بقي رئيس كتلة المستقبل النيابية فؤاد السنيورة متشبثاً حتى وقت متأخر من يوم أمس بموقفه القديم - الجديد من أنّ زيادة الضريبة على القيمة المضافة تبقى المورد الوحيد الأكثر ضمانة للتوازن بين الإيرادات والنفقات، في حال الإصرار على الحفاظ على أرقام السلسلة ودرجات المعلمين.
هذه المعادلة رفضتها هيئة التنسيق النقابية جملة وتفصيلاً، وقالت إنها لن تقبل بأي ذريعة «لوضع مطالبنا المحقة في مواجهة الناس». بل أكثر، فقد أعلنت المعركة الفاصلة ضد زيادة ضرائب الاستهلاك، ولا سيما الضريبة على القيمة المضافة، وستخوضها باسم جميع اللبنانيين، متجاهلة ما يجري من اتصالات ومفاوضات بين ممثلي الكتل النيابية، بغيابها ومن دون الأخذ بمذكرتها المطلبية وثوابتها التي رفعتها في كتاب خطي إلى كل المسؤولين ولم تتلقّ عليها حتى الآن أي جواب.
وفي وقت أكد فيه رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي حنا غريب، أنّ «المفاوضات لا تلزمنا بشيء»، حفل يوم أمس باجتماعات مكثفة واتصالات برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري، وبحضور الرئيس السنيورة ووزيري المال والتربية علي حسن خليل والياس بو صعب، ورئيسة لجنة التربية النيابية بهية الحريري، وممثلين عن الكتل النيابية.
بعد هذه اللقاءات، خرج السنيورة ليقول إن «النقاش لا يزال مستمراً وإنّ من الممكن أن لا تقر السلسلة في جلسة الغد (اليوم) من دون أن يتخلى عن شروطه، وهي كما عبر عنها «إقرار سلسلة تؤمن العدالة بين الأسلاك الوظيفية وتضمن خفض حجم الإنفاق».
وخلال حفل تكريمي لرئيس مجلس إدارة مستشفى بيروت الحكومي المقال وسيم الوزان، سئل السنيورة عمّا إذا كان هناك جديد على صعيد السلسلة وعن مصير الجلسة النيابية، فكرر الموقف من العدالة والكلفة التي لا يجب أن يتحملها الاقتصاد «وخصوصاً أنّه عندما نتحدث عن الإيرادات نتحدث عن مجرد تقديرات، فالأكلاف لا تكون ثابتة، بل قابلة للزيادة». وركز السنيورة على أهمية «توافر مجموعة من الإجراءات الإصلاحية التي تؤدي إلى مزيد من الإنتاج والتحسين في مستوى الإنتاجية والانضباط والإدارة».
وردّ على من يقول إنّ قيمة الإيرادات تخطت قيمة السلسلة بأنّ «أحداً لا يستطيع أن يضمن هذه الإيرادات، وحتى لو ففي النهاية سيعود هذا الفائض إلى الخزينة، وبالتالي إلى كل اللبنانيين، ونخفف بذلك قيمة المخاطر التي يمكن أن نتعرض لها. فالمسألة تحتاج إلى تروٍّ وتبصّر في هذا الشأن، وألا نقوم بخطوات نندم عليها بعد ذلك».

رفض زيادة الضريبة
على القيمة المضافة أو زيادة تعرفة الكهرباء

في المقابل، ركزت قوى 8 آذار في تصريحاتها على أنّ التوازن المطلوب بين النفقات والإيرادات حصل فعلاً. أو هذا على الأقل هذا ما قاله وزير المال علي حسن خليل الذي وصف الخلاف بشأن الإيرادات بأنّ هناك «وجهات نظر سيستكمل النقاش بشأنها على مستوى الرئيس السنيورة وفريق 14 آذار ونتمنى أن تحضر كل الكتل إلى الجلسة». خليل نفى أن يكون الكلام على موافقة الرئيس بري على خفض الدرجات الست إلى ثلاث درجات صحيحاً.
النائب إبراهيم كنعان خرج هو أيضاً من الاجتماع الموسع ليقول في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير التربية الياس بو صعب إنّ توازناً دقيقاً «على الليبرة» بين النفقات والإيرادات حصل بين الكتل النيابية سيضمن عدم تهديد الاقتصاد ولا يسمح بالخلاف بعد اليوم على الأرقام التي احتسبت في أسوأ تقدير، على حد تعبيره.
ومع أنّ النقاش بقي عالقاً مع الرئيس السنيورة بشأن زيادة الضريبة على القيمة المضافة (TVA) مقابل إعطاء الدرجات الست للمعلمين، لم يجد كنعان سبباً لعدم حضور الجلسة التشريعية اليوم الخميس إذا كانت هناك بالفعل نيات إيجابية لبتّ السلسلة، وذلك على خلفية أن «البند الذي لا نتفاهم عليه نحتكم بشأنه إلى التصويت كي تثمر المساعي ولا تضيع كل الجهود سدى».
وبينما جدد كنعان القول إن وزارة المال ستكون المرجعية التي تتحمل مسؤولية تقدير الإيرادات، لفت إلى أنّ الوزير علي حسن خليل قدم أرقاماً رسمية، وقد خُفضت إلى الحدود الدنيا «لنكون متفاهمين جميعاً، ولكي ينتفي الحذر الذي كان موجوداً لدى الرئيس السنيورة أو لدى غيره».
وفي موضوع الحقوق، قال: «إننا ننتظر جواباً نهائياً على العرض الذي قدمناه ويشمل ست درجات للمعلمين وزيادة نسبة لرواتب العسكريين والحفاظ على حقوق الموظفين الإداريين كما جاءت في اللجنة الأخيرة المنبثقة من الهيئة العامة للمجلس النيابي.
كنعان الذي ذكّر بأنّ كلفة السلسلة لن تقل عن ألفي مليار، قال إنّ «خفض الدرجات إلى ثلاث أو غيرها أصبح خلفنا».
أما بو صعب، فلفت إلى أن «النقاشات تمحورت بصورة أساسية حول الدرجات الست للمعلمين التي تخرق، بحسب البعض، التوازن. أما وقد تأمن التوازن فلا عائق أمام إقرار السلسلة». وقد عبّر عن هاجسه من المشكلة التي ستحدث من جراء عدم إقرار السلسلة وكيف «سنتوجه إلى الرأي العام والأساتذة والناس الذين ستكون امتحانات أبنائهم في مهب الريح».
على المقلب الآخر، تعهدت هيئة التنسيق عشية الجلسة التشريعية أنّها لن تساوم على زيادة ضريبة الاستهلاك التي ستكون خطاً أحمر في معركتها المقبلة. لكن هل وضعت الهيئة تصوراً لذلك، وماذا لو أقرت السلسلة ممسوخة ولا تضمن الحقوق، فهل ستتعامل مع ذلك كأمر واقع، وخصوصاً أنّها رفعت عنوان تعديل النظام الضريبي؟
يجيب غريب: «هذا هو التحدي أمامنا نكون أو لا نكون، فالهيئة وهي تدافع عن حقوق القطاع العام لا تستطيع أن تأخذ حقوقهم على حساب الناس الآخرين، ومن هذا المنطلق هي مطالبة بتوسيع إطار تمثيلها لتقارب القضايا الوطنية الكبيرة، ولا سيما بناء دولة الرعاية الاجتماعية». ينفي غريب أن تكون الهيئة وحدها مسؤولة عن تأدية هذا الدور «وما يرموها على كتفنا» لكنها ستكون، كما يقول، رأس حربة في هذه المعركة وستبادر إلى اتخاذ الموقف السليم، و«يمكن ما تنحل السلسلة إلّا بهذه الطريقة».
في ملف سلسلة الرواتب، يحذر غريب من أي توافق قد يحصل بين ممثلي الكتل النيابية على حساب أصحاب الحقوق من دون استثناء، داعياً النواب إلى احتساب زيادة الرواتب كالآتي: «خذوا الجداول الواردة في القانونين 661 /1996 و717/1998، واضربوها بـ (2.21)، فتظهر فيها الأرقام التي يجب أن تحسم منها الزيادات التي أعطيت عامي 2008 و2012، هذه هي السلسلة التي نريد، هذه هي أرقامها، هذه هي حقوقنا التي لن نتنازل عنها. أما الحقوق المكتسبة فتبقى حقوقاً مكتسبة لجميع القطاعات».
ويرفض الكلام على إعطاء بضع درجات من هنا أو من هناك وعلى سلسلة مجهولة لا تحفظ الحقوق أو عدم إعطاء الحقوق بحجة مفردات الإيرادات والتوازنات.
الأهم أنّ لاءات الخفض والتقسيط والتجزئة، برزت معطوفة على رفض زيادة الضريبة على القيمة المضافة أو زيادة تعرفة الكهرباء بنسبة 60%، وعدم القبول بسلسلة على حساب الفقراء وأصحاب الدخل المحدود، «فتمويل السلسلة يجب أن يكون على حساب الريوع المصرفية والعقارية ومغتصبي الأملاك البحرية، ومن مزاريب الهدر والفساد على المرفأ والمطار والمرافق العامة وغيرها».
ويقدم غريب معلومات تدعم موقف الهيئة، منها أن «ما يسمّى الهيئات الاقتصادية، تقرّ وتعترف، بأنّ حجم التهرّب من ضريبة الأرباح على الشركات يصل إلى 1500 مليون دولار سنوياً، وأنّ مجلس الوزراء سبق أن ناقش تقارير مرفوعة إليه من المسؤولين المعنيين تفيد بأن حجم الإيرادات الفائتة على الخزينة العامة من جراء التهريب التجاري عبر المرافئ والمطار يصل إلى أكثر من 1400 مليون دولار».
برأي غريب، لا يمكن أحداً في لبنان أن يتجاهل حقيقة واضحة، أن نسبة 1% من اللبنانيين يستأثرون بأكثر من نصف الثروة، من دون تحميلهم أي عبء ضريبي يسهم في إعادة توزيع هذه الثروة، ولو بشكل بسيط.
وقال إنّ «هيئة التنسيق التي تناضل من أجل تحسين مستوى المعيشة العام عبر رفع حصة الأجور المتداعية في الناتج المحلي الإجمالي، لا يمكنها القبول بأن تصل حصة الأرباح، ومعظمها ذات طابع ريعي مشوه، إلى 70% من الناتج المحلي، في حين أن حصة الأجور تقل عن 21%».
واستشهد بدراسة للجامعة الأميركية في بيروت أظهرت أن زيادة الضريبة على القيمة المضافة بنقطتين مئويّتين، أي من 10% إلى 12%، ستؤدي إلى خفض الإنفاق الاستهلاكي لدى الأسر الفقيرة بنسبة 11%، وبالتالي فإن نسبة اللبنانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر الأدنى (2.4 دولار في اليوم) سترتفع من 8% حالياً إلى 10%. أما نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر الأعلى (4 دولارات في اليوم)، فمن المتوقع أن ترتفع من 28% حالياً إلى 35%. وسأل: «ألا يسمى هذا ظلماً وقهراً واستعباداً للناس؟».
ورأى أن هناك أماكن ضريبية كثيرة لا تكفي لتمويل تصحيح الأجور بنسبة 121% لكل القطاعات فحسب، بل تكفي أيضاً لتصحيح بنية الاقتصاد وإصلاح الدولة والنظام الضريبي، وتوزع المصالح فيه وتأمين التغطية الصحية لنصف اللبنانيين المحرومين إياها والانتقال إلى نظام التقاعد لجميع العمّال. وفي هذا المجال، طرح غريب:
ـ إعادة النظر بضريبة الدخل والأرباح وجعلها تصاعدية.
ـ مكافحة المضاربات العقارية عبر وضع ضريبة على العقارات الشاغرة وغير المستعملة، المبنية وغير المبنية.
ـ وضع ضريبة مرتفعة لا تقل عن 50% على أي امتياز أو عقد أو احتكار تمنحه الدولة لأي كان، إلغاء كل الإعفاءات الضريبية، ولا سيما التي تحظى بها شركة سوليدير والمنتجعات السياحية التي تستفيد من اشغال الأملاك العامة البحرية أو التي استفادت من مراسيم استثنائية مخالفة لقوانين البناء والتنظيم المدني.
ـ تغريم كل الذين استثمروا أملاكاً عامة على البحر أو الأنهار أو أملاك الدولة والبلديات والمشاعات، وتطبيق القوانين التي تجرّم كل اعتداء على حقوق اللبنانيين العامّة وإزالة هذه الاعتداءات فوراً بما يكفل حقنا جميعاً بالانتفاع بهذه الأملاك.
ـ إعادة النظر بالدعم الذي توفره الدولة من المال العام مباشرة أو بالإعفاءات الضريبية والاستثناءات من القوانين التي ينتفع منها قلّة من الشركات والمستثمرين المحليين والأجانب.
هذه الخيارات توفر، بحسب غريب، آلاف المليارات «التي ستنتقل من الثروات الفاحشة التي يجنيها سنوياً المحتكرون ومغتصبو الأملاك العامة والريعيون والمضاربون إلى الخزينة العامة، إلى سائر الناس، عبر أجور العاملين في الدولة والتعليم والتغطية الصحية الشاملة ونظام التقاعد للجميع». على صعيد التحرك الميداني، ستعلن هيئة التنسيق برنامجها الجديد في ضوء الجلسة التشريعية اليوم. وكانت أمس قد نفّذت اعتصاماً أمام مجلس الخدمة المدنية بعدما رفضت الامتثال لتمنيات رئيسة المجلس فاطمة عويدات بالعدول عن التحرك أمام مبنى المجلس. حضر الموظفون والمعلمون إلى المكان، لكنهم فوجئوا بإقفال الأبواب في وجههم. تدخل حنا غريب فاعترض على إقفال الباب، مطالباً القوى المكلفة حراسة المبنى بفتحه، قائلاً: «لا نقبل بإقفال الأبواب في وجهنا بهذه الطريقة، فالمجلس ليس أفضل من باقي الوزارات». هنا تهامس الموظفون بأنّ «رأس الهرم غير موظف، وله سلسلة وتعويضات وامتيازات خاصة به تجعله بعيداً عن هموم الناس ووجعهم، ولا يمكن الإصلاح برؤوس تسمع لأولياء النعمة».
ومساءً، عقدت المكاتب التربوية للأحزاب لقاءً تضامنياً مع هيئة التنسيق، في قصر الأونيسكو، وقد مثلت القوى النقابية المنضوية في الهيئة رؤساء المكاتب الذين لم يحضروا اللقاء.