يبرود... ليست مجرد معركة أخرى يكسبها الجيش العربي السوري وحلفاؤه المقاومون في مواجهة الميليشيات الصهيوهابيّة؛ إنها مبتدأ معركة إعلامية وسياسية، حان وقتها، أقلّه بما يكافئ البطولات والدماء في الميدان. ما هي الخطوة العسكرية التالية؟ الله وجنوده أعلم، فما يهمنا هو ما يتوجب على الإعلاميين والسياسيين الملتزمين بنهج المقاومة، القيام به.
انهيار العصابات التكفيرية الإرهابية ليس حدثاً معزولاً مرتبطاً بمعركة يبرود؛ إنه تعبير عن مناخ عام يظلّل الجماعات المسلحة بكاملها: اليأس والقنوط والتفكّك واقتتال المجرمين واللصوص وثقل الغُلاة القَتَلة على المجتمعات المحلية؛ ليس هذا وقت «الحياد»، بل وقت الهجوم المثابر لإقناع المتورطين السوريين، لا بإلقاء السلاح ــــ وقد يكون هذا خيارا لمن يشاء ــــ وإنما للانتفاض على التكفيريين الإرهابيين الغرباء والقيادات المرتبطة بالأجهزة الاستخبارية العربية والغربية. الرسالة هي: الحرب انتهت، ولا فائدة من معارك إضافية ودماء إضافية؛ المهمة الآن هي السلام والأمن لسوريا، والمصالحة والوحدة والعزّة للسوريين جميعاً؛ لا غالب ولا مغلوب بين أبناء الوطن؛ كفى قتالاً وسجالاً، ولنبدأ ورشة الحوار والبناء.
في السياسة، لم يعد مسموحاً، بعد يبرود، التعامل مع أنصاف المواقف؛ أولاً، قوى الدولة السورية قادرة على الحسم العسكري في هذه الحرب الوطنية، وستحسم؛ وثانياً، أصبحت التفاهمات الدولية حول جنيف، بعد القرم، من الماضي؛ فالروس الذين يصادمون الغرب كله في أوكرانيا، اكتشفوا وكشفوا عجز القوى الغربية عن التصدي، العسكري أو السياسي أو الاقتصادي، لروسيا. الأخيرة، لم تعد مهتمة بالتفاهمات؛ بالعكس، لديها الآن مصلحة بتسخين الملفات من إيران إلى سوريا إلى كوريا إلى الحرب على الإرهاب إلى الغاز إلى الدولار ــــ الذي قرر الروس البدء بخفض التعاملات التجارية به، ــــ وسوى ذلك من الملفات التي تضمن تأكيد الحضور العالمي للقيصرية.
الجيش العربي السوري وحلفاؤه قوّة حسم لا رادّ لها؛ الغرب عاجز أمام الروس في سوريا؛ فماذا يبقى سوى طلب العون من العدو الإسرائيلي، كما يقترح، بذكاء اليائس، كمال اللبواني، العضو في... «الائتلاف» الذي تمرمر المعارضون الوطنيون لكسب رضاه.
حقيقة الميدان السوري وحقيقة الوضع الدولي، هما، الآن، المقدمة الأولى لكلّ نقاش جدي حول الحل السياسي للأزمة الاجتماعية الوطنية في سوريا؛ يعني ذلك البحث عن صيغ جديدة للمعارضة الوطنية تقطع الحبل السرّي نهائيا مع المعارضين العملاء، ومع أوهام جنيف والحل الدولي، وتقف، بحس عال من المسؤولية السياسية، على أرضية موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية: الرئيس بشار الأسد كسب الحرب ــــ للدولة وفي الدولة معا ــــ ولكنّه مستعدّ، موضوعيا وذاتيا، لحل سياسي أعمق بكثير مما يعتقد الكثيرون من أعداء النظام ومن أصدقائه؛ ليس ذلك منحة ومنّة، بل شرط للقيادة وإعادة البناء. وهما غير ممكنتين من دون جبهة اجتماعية وطنية ستقوم بالهيئات المعارضة الحالية أو بدونها؛ انتهى وقت الأوهام والثرثرة والعنجهية، وجاء وقت السياسة؛ السوريون يحتاجون اليوم إلى مثقفين وسياسيين ينظّمون مطالبهم ومصالحهم وصراعاتهم، في سياق وطني وواقعي وعقلاني؛ فأين المبادرات التي لا تجترّ سجال الطرشان؟
وما بعد يبرود والقرم، لم تعد المصالحات المائعة مع الخارجين عن محور الممانعة، مقبولة؛ فمساعي تعويم حركة «حماس» تبدو، اليوم، طبقاً بارداً بائتاً؛ قيادة «حماس» طعنت سوريا في الظهر، ورفعت علم الانتداب، وسجدت للسلطان العثماني، ومكنت للإرهابيين ضد الجيش العربي السوري، وتحولت إلى أداة للمشروع الإخواني ــــ القطري، وبات عليها أن تدفع الثمن السياسي لخياراتها السياسية.
يؤكد الرئيس بشار الأسد أن سوريا احتضنت «حماس» كونها حركة مقاومة، لا كونها حركة تابعة للإخوان المسلمين الممنوعين، قانونياً، في سوريا. والمقاومة ليست سلاحاً وتسليحاً؛ إنها، أولا وقبل كل شيء، موقف فكري وسياسي واستراتيجي والتزام إزاء المركز القومي، المتمثل، منذ تهاوي المركز المصري في كامب ديفيد، في دمشق. ودمشق ــــ حسب الرئيس الأسد بالنص ــــ تخيّر «حماس» بين «الإخوان» والمقاومة؛ ولا مناص من الاختيار. ماذا يعني ذلك بالضبط؟ يعني الاعتراف بالخطأ والنقد الذاتي العلني والاعتذار لسوريا وقطع الروابط مع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، عدوّ سوريا.
وإذا كانت دمشق ــــ وكل أطراف حركة التحرر العربية ــــ مدينة لبطولات حزب الله في ميدان الكفاح ضد الإرهاب التكفيري في سوريا، فلا الرئيس الأسد مضطر، ولا حركة التحرر العربية مضطرة، للقبول بصيغة اعادة ابتلاع الاخوان المسلمين في سوليفان المقاومة.
2 تعليق
التعليقات
-
اثني على كلام عمر... ولكنتحية للاستاذ ناهض الذي كتب ما قصدته استاذ عمر لم يقل ان نصفح عن من سفك الدم السوري ... بل ان نعيد ابناء الوطن السوري الى ديارهم ...يا اخ عمر كل من هم في لبنان هم من عوائل المعارضة .. هل يجوز ان يبقوا في لبنان عبئاً سياسياً وانسانياً واقتصادياً وامنياً ؟؟؟؟؟؟ هل نستطيع تحمل الأمر اكثر؟؟؟ المصالحة التي قصدها استاذ حتر لتعيد احياء ما تهدم وعودة السوريين الى ديارهم معززين مكرمين ..والبدء بعودتهم فبدل نصب خيم في لبنان فلينصبوها في الأراضي المحررة من التكفيريين ... وكما قلت استاذ عمر من قتل يجب ان يقتل ويحاكم ويسجن معك كل الحق لأن هذه الحرب كانت على كل المنطقة ليست على سوريا فقط ..ونحن في لبنان نأكل العصي انفجارات وقتل على الهوية ..
-
لا غالب ولا مغلوب لا تصاقب في سورياحل "لا غالب ولا مغلوب بين أبناء الوطن" كلام غير مقبول. انظر الى لبنان بلد اللا غالب ولا مغلوب الاصلي وسترى ما نتيجة تلك المعادلة الفارغة. بعد كل هذه الحرب لا بد من غالب ومغلوب. لم يحارب جنود الجيش العربي السوري ومن معهم من الحلفاء في حزب الله وبعض التنظيمات الفلسطينية ولم يستشهدوا من ان اجل ان يكون هناك لا غالب ولا مغلوب. كل حروب العالم تخاض من اجل ان يكون هناك غالب ومغلوب والتعادل ليس نتيجة. اذا كانت نتيجة كل هذا الدمار والموت لا غالب ولا مغلوب فماذا كانت الحاجة الى كل هذا الخراب؟ الجيش السوري والدولة السورية تنتصر وعدوها يخسر وهو المغلوب وعلى هذا الاساس تسير الامور. الخاسر يحاكم ويعدم ويسجن كل حسب جريمته ولكن كل هؤلاء يستحقون الاعدام بتهمة الخيانة العظمى. لو انتصرت داعش والنصرة فانك لن تسمع بلا غالب ولا مغلوب. كانوا سيفظعون بالناس وسيتعاملون من منطق غالب ومغلوب. يستحقون المثل. كل من خرب وقتل ودمر بلد عظيم كسوريا وناس عظماء كالشعب السوري يجب ان يحاكموا وينالوا مصير القتلة والخونة. وكل هذا كلام لا معنى له ان لم تنقل الحرب الى حضن من سلحها ومولها وجند المجرمين ليخوضوها. لا بد من ان يذوقوا من كأس السم نفسه الذي اذاقوه لسوريا وشعب سوريا وجيش سوريا واطفال سوريا. يجب ان يذوق اشباه الرجال والهامشيين ابا عن جد وكل من ورائهم شرقا وغربا طعم السم الذي اتوا به لسوريا. والا فانهم سيعيدون الكرة مرة بعد مرة. وكما قال الامام علي كرم الله وجهه: "والله ما غزي قوم في عقر دارهم الا ذلوا."