«تُرى، حين أفقأُ عينيكَ، ثم أُثبتُ جوهرتين مكانهما، هل ترى؟ هي أشياءُ لا تُشترى». أمل دنقل
في الـ 48، 15 أيار، أعلن الصهاينة عن جريمة نفّذوها، وسط تصفيق الأمم، في فلسطين؛ إنما، بخلاف ما وقع في أميركا الشمالية، لم تكن الجريمة كاملة؛ إنها تُستكمل مذ ذاك، سنةً بعد أخرى.
دمّر الصهاينة البنية الوطنية المحلية للمجتمع الفلسطيني، وليس نافلاً، بالمطلق، التذكير بأنه كان يوجد، حتى العام 1948، مجتمع بكامله في فلسطين، بحضره وفلاحيه وبدوه، بطبقاته وفئاته الاجتماعية وأجياله وعائلة لهجاته وتراثه وصراعاته وحركاته السياسية، وصحافته، ومثقفيه، ومدنه وبلداته وقراه وأوابده، مساجده وكنائسه وكنُسه، والشوارع والميادين، والجبال والبحر والصحراء والمكتبات والمتاجر والمقاهي والملاهي والبارات، وكل ما يلزم من علاقات وانحيازات وقرابات ومحبّات وعداوات... وكل ذلك ليس هو نفسه، ولا يمكن أن يكون إلا في بنية وطنية اجتماعية واحدة، تشغل أرضاً لها حدود، صحيح انها متداخلة مع الأقطار السورية الأخرى؛ ولكنها حدود اجتماعية ــــ تاريخية، معرّفة ومعروفة، وتشكّل إطاراً جيوسياسياً تبلور أو كاد.
كان يمكن لفلسطين ـــ المحتلة قبل 15 أيار، أن تظلّ محتلة بعده؛ وأن تتحرر يوماً، وكان يمكن لـ «المنتصرين» في الحرب، إقامة دولة صهيونية تمارس التمييز العنصري تقارعها حركة تحرر وطني لمجتمع حيّ موجود على الأرض. مآل الصراع، كما حدث في جنوب أفريقيا، الحرية والمساواة. ربما كانت مسيرة الآلام، ستكون أطول، أقسى؛ إنما يحمل صليبها مجتمع مترابط مكتمل في بنية.
الجريمة الصهيونية التي ابتدأت في الـ48، تكتمل في تحطيم هذه البنية، من خلال التهجير الاستئصالي، والتفكيك في مقابل التواطؤ، القبول، وإعادة بناء فلسطين افتراضية، ذلك الاختراع الذي سبق الفيس بوك بسنين طويلة. بدلاً من المجتمع الفلسطيني على الأرض من لحم ودم، جرى تشبيك الفلسطينيين في رابطة فوق أرضية: التهجير مستمر، أصبح لدينا الآن لاجئون ونازحون ومهاجرون طوعيون (الضفة الغربية، وحدها، نزفت أكثر من مليون من أبنائها المسجلين فيها مواطنين في العقدين الأخيرين). الجماعة الفلسطينية ـــ الكويتية، والعراقية، تبددتا، والسؤال المعلق الآن حول الجماعة الفلسطينية ــــ السورية، أما الجماعة الفلسطينية ــــ اللبنانية، فهي بين مطرقة التغوّل الأصولي وسندان العنصرية.
حوالي نصف الشعب الفلسطيني يعيش اليوم في فلسطين التاريخية، ولكنه مقسم جيوسياسياً واجتماعياً وثقافياً ونفسياً إلى ثلاث جماعات. في الـ 48، وفي الضفة الغربية، وفي غزة. وخارج فلسطين، ينقسم أكبر تجمع فلسطيني ـــ ذلك الموجود في الأردن ـــ جماعات: متأردنين ومهاجرين وغزيين، عداك، بالطبع، عن الانقسام السياسي (الاندماج والمحاصصة أو الحق في الهوية والعودة) والانقسام الطبقي بين قصور عبدون في عمان الغربية والاكتظاظ اللاإنساني في مخيم البقعة.
الحقائق القديمة التي ما تزال مدهشة هي الآتية:
(1) هزيمتا الـ 48 والـ 67 هما، في النهاية، تعبير عن تفوّق صهيوني مادي في عديد المقاتلين وعدتهم، في التنظيم الحربي والإرادة؛ وما تزال مهمة التوازن الاستراتيجي قائمة وأصعب.
(2) التهجير وهو النكبة الأكبر أو أكبر ما في النكبة ـــ ما يزال مستمراً، بدأ بحرب ومذابح وتواصل بالعدوان، ويستمر في الترانسفير الناعم، الناجم عن صعوبات الاحتلال وانغلاق الأفق وضعف الفرص وفساد المؤسسات.
(3) المهمة الرئيسية المغيبة ما تزال هي هي: إعادة بناء المجتمع الفلسطيني في الهوية والسياسة والتنظيم، ومنع ــــ أو أقله خفض مستويات ــــ الهجرة، وإعادة تشكيل وعي العودة، تجذيره في حياة الفلسطيني وثقافته وحركته الفعلية. العودة حق مقدس؛ ولكنها واجب أيضاً، محور النضال الفلسطيني وهدفه؟
1 تعليق
التعليقات
-
لا يوجد حق عودة بل اكاذيب لتخدير الشعب الفلسطينىالكلام عن فلسطين لم ينته منذ احتلالها و نحن من سيء الى اسوأ فهل برأي السياسيون العرب او اللبنانيون او بالاخص الفلسطينيون ان فلسطين ستعود؟ عشم ابليس بالجنة فكيف ستحصل العودة اذا كان الوطن العربي على بركان من اجل ضمان امن العدو. اما اذا كان الوطن العربي يتهرب من مسئولياته اتجاه القضية الفلسطينية فعلى الجميع توفير العيش الكريم للفلسطينيين و بالاخص الدول العربية المحيطة. علينا ان لا نزايد و ان لا نتهرب من المسئولية كاملة اتجاه الشعب الفلسطيني 48 و على لبنان ان تقر بان لا عودة للفلسطينين و ان عليهم تجنيس ابناء اللبنانيات لان الكيل قد طفح و السياسة اللبنانية تعمل لمصحالها الخاصة فلا حق للمرأة اللبنانية على الاطلاق و لا حق لكبار السن و لا حق لاى لبناني بممارسة لبنانيته لان لا رأى له سوى التعبير عن رأيه بكل صراحة لكن هل من مجيب. فى النهاية لا عودة و لا ما يحزنون بل الاصعب الان هو مخيمات اللاجئين السوريين التى ستبنى على ارض لبنان و المصيبة اصبحت مصيبتين لكن اين الحل للمصيبة الاولى من اجل التفرغ للمصيبة الثانية و اين بوادر حق العودة الاولى قبل ان يتم بناء مخيمات للسوريين.