجب بالتطورات النفطية في دول وكيانات الجوار، كقبرص و«إسرائيل»، رغم تأثيرها الكبير في آفاق تطور القطاع النفطي في لبنان.
كانت تلك أبرز الخلاصات لتقرير «تغطية الإعلام اللبناني لقطاع النفط والغاز» الصادر عن مركز «عيون سمير قصير» المعني بـ«حرية الإعلام والحرية الثقافية»، بتمويل من وزارة الخارجية النروجية، وبالتعاون مع «المركز الدولي للصحافة والديموقراطية» التابع لجامعة «سام هيوستن» في الولايات المتحدة الأميركية، ومؤسسةMiddle East Strategic Perspectives «الإستشارية» في بيروت.
لا يمكن الحديث عن «ديموقراطية» إذا لم يكن المواطن قادراً على الوصول إلى المعلومات الوافية في مجالات الشأن العام كافة، ولوسائل الإعلام دور محوري في هذه المعادلة، قال أيمن مهنا، المدير التنفيذي لمركز «عيون سمير قصير» في مناسبة إطلاق التقرير المذكور. تجارب إدارة مختلف قطاعات الاقتصاد اللبناني تترك «القليل من الثقة» عند المواطنين، يقول مهنا، مشيراً إلى أهمية تيقظ وسائل الإعلام لاحتمالات «سوء الإدارة والفساد» في قطاع النفط والغاز الناشئ، ومتابعته بحِرفية ودقة.
لم يبدأ التنقيب عن النفط والغاز بعد بسبب «انسداد الأفق السياسي»، فيما حققت قبرص و«إسرائيل» اكتشافات نفطية مهمة، يقول التقرير، لافتاً إلى «الصعوبة الكبيرة» في تقدير الموارد البترولية المتوافرة دون الاستكشاف بالتنقيب. ورغم ذلك، «دفعت البيانات المتوافرة لغاية الآن وزير الطاقة والمياه إلى الإعلان في تشرين الأول من عام 2013 أن «التقديرات الحالية لحوالى 45% من المياه الإقليمية، وباحتمال 50%، وصلت إلى 95.9 تريليون قدم مكعب من الغاز، و865 مليون برميل من النفط»»، بحسب التقرير. وفي مطلع عام 2014، قام مركز «عيون سمير قصير» على مدى أسابيع عدة برصد تغطية عينة من الإعلام اللبناني لقطاع الغاز والنفط الوليد، شملت ستة قنوات تلفزيونية وخمسة صحف يومية وموقعين إلكترونيين إخباريين ومجلة واحدة، وكان الهدف تبيان المواضيع ذات الصلة التي قاربتها أو لم تقاربها وسائل الإعلام تلك، ووتيرة التغطيات ودقتها. بحسب التقرير، للقطاع المذكور «سمعة سيئة»، إذ يفترض الكثير من المواطنين، «عن حق أو عن غير حق، أن شركات النفط العالمية تعمد إلى رشوة المسؤولين الحكوميين، وتعطي الأولوية للربح على حماية البيئة واحترام المجتمعات المحلية»؛ ولا غرابة في الموقف هذا، فـ«في البلدان ذات المستويات العالية من الفساد وذات السجل السيئ في الشفافية، غالباً ما يُساء إدارة ريوع النفط والغاز. ولبنان الذي يفتقر إلى قانون لحرية الوصول إلى المعلومات، يحل في مرتبة متدنية على مقياس الشفافية؛ وفيه بيروقراطية يعشّش فيها الفساد، بحسب تقرير حكومي صادر عام 2011». هذا الواقع يجعل من الضروري بالنسبة إلى وسائل الإعلام أن «تفهم جيداً وتغطي بدقة» مجريات القطاع، يقول التقرير، منتقداً أداء «الأغلبية الساحقة من وسائل الإعلام التي ركزت على الجانب السياسي، وأعطت القليل جداً من الاهتمام للأثر البيئي» للأنشطة البترولية ودور «المجتمع المدني» في مراقبته.
«لا بد من دحض الأرقام الوهمية» المتداولة في العديد من الوسائل الإعلامية حول كميات الغاز والنفط المتوافرة، وعقلنة «الأحلام» المبنية عليها، يقول مهنا، لافتاً إلى أنه لا يمكن الحديث عن «اكتشافات» أو حتى تقديرات موثوقة حول الموارد البترولية المتوقعة قبل الاستكشاف الفعلي عبر التنقيب. يشير مهنا إلى زوايا عديدة ممكنة لمقاربة الإعلام لموضوع الغاز والنفط، منها الأثر البيئي للأنشطة البترولية، و«الضمانات» الممكن توفيرها للحؤول دون وقوع الكوارث، وتأثير القطاع في مختلف قطاعات الاقتصاد، كالبناء والصناعة والسياحة، والآثار الاجتماعية للعوامل السابقة الذكر.
يعرض مهنا أبرز الملاحظات على معالجة وسائل الإعلام في لبنان لمختلف المواضيع ذات الصلة بقطاع الغاز والنفط، فيشير بداية إلى شيوع الأخطاء في استخدام المصطلحات في غير محلها، وأبرزها الحديث عن «اكتشافات» بدل توقعات، فـ«قطاع النفط والغاز معقد جداً، والخبراء التقنيون الأكثر معرفة به كثيراً ما يستخدمون مصطلحات يصعب على الجمهور فهمها»، كما جاء في التقرير الذي يلحظ كذلك تكرار الأخطاء في نقل الوقائع، واستناد الصحافيين إلى مصادر تعطي معلومات غير دقيقة، أو اقتباس الصحافيين لكلام المصادر على نحو خاطئ.