لم تطمئن ليلة 14 أيار موظفي الإدارة العامة. وقع الجلسة التشريعية الأخيرة كان ثقيلاً على الجميع. لم يكد هؤلاء يستكينون إلى وعود تلقوها عشية الجلسة بتصحيح ما يسمونه «خطأ قديماً أهدر حقوق القطاع الإداري لسنوات»، حتى صدموا بـ«نقاشات مهينة بحق الإدارة والإداري تتوّج بالموافقة على بنود تضيف إلى الظلم ظلماً»، على حد تعبيرهم.
«شو عملوا فينا؟ لوين ودّونا؟»، هذا ما قالته هيفاء منصور لنفسها في تلك الليلة. راحت الموظفة في وزارة المال تضرب أخماساً بأسداس وهي تقارن بين مدخولها الحالي، وما سيكون عليه بعد الموافقة على زيادة في الدوام من دون أجر، مع وعد معلّق بالحصول على 4 درجات ونصف درجة، لا تؤمن «إلا بعضاً من العدالة مع غيرنا». لم تلبث منصور أن تكتشف أنّهم «أخذوا منا أكثر مما أعطونا». ليس مسموحاً، كما تقول، بأن يغيّروا الشروط العامة للوظيفة والظروف التي تعاقدنا معهم على أساسها. تستغرب كيف «يقارنوننا بأوروبا عند الحديث عن ساعات العمل، وهم لا يوفرون أدنى المقومات لبقائنا في الوظيفة، فلا كافيتريا ولا حضانة للأولاد ولا نقل عاما». تشير منصور إلى أن المسؤولين السياسيين يدركون تماماً ما هي الوزارات التي يتطلب التوصيف الوظيفي فيها ساعات عمل إضافية، وما هي الوزارات التي يكون فيها العمل محدوداً، وبالتالي هم «من يصنعون الفساد في الإدارة لا نحن».
لا يعدو الأمر هجوماً على الموظف الإداري وحشره في الزاوية، يقول الموظف بسام مهدي. هو مقتنع بأنّها اللحظة المناسبة لاستعادة موقع الوظيفة العامة ويجب اقتناصها. لذلك سينفذ الموظفون سلسلة تحركات، منها الإضراب العام والشامل في كل الإدارات والوزارات والبلديات والمحافظات والقائمقاميات غداً الأربعاء، بالتزامن مع اعتصام مركزي أمام وزارة الصناعة مقابل العدلية عند العاشرة صباحاً. في ذلك اليوم، ستتوقف حركة الطيران في المطار لمدة ساعتين ابتداءً من العاشرة صباحاً. الموظفون سينفذون أيضاً إضراباً يومي الإثنين والثلاثاء في 26 و27 الجاري، مع اعتصامين أمام مقر الضريبة على القيمة المضافة ووزارة التربية.

زيادة الدوام خطوة
غير محسوبة على طريق تدمير الإدارة
21 أيار سيكون يوم كرامة الموظف، وسيحتفل به سنوياً، هذا ما قاله رئيس رابطة موظفي الإدارة العامة محمود حيدر في مؤتمر صحافي عقده أمس في باحة مقر التفتيش المركزي. يُسأل ما إذا كان التحرك منفصلاً عن حراك هيئة التنسيق فيجيب: «لا ليس منفصلاً ويجري بالتنسيق مع الهيئة، لكن الأربعاء سيكون يوم الموظف ليعبّر فيه عن استنكاره لكل الإجراءات التخريبية الذي تمسه شخصياً».
يتوقف حيدر عند أسلوب النقاش الذي جرى خلاله التعاطي مع أمر خطير مثل دوام العمل، الذي يمس أسس الحياة الاجتماعية والاقتصادية لعائلات آلاف الموظفين. وساق مجموعة تساؤلات: «هل أنتم مقتنعون بأن زيادة الدوام تؤدي فعلاً إلى زيادة الإنتاجية؟ هل تأملتم مليا أي عبء اقتصادي ألقيتموه على عاتق الموظف، الذي لا يزال راتبه في الحضيض، عبر سجنه حتى الساعة الخامسة؟ وفرض وجبة غداء عليه خارج منزله؟ وهل فعلا تتخيلون أن الموظفين الذين أقررتم بأن الكثيرين منهم يخدم خارج منطقته، قادرون على الذهاب إلى منازلهم خلال مدة ساعة لتناول الغداء والعودة؟ هل دخلت في حسابكم الكلفة الاقتصادية الباهظة على الموظف والمجتمع؟ هل دخل في حسابكم التعويض على الموظف أجرة الطريق إلى منزله ذهابا وإيابا مرتين في اليوم؟ علما أنه لا يزال يتقاضى أجرة طريق لمرة واحدة محسوبة على حد أدنى للأجور، لا يزال مجمدا عند مبلغ 300000 ليرة؟ هل حسبتم الكلفة على الموظفات العاملات وهن كثيرات؟ وعبء الدوام الجديد على أسرة الموظفة وأبنائها؟ هل تتخيلون التفكك الأسري الذي سينجم عن مثل هذا القانون؟ هل تعلمون أن بعض الموظفين يلجأون لسد النقص في رواتبهم عبر ممارسة أعمال مهنية خارج الدوام، ووفق الاصول القانونية؟ وهل تبادر لأذهانكم أن قانون زيادة الدوام ينسف حقا مكتسبا للموظف نص عليه نظام الموظفين منذ عام 1959، وهو التعليم خارج الدوام الرسمي لمدة 10 ساعات؟».
يرى حيدر أنّ «زيادة الدوام خطوة غير محسوبة على طريق تدمير وتصفية الإدارة العامة، وإفراغها من كفاءاتها». هي سياسة مقصودة، كما يقول، حاولت وتحاول أن ترسم في الأذهان صورة قاتمة للإدارة لتحملها عن غير حق مسؤولية التسبب بالحال المتردية التي آلت إليها أوضاع البلاد الاقتصادية والاجتماعية، وذلك بهدف ضرب هذه الإدارة لحساب مشاريع التعاقد والخصخصة، وتحويلها إلى مزارع واقطاعيات للمحاصصة السياسية والطائفية.
كان لافتاً أن ينوه حيدر أخيراً «إذا كانت الفكرة السائدة تقول إن من يضرب ويعتصم يحقق مطالب، فإن الموظفين الإداريين صاروا يضربون ويعتصمون ويتظاهرون، ولن يسكتوا عن حقوقهم بعد اليوم».