في أعقاب المواجهات التي نشبت بين الجيش ومسلحين في منطقة باب التبانة مساء الأربعاء الماضي، سرت أمس مخاوف من احتمال تكرار المواجهات، وتعرض الخطة الأمنية لانتكاسة، إذ تُعد مواجهaات الأربعاء الأولى من نوعها منذ بدء تنفيذ الخطة الأمنية في الأول من نيسان الجاري.
وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي أول من أمس، دعوات إلى تنظيم اعتصامات بعد صلاة الجمعة في مساجد طرابلس كافة، تحت عنوان «جمعة القبر والممات دون أعراض العفيفات». على أن تنتقل الاعتصامات إلى تظاهرات نحو ساحة عبد الحميد كرامي، للاعتصام هناك.
دعوات التظاهر لا شكّ أربكت طرابلس، ما جعل شوارعها تخلو من السيارات ومن المارة تدريجاً مع اقتراب موعد صلاة الجمعة، وسط انتشار غير مسبوق للجيش في محيط أغلب المساجد، وتحديداً في الشارع الرئيسي وساحة كرامي.
وفيما بقي مصدر الدعوات المذكورة مجهولاً، انتشرت شائعات بأنها مجموعات مقربة من الرئيس نجيب ميقاتي، أو جماعة الشيخ داعي الإسلام الشهال، أو أطراف أخرى لم يعلن عنها.
لكن مستشار ميقاتي للعلاقات الإسلامية عبد الرزاق قرحاني نفى لـ«الأخبار» هذه الشائعات، وأكد السعي إلى تطبيق الخطة على نحو تام، وقال قرحاني: «لا نقبل الغلط أبداً، لكنّ غيرنا ارتكب الغلط ثم باع الناس».
وفي ما خصّ الشهال، فقد رُجّح بحضوره إلى مسجد الصدّيق المجاور لساحة كرامي، احتمال أن يكون هو وجماعته وراء الدعوات إلى التظاهر والاعتصامات، لأنه نادراً ما كان يؤدي الصلاة في هذا المسجد.
لكن صلاة الشهال في مسجد الصديق لم تمر مرور الكرام. فلدى وصوله ومرافقيه الذين حملوا أسلحتهم على نحو ظاهر، غادر كثير من المصلين المسجد. بينما دار سجال بين مرافقي الشهال وعناصر الجيش المنتشرين في محيط، إثر طلب الجنود من هؤلاء إبعاد سياراتهم عن المدخل، وإخفاء أسلحتهم تحت طائلة مصادرتها، حتى لو كانت مرخصة.
لم يكن أمام مرافقي الشهال سوى الرضوخ لتعليمات جنود الجيش، حتى لا تتكرر التوقيفات التي حصلت مع بعض مرافقيه قبل أيام في حارة البرانية.
وعقب الانتهاء من صلاة الجمعة، وخطبة رئيس المحكمة الشرعية السنية العليا في طرابلس الشيخ سمير كمال الدين، اكتفى الشهال بإلقاء كلمة داخل المسجد أمام عدد ضئيل من المصلين، الذين ما لبثوا أن غادروا المسجد فور انتهاء حديث الشهال.
اكتفاء الشهال بهذا التحرك، أظهر أن الاتصالات التي أجرتها الأطراف السياسية نجحت في إجهاض أي تحرك معارض للخطة الأمنية، باستثناء تجمّع العشرات أمام مسجد «الأميرة» في باب الرمل، طالبوا بإطلاق الشيخ طارق مرعي ورفاقه الموقوفين في سجن رومية منذ سنوات، في ملفات متصلة بأحداث تنظيم «فتح الإسلام».
وكشفت مصادر سياسية مطلعة لـ«الأخبار» أن جهوداً وضغوطاً كبيرة مورست أول من أمس على المجموعات المسلحة ومن يعارضون الخطة الأمنية، و«جرى تحذيرهم من أن استمرارهم في هذا الأسلوب سيكون ثمنه غالياً».
وأوضحت المصادر التي وصفت ما حصل مساء الأربعاء في باب التبانة بـ«المخيف»، أنه «جرى إبلاغ من يعنيهم الأمر وبحزم شديد، أن الخطة الأمنية ستنفذ، وأن من يرفض «تقطيش القَرِّيعة»، فإن «الجيش سيدعس كل من يخربط ويقف في وجهه».
وأكدت المصادر أن «فتيل المواجهة مع الجيش وبؤر التوتر نزعت بكاملها من منطقة باب التبانة، وأن الأجواء أصبحت إيجابية، وما من أحد فيها يمكن أن يواجه الجيش، لأن الجميع توارى عن الأنظار». ولدى سؤال المصادر أين توارى المسلحون ردت ساخرة: « ذهبوا إلى حيث ذهب رفعت عيد!».
لكن معلومات تسربت من أكثر من جهة، أوضحت أن العناصر المحرّضين والمطلوبين للقضاء، أصبحوا بمعظمهم خارج طرابلس، وحتى خارج لبنان، وأن بعضهم توجه إما إلى تركيا أو إلى قطر والسعودية.
وترافق هذا التطور مع بيان موقع باسم «أبناء باب التبانة»، هو الأول من نوعه بهذا المضمون، وجاء فيه أنه «بعدما تحولت المنطقة إلى ما يشبه مدينة الأشباح؛ المحال مقفلة والبطالة منتشرة والعائلات مشردة من بيوتها، بسبب قلة لم يعملوا يوماً إلا لمصلحة زعمائهم السياسيين على حساب أبنائنا، فإننا نخير المطلوبين بين إما الرحيل ومغادرة باب التبانة، أو تسليم أنفسهم للسلطات، فيكفينا ما عانيناه من ويلات وجراح».
أما ميدانياً، فقد تابع الجيش تطبيق خطته الأمنية وتوقيف المطلوبين، وأوقف أمس عبد الحميد ح. في حارة البرانية، ومناف ع. حارس منزل رفعت عيد في جبل محسن.
وقضائياً، استجوب قاضي التحقيق العسكري نبيل وهبة، الموقوفَين المدعى عليهما في مجموعة باب التبانة، وأصدر مذكرتين وجاهيتين بتوقيفهما، كما أصدر مذكرات غيابية بتوقيف 12 مدعى عليهم، بينهم زياد (ع.) وفاروق (م) وسعد (م) سنداً إلى مواد الادعاء.