على الرغم من المخاطر الأمنية، وقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بعد ظهر أمس أمام الآلاف من مناصريه، على منبر «مجمّع سيد الشهداء» في الضاحية الجنوبية لبيروت. وأطلق نصر الله جملةً من المواقف في الاحتفال السنوي بـ«يوم القدس العالمي»، أبرزها إعلانه «انتصار قطاع غزّة بمنطق المقاومة».
وتوجّه إلى فصائل المقاومة الفلسطينية بالقول «نحن معكم، وإلى جانبكم وواثقون بثباتكم، وسنقوم بكل ما يجب أن نقوم به»، مؤكّداً أن حزب الله يتابع ما يجري بكل دقة، و«نواكبه ونتابع كل التطورات الميدانية والسياسية... ولن نبخل بأي شكل من أشكال الدعم التي نستطيعها ونقدر عليها».
بدأ نصر الله خطابه بشكر الحاضرين، «الذين حضروا بالرغم ممّا يفترض من بعض المخاطر الأمنية»، وعبر عن «أصدق مشاعر المواساة للعائلات التي فقدت أعزاء وأحباء في الحادثة المؤسفة للطائرة الجزائرية»، مشيراً إلى أهمية إحياء يوم القدس، فـ«عندما نتطلع اليوم إلى حالة الأمة، نشعر بأهمية هذا اليوم وإحيائه».


تدمير الكنائس
والجوامع في العراق يهيّئ النفوس
لتدمير الأقصى

وأشار إلى أن «الصهاينة وضعوا خطة طويلة الأمد لتصفية القضية الفلسطينية، وكانوا يفترضون أن الأرض العربية واسعة، ويمكن توطين اللاجئين الفلسطينيين وتذويبهم في المجتمعات العربية المتعددة، فهذا الخطر كان قائما، ولا يزال قائما، ويلاحق اللاجئين». ولفت إلى أن «هناك غرفاً سوداء تعمل كي لا تبقى أي صلة بين أي لبناني وأي مصري وأي سوري وفلسطين. واختيار انتحاريين فلسطينيين في تفجيرات لبنان كان أمراً متعمداً. وبرغم كل ما حصل، بقيت القضية تفرض نفسها على المنطقة والعالم، لأن: سوريا صمدت ولم تخضع لشروط التسوية في مدريد، وبسبب انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وحركات المقاومة في لبنان وفلسطين، والأهم أن الشعب الفلسطيني كان عصياً على اليأس والإخضاع والاستسلام». وأكد نصر الله أن «سوريا كانت الجدار المتين وستبقى في وجه المشروع الصهيوني، وكانت الحضن الكبير للمقاومة والقضية الفلسطينية».
وأشار نصر الله إلى التطورات الأخيرة في العراق، مشيراً إلى أن «العراق دخل النفق المظلم، للأسف باسم الإسلام والخلافة، فتهجرت فيها آلاف العائلات المسيحية. والسنة الذين يختلفون مع داعش لا خيار لديهم إلا البيعة أو الذبح. أما الشيعة، فلا خيار لديهم إلا الذبح»، معلناً «إدانتنا لما يتعرض له المسيحيون في العراق، ولما يتعرض له المسلمون أيضاً في العراق». وحذّر من أن «مشهد تدمير الكنائس ومراقد الأنبياء والجوامع، يجهز النفوس من أجل تدمير المسجد الأقصى، هناك خشية من أن يصبح ذلك أمراً عادياً بالنسبة إلى تدمير الكنائس والمساجد»، سائلاً: «إذا كانت داعش تدمر المقدسات، فماذا يمنع اليهود من تدمير الأقصى؟».
ودان الأمين العام لحزب الله «تواطؤ بعض المجتمع الدولي وأميركا والغرب ومجلس الأمن وبعض الأنظمة العربية على غزة»، مؤكّداً أن «ما يحسم الموقف هو ثلاثية الميدان والصمود الشعبي والصمود السياسي». وأكد أن «المستهدف في هذه الحرب هو سلاح المقاومة وإرادة المقاومة، وليس فقط حماس والجهاد الإسلامي، بل كل المقاومة في فلسطين، وكل نفق وكل صاروخ بل كل دم مقاوم»، مشيراً إلى أن «الأفق هو أن يصل الإسرائيلي إلى مكان يجد فيه أنه لا يستطيع أن يكمل، وعندها يستطيع الاستعانة بالأميركي، اليوم أقول إن غزة انتصرت بمنطق المقاومة... نجد أمامنا الفشل الإسرائيلي يقابله إنجاز المقاومة، وحتى اليوم هناك إرباك في تحديد الهدف، وهم خائفون منذ البداية من الفشل، لذلك لم يحددوا أهدافاً عالية وتعلموا من تجربة تموز 2006». وأضاف نصر الله: «الإسرائيلي فشل في تحديد إمكانات المقاومة، وهذا فشل استخباري وفشل سلاح الجو الإسرائيلي في حسم المعركة، مع العلم أنه قبل أشهر قليلة، قال قائد هذا السلاح إنه قادر على حسم المعركة في لبنان خلال 24 ساعة وفي غزة خلال 12 ساعة، أما اليوم، فنحن في اليوم الـ18 من العدوان على غزة».
وأضاف إن «هذه هي المرة الأولى التي تنطلق فيها صواريخ من داخل فلسطين لتطاول كل أرض فلسطين، فهذا جهد كبير، وهناك ثقة عالية بالله وبالمقاومة، وهناك صمود شعبي. وحتى الآن الشعب مع المقاومة، وهناك صمود سياسي ورفض لكل الضغوط الهائلة إقليمياً ودولياً». وتابع أن «قيادة المقاومة رفضت منذ اليوم الأول وقف إطلاق النار، وأن العدو يريد ذلك وصولا إلى الهبة الشعبية في الضفة. أما الأمور، فستصل إلى فرض معادلات جديدة على العدو، تحتاج إلى بعض الوقت». وأضاف نصر الله أنه «ليس من السهل أن يستسلم نتانياهو، فهناك بعض الحكام العرب الذين يطلبون منه الاستمرار، لكن المقاومة هي التي ستفرض على الإسرائيلي الحل، وسيصرخ الإسرائيلي طالباً من الأميركي الحل». ودعا الأمين العام لحزب الله إلى «وضع كل الحساسيات والخلافات والاختلافات حول القضايا الأخرى جانباً»، و«لنقارب جميعاً ما يحصل في غزة كمسألة شعب ومقاومة وقضية عادلة لا اختلاط فيها بين حق وباطل، وهنا ليس هناك من التباس وما من نقاش، غزة الآن بدمائها ومظلوميتها وصمودها وبطولتها يجب أن تكون فوق كل اعتبار». وأسف لـ«سماع بعض المواقف في الإعلام العربي تحمّل المقاومة مسؤولية ما يحصل، ويصل الأمر إلى إعلان البعض التعاطف مع الإسرائيلي، وهذا أمر معيب ومحزن لا بل مخز، مهما كانت الحسابات والحساسيات. في الحد الأدنى من لا يريد أن يتعاطف، فليسكت ولا يحمّل نفسه وامته هذا العار». ودعا «الحكومات العربية والإسلامية إلى تبني خيار رفع الحصار عن غزة، وحماية القيادة السياسية للمقاومة من الضغوط التي تريد وقف النار من دون تحقيق هذا الهدف»، كما دعا إلى «تأمين الدعم المالي والسياسي والمعنوي وصولاً إلى العسكري».
وأشار نصر الله إلى أنه «يجب التذكير بأن إيران وسوريا ومعهما المقاومة في لبنان على مدى سنوات طويلة، لم يقصروا ولم يتوانوا عن دعم المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها على كافة المستويات، وهناك اليوم من لا يقوم بأي عمل إيجابي لفلسطين سوى المزيدات». ورفض «الدخول في أي مهاترات» مع أحد، «لكن يكفي أن نقارن على مدى عقود ماذا قدم محور المقاومة من أجل فلسطين، برغم كل الأعباء والتبعات في العالم، وماذا فعل هؤلاء من أجل فلسطين؟ وماذا قدموا في كل الساحات الأخرى التي تخدم إسرائيل وتخدم هدف إسرائيل».
وأضاف: «نحن في حزب الله كنا وسنبقى نقف إلى جانب كل الشعب الفلسطيني، وإلى جانب المقاومة في فلسطين بكل فصائلها، ونحن لن نبخل بأي شكل من أشكال الدعم التي نستطيعها ونقدر عليها، ونحن نشعر بأننا شركاء مع هذه المقاومة، وانتصارهم انتصار لنا جميعاً وهزيمتهم هزيمة لنا، نحن نتابع ما يجري بكل دقة ونواكبه ونتابع كل التطورات الميدانية والسياسية، ونقول لإخواننا في غزة نحن معكم وإلى جانبكم وواثقون بثباتكم وسنقوم بكل ما يجب أن نقوم به». وأكد أن «المقاومة انتصرت في غزة، وأنا أقول لكم أيضاً من موقع المعرفة والشراكة إن المقاومة في غزة قادرة على صنع الانتصار، وستصنع الانتصار». وختم نصر الله خطابه متوجهاً إلى الصهاينة بالقول: «أنتم اليوم في غزة في دائرة الفشل في بيت العنكبوت، فلا تذهبوا إلى أكثر من ذلك، إلى دائرة الانتحار والسقوط».