تحولت الجماعات «المعارضة» المسلحة في جنوب سوريا، فعلياً وعملانياً، إلى أدوات إسرائيلية، في إطار مشروع جيوسياسي محلي ـــ إقليمي: إنشاء جيب عميل في الجولان؛ بالنسبة إلى الجماعات، يحقق لها هذا المشروع منطقة نفوذ آمنة معززة بأسلحة نوعية، صواريخ مضادة للطائرات والدروع، وحماية ودعم لوجستي وعسكري وخدمي، يؤمنه الاحتلال، وتالياً منصة للحضور السياسي التفاوضي، عند البعض، ومنصة «ثورية» لإدامة الصدام مع النظام، عند البعض الآخر.
وبالنسبة إلى إسرائيل، فإن الحزام الأمني في المنطقة العازلة في الجولان، يؤمن لها (1) زيادة رقعة الأرض السورية المحتلة، بوساطة مقاتلين سوريين، تحت سيطرتها، بما يمكنها من التوسع وتلافي الخرق الشكلي لاتفاقيات فصل القوات الموقعة في أعقاب حرب تشرين، (2) تحويل المنطقة المنزوعة السلاح في الجولان من خندق مقاومة ضد الاحتلال إلى خندق عدوان ضد الجيش العربي السوري والمقاومة، (3) فرض وقائع ميدانية جديدة في أي مفاوضات لاحقة حول الجولان المحتل، (4) فرض توقيت المعركة مع إسرائيل لمنع قيام الحزام الأمني أو الصمت الذي يثبّت الوقائع الجديدة.
ليس لدى الولايات المتحدة، بالطبع، أي مانع يحول دون إنشاء الجيب العميل في الجولان؛ فإلى فوائده في الضغط على دمشق وطهران وموسكو في توجهات الحل السياسي الداخلي في سوريا، يمكن الركون إلى الاستخبارات الإسرائيلية في تحديد نوعية المسلحين في ذلك الحزام، والتأكد من ولائهم وانضباطهم بالإدارة الأميركية ـــ الإسرائيلية. وهي ضمانة كافية للسماح للسعودية بتزويدهم بأسلحة نوعية لا تصل إلى المنظمات الإرهابية!
زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو لجرحى «الجيش الحر» و«النصرة» في أحد مستشفيات الاحتلال، لم تكن، إذاً، مجرد استعراض لـ«إنسانية» جيش العدو الذي عالج، حتى الآن، 1600 من جرحى مقاتلي «المعارضة السورية»؛ بل كانت إعلاناً عن اتجاه العملية الجارية الآن في الجولان؛ تحشيد المقاتلين مستمرّ، يتسللون بانتظام من الأراضي الأردنية نحو الحمّة، فإلى الأراضي المحتلة، ومن ثم يقوم جيش الاحتلال بإمرارهم وتوزيعهم وفق الخطة!
عملاء. هل هناك وصف آخر؟ بيد أن عملية الجولان تتعدى ثنائية الوطنية والعمالة، إلى انكشاف تفاقم أزمة المعارضة السورية، بكل أطيافها؛ (1) فالمعارضة الخارجية التي ظهرت في جنيف 2، على الملأ، كبيادق أميركية، انتهت، سريعاً، إلى فهم للمعادلة ـــ ينظّر له كمال اللبواني بصراحة ـــ يقوم على أن العامل الوحيد القادر على نصرة خطها وحضورها هو العامل الإسرائيلي. وهي، بالتالي، متورطة حتى الأذنين، مع الإسرائيليين في عملية الجولان، بل وفي الإدراك الواقعي لدورها كمعارضة عميلة، (2) أما المعارضة الوطنية ـــ الداخلية ـــ التي تصمت حتى الآن ـــ ويا للعار ـــ على المؤامرة الصهيونية في الجولان، فلم يعد لها أفق سوى البحث عن لقاء مع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس. وهي تصدّق ـــ جهلاً أو تجاهلاً أو إدراكاً منها لضعفها البنيوي ـــ أن أبا مازن قادر على منحها شيئاً ما في معادلة إقليمية دولية شرسة ومعقدة كالتي تتم ترجمتها حرباً في سوريا. والأمر أن المعارضين الوطنيين خسروا منذ البداية فرصة التأثير في مجريات الأحداث، بامتناعهم المديد عن إدانة الإرهاب، وإصرارهم على الحوار مع العملاء والعمل على توحيد الصفوف معهم، وإلحاحهم على المساواة بين الإرهابيين والمقاومين في الحرب السورية، وعجزهم عن الخروج من إسار البرنامج الليبرالي إلى بلورة برنامج وطني تقدمي (وطني: مع السيادة والدولة والجيش والمقاومة، وتقدمي: معاد للنيوليبرالية، تنموي، ديموقراطي اجتماعي).
الوحيد الذي لامس برنامجاً كهذا هو قدري جميل؛ لكنه أضاع الفرصة على حضوره وحضور خطه وحزبه، وتخلى عن موقع رجل الدولة، ليحجز مقعداً «معارضاً»، جنباً إلى جنب مع الجربا وأمثاله، في القطار الوهمي لجنيف 2، قطار أوصله إلى المنفى.
الحرب حولت المعارضين السوريين، ويا للأسف، إلى عملاء أو بلهاء ـــ مهمّشين؛
ـــ عملاء، ذلك أن الصراع في سوريا وحولها، وعلى رغم كل ما يمكن قوله حول الأوضاع السورية الداخلية، هو، في النهاية، صراع بين جبهة المقاومة وإسرائيل، ولا يمكن لأي كان أن يجد لنفسه، موضوعياً، مكاناً خارج هذا الاصطفاف.
ـــ بُلهاء، ذلك أن روسيا تخوض الحرب السورية بكل ما تملكه من قوة كحرب وجود، بينما تستخدم الدبلوماسية كنشاط ضروري مواز. الموقف الروسي الفعلي ليس لدى سيرغي لافروف ـــ الذي يقوم بدوره بكفاءة ـــ وإنما لدى فلاديمير بوتين الذي لا يبدّل بشار الأسد بمليون معارض حتى من أمثال الرفيق قدري جميل!
المعركة على هذا المستوى الكوني؟ ولم تفهموها!