وداعاً سوليدير... مؤسسات تقفل وتهاجر نحو دبيّ وقطر وليبيا
strong>نادر صباغ
تغيّر وسط بيروت، على أهله وعلى روّاده. منذ اغتيال الرئيس الحريري في 14 شباط 2005 والمؤسسات التجارية في منطقة سوليدير تعيش انتكاسة اقتصادية متواصلة الفصول، دفعت بأصحاب هذه المؤسسات إلى السعي لإقفال محالّهم ومطاعمهم ومقاهيهم نهائياً والبحث عن منفذ خارج لبنان
أكثر من 35 مؤسسة تجارية أقفلت أبوابها في منطقة سوليدير منذ شباط 2005. غالبيتها محال ألبسة ومطاعم ومقاهٍ. اليوم يؤكد عدد كبير من أصحاب هذه المؤسسات أن الاعتصام المفتوح “المندلع حالياً هو القشة التي قصمت ظهر البعير” بحيث لم يعد ممكناً التفكير بالاستمرار في العمل، بل بات الإقفال النهائي الخيار المر.
في نظر هؤلاء “انتهى لبنان، وثقة اللبنانيين بوطنهم أصبحت كثقة السيّاح والمستثمرين العرب والأجانب معدومة”. منذ انطلاق جلسات الحوار باتت هذه المؤسسات تقفل أبوابها أكثر مما تفتحها. لا أرقام نهائية عن الخسائر التي يقدرها أصحابها بملايين الدولارات الأميركية. انسداد الافق أمام حل جذري للأزمة السياسية دفع بأصحاب هذه المؤسسات الى البحث عن الآليات الأنسب التي تضمن لهم الحد الأدنى من الخسارة، بعدما بات التعويض صعباً.
يؤكد بيار اسكندر (صاحب سلسلة مطاعم في سوليدير والأشرفية) أن قطاع المطاعم في سوليدير يخسر منذ اغتيال الرئيس الحريري بشكل فادح. ويوضح “لقد تراجعت نسبة أعمالنا نحو 70 في المئة إلى 80، مقارنة بعام 2004، ولا نعمل حالياً بأكثر من 10 في المئة من حجم الأعمال التي يفترض أن نحققها. خسائرنا في البلد كبيرة، ونفكر حالياً في الاستثمار خارج لبنان، في دبي وقطر وليبيا على وجه الخصوص”.
فعلى الرغم من صغر وحداثة السوق الليبية، يشير ميشال فرنيني (مدير أحد المطاعم في سوليدير) إلى أن “هذه السوق باتت تمثل أمام قطاع المطاعم اللبناني فرصة مثلى للاستثمار، مقارنة بالسوق اللبنانية، وذلك لاستقرارها على خلاف السوق اللبنانية الدائمة الاضطراب”.
ويتساءل “إذا كان الهدف من الحوار هو تحسين أحوال البلد، فكيف يعقل تعطيل البلد للتشاور في كيفية تحسينه؟ ولماذا سوليدير دائماً؟ يمكن عقد جلسات الحوار والاعتصام في أي مكان آخر. لماذا الإصرار على ضرب وسط بيروت الذي هو عصب الحياة الاقتصادية والتجارية”؟
لم يعد الاستثمار في لبنان مجدياً، كما يجمع معظم أصحاب المؤسسات التجارية، فرأس المال، إن توافر، بات من الأفضل استثماره في مشاريع خارج البلد ولا سيما في بلدان عربية واعدة كدبي وقطر والبحرين والكويت وحتى ليبيا. ويلفت هؤلاء إلى أن عدداً من المستثمرين العرب ضخّ أموالاً في منطقة وسط بيروت بعد انتهاء الحرب الأخيرة، ويؤكد أنه أصبح خائفاً على مستقبل استثماراته في لبنان.
يرى تجار سوليدير أن أهل السياسة، من الأطراف المتنازعة على اختلافهم، لا يبالون جدياً بما يلحق بالمؤسسات التجارية في الوسط من أضرار. ويشيرون إلى أنهم حاولوا مراراً إقناع المسؤولين السياسيين بتحييد سوليدير عن مسلسل الاجتماعات والاعتصامات، لكنهم لم ينجحوا، حتى أن الرئيس (مجلس النواب) نبيه بري رفض الاجتماع بوفد من نقابة أصحاب المؤسسات التجارية في سوليدير للاستماع إلى مطالبه.
يجسّد أنطوان عيد مأساة أصحاب محال الألبسة في وسط بيروت. فهذا القطاع يختلف عن قطاع المطاعم لكونه موسمياً. منذ العام الماضي ومواسم الأعياد مشلولة كلياً لدى بائعي الثياب والألبسة.
ويوضح “انتهى موسم الأعياد الذي كنا بانتظاره لتعويض الخسائر التي تكبدناها في عام 2005، وجرّاء الحرب الأخيرة. نشتري بضاعتنا قبل ستة أشهر من الموسم، أملنا خيراً بانتهاء الحرب. الشهر الجاري يعدّ مفصلياً بالنسبة لنا، وقد ضربنا فيه، لم يعد في إمكاننا تحمل الخسائر. كان يجب أن يدعوا فترة الأعياد تمرّ بسلام، لكن المقصود هو ضرب منطقة سوليدير لأنها مركز اقتصادي حيوي في لبنان. لسنا الوحيدين الذين نعاني الخسائر. فالمورّدون يتكبّدون مثلنا الخسائر تلو الأخرى”.
أزمة أخرى تضاف إلى الأزمات التي سيفرزها إقفال المؤسسات التجارية في سوليدير. وهي فقدان أكثر من 1500 شاب وشابة من اللبنانيين وظائفهم. فالمؤسسات في وسط بيروت تتميز بكون اليد العاملة فيها من الشباب اللبناني (غالبيتهم من طلاب الجامعات). اليوم بإقفال هذه المؤسسات يقدر بول عواد (محامي نقابة المؤسسات التجارية في وسط بيروت) أن أكثر من 1500 لبناني سيضافون إلى ركب العاطلين عن العمل في البلد.
ويوضح “إن كان لدينا مطاعم في الخارج نفضّل أن نرسل الكفايات إليها، وهكذا يخسر لبنان أفضل طاقاته الشابة، فاللبنانيون يسافرون اليوم حتى ولو كان الراتب الذي سيتقاضونه أقل من راتبهم في لبنان لأن في الخارج استقراراً ومستقبلاً أضمن”.
تقول جوزيان شابوريان (مديرة مطعم) “الوضع العام الضاغط يؤثر على عملنا بشكل كبير. ننتظر وقوع الحوادث كل دقيقة. حتى إذا تم حل الأزمة الراهنة سريعاً فقد قضي على أعمالنا في الفترة الممتدة من اليوم حتى الصيف المقبل. شهدنا الكثير من المصائب المتكررة، ونركز حالياً في عملنا على حل المشكلات المتفاقمة وإيجاد السبل لدفع رواتب موظفينا والمستحقات المتوجّبة علينا. إذا انتهت سوليدير فلا شيء يعوّض البلد”.
إزاء هذا الواقع الأليم، تقف المؤسسات التجارية في وسط بيروت أمام استحقاقات مالية ملحة لا تجد لها حلاً. فأصحاب هذه المؤسسات سيطالبون “شركة سوليدير بسلّة إعفاءات لمساعدتهم على تجاوز المرحلة”. أما الاستحقاقات المالية تجاه المصارف فهي الأصعب بنظرهم.
في هذا الإطار، يقول أصحاب المؤسسات أنه جرى الحديث مع جمعية المصارف لإعادة جدولة الديون، لكنهم لم يلمسوا عملياً ما سمعوه من كلام معسول في وسائل الإعلام، بل ان بعضهم يؤكد أن “المصارف تطالبهم منذ نهاية الحرب بدفع المستحقات المتوجبة عليهم”.
الإقفال والهجرة آخر الدواء عند أصحاب المؤسسات التجارية في سوليدير، وهم إن حصلوا على مساعدات في ما خصّ الإيجارات وفوائد القروض والديون ورواتب موظفيهم فقد يعاودون فتح مؤسساتهم، لكن الوضع الراهن لا يعني إلا الإفلاس. سوليدير يودّعها أهلها، منذ انطلاق الاعتصام. لم يعودوا قادرين على تفقّد أوضاع مؤسساتهم، مشهد لا يستطيعون تحمّله، كما يؤكدون.
تغيّر وسط بيروت، على أهله وعلى روّاده. منذ اغتيال الرئيس الحريري في 14 شباط 2005 والمؤسسات التجارية في منطقة سوليدير تعيش انتكاسة اقتصادية متواصلة الفصول، دفعت بأصحاب هذه المؤسسات إلى السعي لإقفال محالّهم ومطاعمهم ومقاهيهم نهائياً والبحث عن منفذ خارج لبنان
أكثر من 35 مؤسسة تجارية أقفلت أبوابها في منطقة سوليدير منذ شباط 2005. غالبيتها محال ألبسة ومطاعم ومقاهٍ. اليوم يؤكد عدد كبير من أصحاب هذه المؤسسات أن الاعتصام المفتوح “المندلع حالياً هو القشة التي قصمت ظهر البعير” بحيث لم يعد ممكناً التفكير بالاستمرار في العمل، بل بات الإقفال النهائي الخيار المر.
في نظر هؤلاء “انتهى لبنان، وثقة اللبنانيين بوطنهم أصبحت كثقة السيّاح والمستثمرين العرب والأجانب معدومة”. منذ انطلاق جلسات الحوار باتت هذه المؤسسات تقفل أبوابها أكثر مما تفتحها. لا أرقام نهائية عن الخسائر التي يقدرها أصحابها بملايين الدولارات الأميركية. انسداد الافق أمام حل جذري للأزمة السياسية دفع بأصحاب هذه المؤسسات الى البحث عن الآليات الأنسب التي تضمن لهم الحد الأدنى من الخسارة، بعدما بات التعويض صعباً.
يؤكد بيار اسكندر (صاحب سلسلة مطاعم في سوليدير والأشرفية) أن قطاع المطاعم في سوليدير يخسر منذ اغتيال الرئيس الحريري بشكل فادح. ويوضح “لقد تراجعت نسبة أعمالنا نحو 70 في المئة إلى 80، مقارنة بعام 2004، ولا نعمل حالياً بأكثر من 10 في المئة من حجم الأعمال التي يفترض أن نحققها. خسائرنا في البلد كبيرة، ونفكر حالياً في الاستثمار خارج لبنان، في دبي وقطر وليبيا على وجه الخصوص”.
فعلى الرغم من صغر وحداثة السوق الليبية، يشير ميشال فرنيني (مدير أحد المطاعم في سوليدير) إلى أن “هذه السوق باتت تمثل أمام قطاع المطاعم اللبناني فرصة مثلى للاستثمار، مقارنة بالسوق اللبنانية، وذلك لاستقرارها على خلاف السوق اللبنانية الدائمة الاضطراب”.
ويتساءل “إذا كان الهدف من الحوار هو تحسين أحوال البلد، فكيف يعقل تعطيل البلد للتشاور في كيفية تحسينه؟ ولماذا سوليدير دائماً؟ يمكن عقد جلسات الحوار والاعتصام في أي مكان آخر. لماذا الإصرار على ضرب وسط بيروت الذي هو عصب الحياة الاقتصادية والتجارية”؟
لم يعد الاستثمار في لبنان مجدياً، كما يجمع معظم أصحاب المؤسسات التجارية، فرأس المال، إن توافر، بات من الأفضل استثماره في مشاريع خارج البلد ولا سيما في بلدان عربية واعدة كدبي وقطر والبحرين والكويت وحتى ليبيا. ويلفت هؤلاء إلى أن عدداً من المستثمرين العرب ضخّ أموالاً في منطقة وسط بيروت بعد انتهاء الحرب الأخيرة، ويؤكد أنه أصبح خائفاً على مستقبل استثماراته في لبنان.
يرى تجار سوليدير أن أهل السياسة، من الأطراف المتنازعة على اختلافهم، لا يبالون جدياً بما يلحق بالمؤسسات التجارية في الوسط من أضرار. ويشيرون إلى أنهم حاولوا مراراً إقناع المسؤولين السياسيين بتحييد سوليدير عن مسلسل الاجتماعات والاعتصامات، لكنهم لم ينجحوا، حتى أن الرئيس (مجلس النواب) نبيه بري رفض الاجتماع بوفد من نقابة أصحاب المؤسسات التجارية في سوليدير للاستماع إلى مطالبه.
يجسّد أنطوان عيد مأساة أصحاب محال الألبسة في وسط بيروت. فهذا القطاع يختلف عن قطاع المطاعم لكونه موسمياً. منذ العام الماضي ومواسم الأعياد مشلولة كلياً لدى بائعي الثياب والألبسة.
ويوضح “انتهى موسم الأعياد الذي كنا بانتظاره لتعويض الخسائر التي تكبدناها في عام 2005، وجرّاء الحرب الأخيرة. نشتري بضاعتنا قبل ستة أشهر من الموسم، أملنا خيراً بانتهاء الحرب. الشهر الجاري يعدّ مفصلياً بالنسبة لنا، وقد ضربنا فيه، لم يعد في إمكاننا تحمل الخسائر. كان يجب أن يدعوا فترة الأعياد تمرّ بسلام، لكن المقصود هو ضرب منطقة سوليدير لأنها مركز اقتصادي حيوي في لبنان. لسنا الوحيدين الذين نعاني الخسائر. فالمورّدون يتكبّدون مثلنا الخسائر تلو الأخرى”.
أزمة أخرى تضاف إلى الأزمات التي سيفرزها إقفال المؤسسات التجارية في سوليدير. وهي فقدان أكثر من 1500 شاب وشابة من اللبنانيين وظائفهم. فالمؤسسات في وسط بيروت تتميز بكون اليد العاملة فيها من الشباب اللبناني (غالبيتهم من طلاب الجامعات). اليوم بإقفال هذه المؤسسات يقدر بول عواد (محامي نقابة المؤسسات التجارية في وسط بيروت) أن أكثر من 1500 لبناني سيضافون إلى ركب العاطلين عن العمل في البلد.
ويوضح “إن كان لدينا مطاعم في الخارج نفضّل أن نرسل الكفايات إليها، وهكذا يخسر لبنان أفضل طاقاته الشابة، فاللبنانيون يسافرون اليوم حتى ولو كان الراتب الذي سيتقاضونه أقل من راتبهم في لبنان لأن في الخارج استقراراً ومستقبلاً أضمن”.
تقول جوزيان شابوريان (مديرة مطعم) “الوضع العام الضاغط يؤثر على عملنا بشكل كبير. ننتظر وقوع الحوادث كل دقيقة. حتى إذا تم حل الأزمة الراهنة سريعاً فقد قضي على أعمالنا في الفترة الممتدة من اليوم حتى الصيف المقبل. شهدنا الكثير من المصائب المتكررة، ونركز حالياً في عملنا على حل المشكلات المتفاقمة وإيجاد السبل لدفع رواتب موظفينا والمستحقات المتوجّبة علينا. إذا انتهت سوليدير فلا شيء يعوّض البلد”.
إزاء هذا الواقع الأليم، تقف المؤسسات التجارية في وسط بيروت أمام استحقاقات مالية ملحة لا تجد لها حلاً. فأصحاب هذه المؤسسات سيطالبون “شركة سوليدير بسلّة إعفاءات لمساعدتهم على تجاوز المرحلة”. أما الاستحقاقات المالية تجاه المصارف فهي الأصعب بنظرهم.
في هذا الإطار، يقول أصحاب المؤسسات أنه جرى الحديث مع جمعية المصارف لإعادة جدولة الديون، لكنهم لم يلمسوا عملياً ما سمعوه من كلام معسول في وسائل الإعلام، بل ان بعضهم يؤكد أن “المصارف تطالبهم منذ نهاية الحرب بدفع المستحقات المتوجبة عليهم”.
الإقفال والهجرة آخر الدواء عند أصحاب المؤسسات التجارية في سوليدير، وهم إن حصلوا على مساعدات في ما خصّ الإيجارات وفوائد القروض والديون ورواتب موظفيهم فقد يعاودون فتح مؤسساتهم، لكن الوضع الراهن لا يعني إلا الإفلاس. سوليدير يودّعها أهلها، منذ انطلاق الاعتصام. لم يعودوا قادرين على تفقّد أوضاع مؤسساتهم، مشهد لا يستطيعون تحمّله، كما يؤكدون.