يهرع بعض الشبان وتتوقف بعض السيارات لتتأكد من بقاء مَن في داخل السيارة على قيد الحياة. «نعم، ما زلنا أحياءً. أنزف الكثير الكثير من الدماء، وأحتاج لنقلي إلى أقرب مستشفى على الفور». يحاول «ولاد الحلال» إجراء الإسعافات الأولية لوقف سيل الدماء من الأنف والحؤول دون فقدان وعيي، ريثما تصل سيارة الإسعاف لتقلّني. بعد أن حملني المسعفون إلى المستشفى، احتدمت فصول «المأساة».
اقترب الممرض في قسم الطوارئ في مستشفى الزهراء ليسألني سؤالاً أول: «ضمان أم تأمين؟». أستجمع قواي الجسدية لأشير له إلى الاحتمال الأول. ثم يسألني: «أهلك وين؟»، أنظر إليه ويمنعني الوجع من الإجابة. يتولى المسعف الإجابة بعد تكرار السؤال: «ع الطريق». يذهب، ويأتي زميلٌ له لـ«ينتزع» مني معلومات شخصية. بالكاد أقوى على الإجابة: اسم الوالد، الوالدة، العنوان، وهل البيت ملك أم إيجار؟!... أحاول إيفاءه بالمعلومات المناسبة، فيما أرى دمائي تسيل وأحسّ بالوجع يشتد. مرّ وقت منذ وصولي إلى الطوارئ ولم ألقَ حتى الآن أي عون من الأطباء والممرضين. اقتربت مني سيدة خمسينية كانت قد أسعفت أختها على ما يبدو: «بعد ما فحصوكي؟ ولَو».
سدّدت للطوارئعاد الممرض الأول ليكمل مهمته: «هل تقيّأتِ؟ هل شعرتِ بدوران في الرأس؟»، وما لبث أن أخبرني: «سننتظر حتى يصل أحد من عائلتك ليقوم بالإجراءات وتسديد مبلغ مالي على الصندوق... وبعدها نجري لك الفحوص والصور الشعاعية المطلوبة». سألته: «هل تتحمل مسؤوليتي إن كنت أعاني من نزف داخلي مثلاً؟». أجاب: «لا ما في شي، سننتظر أحداً من عائلتك».
في المستشفى
350 ألف ليرة وأنا
مضمونة
إذاً، تلك هي المسألة. حياتي مقابل مبلغ مادي وإجراءات روتينية. انتظرت أكثر من ساعة وربع ساعة في قسم الطوارئ، دون أي معاينة من طبيب أو فحص للتأكّد من عدم وجود خطر على حياتي». في النهاية، وصل والداي وقاما بـ«اللازم»، ليتبين أني مصابة بكسرين في الأنف ورضوض عدّة في أنحاء جسدي... فضلاً عن 350 ألف ليرة تقاضتها المستشفى في الطوارئ، على الرغم من أني مضمونة.
لاحقاً، اتصلت من «الأخبار» بإدارة المستشفى، وسألتها: هل تسعفون المريض في الطوارئ أم تنتظرون تسديد المال قبلاً؟ كان الجواب: «بالطبع نسعفه»!
هذه الواقعة، مثل الكثير منها، تحصل على أبواب المستشفيات. بعضنا يموت، وبعضنا ينجو. هكذا تسير الأمور: لا أحد يصون كرامتنا.
يمكنم متابعة فاطمة شقير عبر تويتر | @fatima_shoukeir