أظهرت التحرّكات والمواقف المعترضة على «التوافق»، غير المباشر، بين تيار المستقبل والقوى السنيّة في فريق 8 آذار، حول «تزكية» الشيخ عبد اللطيف دريان لمنصب مفتي الجمهورية، أنها تهدف الى تحسين شروط أطراف تسعى الى تحقيق مكاسب جانبية معينة، بعدما أصبحت مواجهة تعيين دريان صعبة.
أبرز الأطراف المعترضة، علناً، باتت تقتصر على هيئة العلماء المسلمين والجماعة الإسلامية التي كثّفت مواقفها وتصريحاتها وتحركاتها في الساعات الأخيرة، فيما كان لافتاً غياب «القوى الوسطية» عن الصورة، وتحديداً الرئيس نجيب ميقاتي الذي لم يُسجّل له أي موقف من التوافق حول دريان، سواء بالموافقة على تزكيته أو رفضه أو التحفظ عليه.
لكنّ مقرّبين من ميقاتي أوضحوا لـ«الأخبار» أنه «أبلغ من راجعه في الأمر أنه يلتزم أي قرار يتفق عليه رؤساء الحكومات السابقون ورئيس الحكومة الحالي»، مع إبدائه «تحفظاً على دريان الذي تربطه به علاقة جيدة، لأن انتخابه سيحدث شرخاً بين المشايخ». ويفضّل ميقاتي، وفق المقربين منه، «تكليف أمين الفتوى في دار الفتوى الشيخ أمين الكردي تولّي مهام المفتي مؤقتاً، إلى حين التوافق على مفتٍ جديد. لكن طرحه لم يلق تجاوباً».

ميقاتي يفضّل
تكليف الكردي تولّي مهام المفتي مؤقتاً

أما على صعيد هيئة العلماء المسلمين، فقد عقد مكتبها في بيروت اجتماعاً موسعاً، خرج في نهايته بتأكيد «المضي في عقد الاجتماع المقرر غداً، للإعلان عن اسم مرشح الهيئة لمنصب المفتي»، حسب بيان صدر عن المجتمعين.
ومع أن أي اسم لم يرشح عن الاجتماع لمنافسة دريان، فإن مصادر في الهيئة تحدّثت لـ«الأخبار» عن تشكيل لجنة من 10 مشايخ منضوين ضمن الهيئة، من مختلف المناطق اللبنانية، برئاسة رئيس الهيئة الشيخ مالك جديدة، جرى تكليفها بمتابعة هذا الملف بكل تفاصيله.
لكن إمكان تبنّي الهيئة مرشحاً لمنصب المفتي والسير به أمر اعترض عليه مشايخ كثيرون فيها، رأوا أن «إمكانية فوز مرشح الهيئة في مواجهة دريان تكاد تكون معدومة، وأنه ليس من مصلحة الهيئة التي تضمّ 300 شيخ وعالم، غالبيتهم ليسوا ضمن الهيئة الناخبة، مناصبة العداء للمفتي الجديد». وطالب بعض المشايخ في الهيئة من يريد الترشح للمنصب أن يعلن ترشحه باسمه الشخصي، وليس باسم الهيئة.
أما الجماعة الإسلامية، فقد أوضحت في بيان لها أنها «وضعت خارطة طريق تتضمن شروطاً»، كالقيام بالإصلاحات المطلوبة وفق المرسوم 18 وتعديل الهيئة الناخبة، وأنها ترى أن «أي مرشح يلتزم تنفيذها فإنه يعتبر مقبولاً لديها، وتؤازره». غير أن مصادر إسلامية متابعة أوضحت لـ«الأخبار» أن «صراعاً إضافياً ذا طابع إقليمي يدور بين السعودية وقطر حول موضوع انتخاب المفتي، وأن القطريين الذين وجدوا أنفسهم قد خرجوا خالي الوفاض يحاولون التشويش على التوافق عبر دعمهم قوى إسلامية معترضة، كالجماعة الإسلامية وهيئة العلماء».
لكن المصادر لفتت إلى «إشارات سياسية بارزة في هذا السياق، وهي أن الجهات المعنية بانتخاب المفتي تبلغت عبر قنوات معينة عدم اعتراض السوريين على الأمر، ما اعتبر بمثابة ضوء أخضر ساعد في السير بدريان مفتياً».
ومع أن المصادر أبقت احتمالاً ضئيلاً «لإمكانية تطيير التسوية برمتها، يتمثل في رفض المفتي محمد رشيد قباني قبولها إلا بشروطه التي تمت تلبية أغلبها»، فقد لفتت إلى أن «اتصالات تجري مع هيئة العلماء لإرضائها عبر وعود بتعيين أعضاء منها في المجلس الشرعي أو قضاة شرع، وهو أمر يسري أيضاً على الجماعة الإسلامية، ولكن بشكل فردي، لأن الاتصالات مقطوعة بين قيادتها وتيار المستقبل، الطرف الذي يملك الكفة المرجّحة والكلمة العليا في دار الفتوى ومؤسّساتها.