هل يعقل أن يخرج من بين المقاومين من يقول إن أيام حسني مبارك كانت أفضل بكثير على أهل قطاع غزة، وعلى المقاومين في داخله؟نعم، مع الأسف، هذه حقيقة قائمة اليوم. فما قام به الحكم المصري، سواء في عهد «حكم المرشد» أو في عهد «حكم الجنرال»، لم يكن إلا وبالاً على أهل غزة وعلى المقاومين فيها. لم تنقح قوائم الممنوع دخولهم إلى مصر عبر رفح، ومن توسطت له جماعة «الإخوان المسلمين» كان يأخذ إذناً خاصاً ليمر بصورة مؤقتة.

ولم يُفتَح المعبر أمام الناس والبضائع والحركة بصورة طبيعة ومنطقية. وفي أيام «المرشد» سعى قريبون منه، إلى علاقة استعراضية، من خلال فسح المجال أمام الوفود الإعلامية والسياسية. لكن ما يحتاجه القطاع لإعادة الإعمار وبناء المؤسسات على أنواعها، بقي خاضعاً لشروط أميركا وإسرائيل. أما ناقلو العتاد إلى المقاومين، فاضطروا إلى أن يضاعفوا جهودهم، لكي يتجنبوا الأمن الذي يطاردهم على طول الحدود، واضطروا إلى أن ينفقوا أكثر على الفاسدين الذين يهتمون بالمال وليس بما يجري تهريبه إلى القطاع.
وفجأة، انخرط الجيش المصري في عملية تدمير ممنهجة للأنفاق، الشريان الحقيقي لأهل القطاع ومقاومتها. البعض تذرع يومها، بأن الجيش غاضب من «حماس» لأنها تجاوزته نحو رئاسة الإخوان. والبعض قال إنها عملية «تقديم أوراق اعتماد مبكرة من جانب الجيش» إلى الاميركيين قبل إطاحة محمد مرسي. والبعض تذرع بأن غزة باتت مصدر مشاكل لمصر وأهلها. وتطورت هذه النظرية بعد إسقاط مرسي، حتى صارت حماس عدواً للحكم وللجيش ولقسم كبير من الشعب في مصر. لكن ما هو ذنب أهل القطاع؟
اليوم، في مواجهة الوحشية الإسرائيلية، لم تبادر «حكومة الجنرال» إلى شيء يوحي بأن لهذا الضابط أي علاقة بإرث جمال عبد الناصر. يبدو أنه يقتفي إرث أنور السادات في أحسن الأحوال.


فكّر رجال الجنرال
في انقلاب شعبي على حماس
يقوده... الدحلان!

ما يمكن قوله الآن أن مجموعة السيسي، التي تخاصم حماس على أساس أن الأخيرة صارت ذراعاً عسكرية للإخوان في قلب مصر، هي مجموعة ليس فيها من له صلة بإرث عبد الناصر. بل هي من بقايا الحقبة الساداتية ـــ المباركية، التي تستمد سلطتها من بناء علاقة استراتيجية وتفاعلية مع الولايات المتحدة. وهي مجموعة ترى أن إرضاء الولايات المتحدة، له باب واحد: عدم استعداء إسرائيل. وإذا كان المطلوب أميركياً وإسرائيلياً معاقبة المقاومة في غزة، يمكننا القول هنا صراحة: إن مجموعة السيسي، التي ربطت بين أهل غزة وبين حماس، لم تنتبه إلى أنها صارت في الخندق نفسه مع الإسرائيليين الذين لا يميزون بين حماس وبين أهل القطاع... هل هذه مصر التي ثارت على حكم مبارك، ثم عادت وانفضت عن حكم الإخوان؟
وأكثر من ذلك، في لبنان وفلسطين ومناطق كثيرة من العالم العربي، سادت مناخات مرحبة بإسقاط مرسي، والتفاؤل الذي رافق وصول السيسي، لم يكن مصدره أبداً، موقفه حصراً من الإسلاميين، بل كان رهن تغييرات عميقة تقود إلى مصالحة مصر مع هويتها العربية ككل، وتعيدها إلى المسرح لاعباً محورياً إيجابياً يعيد للعرب مكانتهم. لكن ما الذي حصل؟
- هل يعرف الجمهور، أن عبد الفتاح السيسي، رفض إجراء مقابلات صحفية مع بعض وسائل الإعلام العربية فقط لأنها قريبة من حزب الله؟
- هل يعرف الجمهور، أن السيسي نفسه، رفض أي حوار مع أي إسلامي، لأنه قرر أن كل إسلامي هو حكماً عضو في جماعة الإخوان؟
- هل يعرف الجمهور، أن في الدائرة الضيقة الأمنية والسياسية المحيطة بالسيسي، من فكّر، وربما لا يزال، في دعم قيام انتفاضة شعبية داخل قطاع غزة، تكون حكومته جاهزة لدعمها من أجل إطاحة حكومة «حماس» وإخضاع قوى المقاومة، بما فيها الجهاد الإسلامي، لسلطة يكون عنوانها ورائدها محركها «القائد المفدّى» محمد الدحلان؟
- هل يعرف الجمهور، أن المخابرات المصرية الناشطة في سيناء ورفح وقرب القطاع، تخضع لفحص دوري، من أجل منع وجود أي ضابط أو ضابط صف أو جندي يمكن أن يغض الطرف عن ناقل رصاصة أو كيس إسمنت إلى داخل القطاع؟
هذه هو موقف «الجنرال ورجاله» من المقاومة ومن أهل فلسطين. هم يريدون سلطة رام الله، لكنهم يريدون محمد الدحلان. يعتقدون أنهم بذلك يتخلصون من حماس، ويقدمون هدية ولو متأخرة إلى حلفائهم في السعودية والإمارات العربية المتحدة. وهم أيضاً، لا يريدون أي تغير، ومن أي نوع، في العلاقات مع إسرائيل. لا يريدون تعزيز مناخ البرودة الذي ساد بصورة أقوى بعد إطاحة مبارك. ولا يريدون تعويد العدو مناخاً آخر ومنطقاً آخر. ولا يريدون إغضاب الأميركيين والأوروبيين من باب إسرائيل. وهم حتى اللحظة، لا يظهرون أنهم مستعدون لأي استدارة تحصّن موقع العروبة في مصر.
لا حاجة لقراءة ما كتبه الإسرائيليون أو صرح به دبلوماسيون غربيون، أو ما سربه رجل الشؤم طوني بلير، من أن القيادة المصرية لا ترفض تدمير حماس نهائياً. ويبدو أنه لا حاجة للتثبت من أن مبادرة وقف إطلاق النار، قد تمت مع الإسرائيليين أولاً، ثم جرى إطلاع محمود عباس عليها. ولا حاجة للتيقن، من أن أي ضغط تمارسه القيادة المصرية على المقاومة في غزة، إنما يعني أمراً واحداً: دعوة العدو لإطالة أمد الحرب، وسقوط المزيد من الشهداء والجرحى بين أطفال ونساء وشباب فلسطين... هل هذا ما يريده السيسي؟
وظلم ذوي القربى...