فجأة، تُشغل المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي، بكيل التهم للنازحين السوريين. يعود الحديث عن «سطل الزبالة» الذي رمي في لبنان، هكذا، بلا سابق إنذار. يوقظ كثيرون عنصريتهم، التي لا تنام أصلاً، ويفرغونها دفعة واحدة في وجوهنا. قد يسأل أحد ما: ما الخبر؟ وسرعان ما يأتي الجواب بـ«لينك» شُغلت المواقع الاخبارية والهواء الإذاعي بنشره منذ صباح أمس الباكر. من موقع إلى آخر، صار الخبر معمماً ومؤكداً، وخصوصاً أنه منسوب إلى «مصدر أمني موثوق به».
يقول الخبر، المنقول عن المصادر الموثوق بها «وجدت شابة في العقد الثالث من العمر مرمية إلى جانب الطريق في البقاع الشمالي، وهي تعاني نزفاً حاداً (…) ووفقاً للمعلومات، فإن الشابة التي تدعى ح. غ. ع. من بلدة الشيخ طابا في عكار، مواليد عام 1981، تعرضت لعملية اغتصاب جماعية من قبل سوريين (…) وقد نقلت إلى مستشفى العاصي في الهرمل، فيما يجري البحث لمعرفة هوية المعتدين».
من يقرأ الخبر أعلاه، فلن يلفته سوى مصطلحين: الاغتصاب الجماعي والسوريون. وعلى هذا الأساس، ستشتعل المواقع الإخبارية بالخبر الذي سيُعنون بالتالي «تعرض شابة لاغتصاب جماعي من قبل سوريين في البقاع»، الذي سيحوز بلا شك أكبر عدد من «التشيير» ـ (share) باللغة الفايسبوكية، لكن، هل كلف أحد من هؤلاء نفسه عناء البحث أكثر؟ مثلاً الاتصال بمستشفى العاصي للتأكد من حالة الفتاة؟ وهو أبسط ما يمكن القيام به قبل التعرض للفتاة التي يتناقلون اسمها، هذا أولاً، وإلصاق التهمة وتعميمها على السوريين في المقام الثاني؟ الأكيد أن لا أحد أجهد نفسه في السؤال. ولمن لم يقم بذلك، فمن الضروري أن يعرف مثلاً أن «تقرير الطبيب الذي كشف على الفتاة يشير إلى أن لا اعتداء جنسياً قد ظهر ولا ادعاء شخصياً من قبل الفتاة، ولا حتى توقيفات»، بحسب المصادر الأمنية «الموثوق بها أيضاً» في مخفر رأس بعلبك. وتكمل المصادر قولها إن «كل ما في الأمر أن الفتاة كانت تتلوى من الألم على طريق رأس بعلبك، وهي تنزف، وقد اتصل الأهالي الذين وجدوها بعناصر من مخفر درك المحلة (…) وبعد نقلها إلى المستشفى والكشف عليها من قبل الطبيب، تبين أنها تعاني عارضاً نسائيا». في الحقيقة كانت تمرّ بـ«الدورة الشهرية». وهذا ما أكده أيضاً محضر التحقيق، الذي أجراه مخفر الهرمل، إذ أشار إلى أن «الطبيبة النسائية التي كشفت على الفتاة أشارت إلى أن السبب عارض نسائي وقد وقّعت الفتاة أقوالها».
إذاً، الدم سببه الدورة الشهرية. فكيف تحوّل الى شائعة «الاغتصاب الجماعي»، ونُسب الى السوريين؟ الجواب واضح وبسيط: من «عقليتنا العنصرية»، يقول المصدر الأمني. عقلية استحالت معها الدورة الشهرية اغتصاباً، وهي نفسها التي استسهلت تخيل التهمة التي سرعان ما عممت على السوريين كلهم الموجودين هنا في لبنان. هذه العقلية هي نفسها التي منحنا بموجبها جريمة الاغتصاب «جنسية» هي الجنسية السورية.